قانون «تنظيم الفتوى» فى انتظار دور الانعقاد المقبل للبرلمان: أزهريون: انتشار الفتاوى الشاذة عرقلة لتجديد الخطاب الدينى

112

أثارت فتاوى جنسية خرجت مؤخراً من علماء أزهر جدلاً واسعاً فى الأوساط الأزهرية وغيرها، فى ظل انتظار قانون تنظيم الفتوى المعروض على مجلس النواب، حيث طالب عدد من الأزهريين بضرورة بوقف الفتاوى الشاذة ومنعها من الصدور الإعلامي، واقتصار الفتاوى على لجان مختصة فى دار الإفتاء، بالإضافة لمنع ظهور الأزهريين وغيرهم على الشاشات، خاصة أن كل الأزاهرة ليسوا معنيين بشئون الفتوى، إلى جانب وضع معايير من شأنها تأهيل العالم على الفتوى ومستجدات العصر، موضحين أن البعض يستند لهذه الفتوى كرأي صحيح خرج من مؤسسة عريقة مثل الأزهر الشريف، خاصة أن هذه الفتاوى تعتبر عرقلة لتجديد الخطاب الديني، الذي تسعى المؤسسات الدينية له منذ أن طالب به الرئيس السيسي.

ورصدت “الأهالي” عددا من الفتوى الشاذة التي خرجت من علماء أزهر وسلفيين كانت سببا فى إثارة البلبلة والجدل بين الناس، كان أخرها فتوى الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية للبنات فى جامعة الأزهر، التي قالت إن الفقهاء أجازوا للرجال معاشرة البهائم، على أن يسري هذا على أي نوع من الحيوانات، وكان هذا ردا على فتوى الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، عن إجازة معاشرة الزوج لزوجته المتوفية، “معاشرة الوداع”، بالإضافة لقول الدكتور على جمعة المفتي الأسبق، يجب تشجيع سياحة العري خاصة أن المسلمين كانوا يطوفون عراة حول الكعبة فى حضره النبي، وفتوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء الإسلام مصطفى راشد، بأن الخمر ليس حراماً، إلى جانب تحريم الداعية السلفى سامح عبد الحميد، تحية العلم فى المدارس، وأجاز السلفى أسامة القوصي، تلصلص أو تجسس الرجل على المرأة، أثناء استحمامها أو أينما وجدها عارية، إذا كان يبتغي خطبتها والزواج منها، وجواز أيضاً ترك الرجل زوجته للاغتصاب، إذا خاف على حياته من القتل، وجواز إغلاق الرجل الباب على زوجته وعشيقها إذا شاهدهما فى سريره.
خروج على النهج
فى الوقت نفسه اكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، على أنه لا يصح الترويج للأقوال الضعيفة والشاذة والمرجوحة، المبثوثة فى كتب التراث، وطرحها على الجمهور، فهذا منهج يخالف ما عليه أهل السنة والجماعة الذين أجمعوا على ترك العمل بالأقوال الشاذة، مشيرًا إلى أن الفقهاء قالوا بوجوب الحجر على السفيه الذي يبدد ماله ولا يصرفه فى مساراته الصحيحة، وكذلك الحال بالنسبة لمدعي الإفتاء يجب الحجر عليه، لأنه مستهين بالعلم، متبع للهوى، غير ملتزم بما ورد فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية وبما أجمع عليه المسلمون، ولم يراع أصول الاستنباط السليم.
وبيّن الإمام الأكبر، أنه ليس كل منتسب للأزهر يعبر عن صوته، فبعض ممن ينتسبون إلى الأزهر الشريف يحيدون عن منهجه العلمي المنضبط، ونحن نقول للمسلمين: “إن الأزهر الشريف ليس مسئولا عن هؤلاء الشاردين عنه”.
وأضاف أن الهيئات المخولة بتبليغ الأحكام للناس أو بيان الحكم الشرعي فيما يثار من قضايا أو مشكلات تواجه المجتمع على أساس شرعي هي: “الهيئة الكبرى هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء، ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية”، ولا يكون ذلك لفرد أو أفراد، محذرًا من اختيار المسلم الحكم الشرعي بمزاجه مستفتيًا قلبه.
وشدد على ضرورة الحجر على أصحاب الفتاوى الشاذة، خاصة أنها تضر المجتمعات، منوهًا إلى أن الدستور والقانون خولا لهيئة كبار العلماء الاختصاص بالبت فى القضايا الشرعية، وفيما قد تختلف فيه دار الإفتاء مع مجمع البحوث من أحكام شرعية، وهذا موجود فى كل العالم الذي يحترم العلم والدين والفقه، ولا يعرض أحكام الدين كسلعة تعرض فى البرامج والسهرات التليفزيونية.
عبث واضح
وقال الدكتور أسامة العبد، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، إن قانون تنظيم الفتوى المقدم من الدكتور عمرو حمروش، سوف يتم عرضه على اللجنة العامة فى دور الانعقاد المقبل، خاصة بعد موافقة الأزهر، ودار الإفتاء، والأوقاف عليه.
وأوضح أن هناك عبثا واضحا فى فوضى الفتوى التي اجتازت المجتمع فى الآونة الأخيرة، خاصة أن هذا القانون يمنع غير المختصين من الفتوى، ومعاقبة من يفتي بغير علم أو تصريح له، فضلا عن اقتصار الفتوى على الجهات المعنية بالأمر، حتى لا يتم الخلط بين العلوم الشرعية والتيسير.
طعن التراث
وفى السياق ذاته قال الدكتور على الأزهري، المدرس المساعد بجامعة الأزهر، إن الفتاوى الشاذة بمثابة انتهاز الفرص للطعن فى التراث ومناهج الأزهر، خاصة أن هذه الفتاوى لا تمت للشرع بصلة، ووطء الزوجة الميتة، فى التراث حرمه الأئمة الأربعة، وأجمع أبو حنيفة والشافعي، وأحمد، ومالك على تحريم هذا الجرم، وقال الإمام الأعظم أبو حنيفة : الرجل الذي يطأ ميتة يعزر أي “ يجلد “ بحسب تقدير القاضي، وقال المالكية: يحد من أتى ميتة فى قبلها أو دبرها؛ لأنه وطء فى فرج آدمية، فأشبه وطء الحية، ولأنه أعظم ذنباً وأكثر إثماً؛ لأنه انضم إلى الفاحشة هتك حرمة الميتة.
ولذلك فأن الحنفية والشافعية والحنابلة فى الأرجح عندهم: لا يحد واطئ الميتة؛ لأن هذا ينفر الطبع عنه، فلا يحتاج إلى الزجر عنه بحد كشرب البول، بل يعزر ويؤدب، متسائلا أين إباحة الفقهاء لما يدعيه البعض زورًا وبهتانًا.
وأضاف على الأزهري، أن مسألة وطء البهائم التي تصدرت الشاشات : حرام بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وباتفاق الصحابة، وجمهور الفقهاء، ومن وطء بهيمة فهو ملعون مطرود من رحمة الله تعالى، ففى الحديث عن ابن عباس رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غير تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى عن طريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط. رواه أحمد. وقال الأرناؤوط إسناده حسن.
مشكة الجهل
وقال الشيخ ماهر خضير، إمام وخطيب بالأوقاف، إن هناك حاجة ملحة الآن إلى منع الفتاوى الفضائية عبر الشاشات للأزاهرة وغيرهم، وجعلها قاصرة على اللجان المختصة بالأزهر ودار الإفتاء، مشيراً إلى أن فتاوى الفضائيات أصبحت تستغل الشهرة والدعاية وزيادة عدد المشاهدات، وليست لتعليم الناس، أو تحصين المجتمع وهذا ما قد يضر بعامة الناس، ويؤثر بالسلب عليهم.
وأشار خضير إلى أن النبي ذكر من أفتي وتسبب فى مقتل شاب احتلم و به جرح، فأفتاه البعض بجهل ولم يراعوا حاله، فقال “قتلوه قتلهم الله”، لافتاً إلى أن كتب الفتوى تعج بآراء شاذة نقلت على سبيل الإخبار وليست ليعمل بها، لكن الجهل دفع البعض إلى تناولها وإذاعتها على الناس.
اقتراحات
بينما اقترح محمد مأمون ليله، الباحث فى الشئون الإسلامية، أن يكون هناك بروتوكول بين الأزهر والقنوات الفضائية يضمن تصدر الأزهر بصورة رسمية قانونية صريحة القنوات الإعلامية، مع منع غيره من الظهور؛ مشيراً إلى أن العقد أو هذا البروتوكول بينه وبين القنوات الإعلامية يجب أن يكون برعاية مؤسسات الدولة، ويقضي الاتفاق على ميثاق يتضمن عدم الطعن فى الثوابت، ويشمل ذلك المصادر والعلماء، وعدم التعرض للأزهر، والأخذ فى الفتاوى بالأقوال المعتمدة لا الشاذة، وعدم إثارة الآراء الغريبة، وعدم إحياء الأقوال الميتة، وعدم الطعن فى أقوال المذاهب أو المخالفة لرأي المتكلم، وعدم إثارة النعرات الحزبية، أو الطائفية، والتكلم فيما يفيد وينفع، لا فيما يخرب ويهدم.
واختتم المدرس المساعد بالأزهر، اقتراحه بأن تضمن مؤسسات الدولة تنفيذ ومتابعة هذا العقد، كونه يصب فى مصلحة الدولة أولا وأخرا، ومن باب الحفاظ على الأمن والسلم العام، مؤكداً لا بأس من تنظيم قانون للفتاوى يقترحه الأزهر الشريف بالتعاون مع المفكرين ومؤسسات الدولة، ويراعي فيه ما سبق.

التعليقات متوقفه