محمد فياض يكتب :قراءة متأنية من يناير إلى يونيه ..خفايا مخطط الفوضى الخلاقة ..(٣ – ٤)

221

*بقلم محمد فياض:

ما حدث في يناير.. وما تلاه في يونية.. وحسب ديباجة الدستور.. ثورتان.
لكن ماهية الثورة.. والثورة في النموذج الشعبي حال دون تحققها في مصر عدم الحصول على النتائج..
فلا تمكنت الجماهير المصرية من الحصول على قادة ثوريين، يحملون المشروع الثوري لشعب مصر العظيم.. ولا كانت النخبة تمتلك الحد الأدنى للحصول على الرضا العام الثوري للحراك.. ولم يكن بمقدورها لأسباب كثيرة أن تستوعب حراك الجماهير، ولم تتوقعه ذهنياً في منطقة الخيال المطلق، وبالتالي استحال عليها تلمس إمكان حدوثه في منطقة الخيال الافتراضي.. ولم يخرج المصريون بالتالي وفي أياديهم فلاسفة ثورة، يستطيعون كتابة المشروع الثوري العبقري لشعب مصر، والذي لخصه الشعب كله في هتاف واحد ووحيد…. (عيش. حرية. عدالة إجتماعية) .
الشعب الذي حدد بدقة لفلاسفة الثورة والذين لم يتم العثور عليهم ليومنا هذا، خطة العمل والمشروع البديل لمشروع حكم مبارك..
قدم الشعب مشروعه .. في الإقتصاد ثم السياسة لصناعة المجتمع المتناغم المنضبط طبقياً.. لكنه فشل في العثور على فلاسفة ثورة، وفشل في العثور على قائد للمشروع من الميدان.
فكانت المشهدية السياسية العقيمة التي تتصدر الآن باسم الأحزاب الجديدة لانج.!!!
وغلق كل المطلات على الأحزاب السياسية الحقة، لنحصل على استنساخ سيئ ومشوه لتجربة حزبية تتم من خلالها مصادرة السياسة وتأميمها.. وإن حاولت الأحزاب المؤلفة من دولاب الأرشيف السيئ للحزب الوطني الديموقراطي، الذي أعتقد تم حله لتوزيع قطع الخمائر منه، إلى عجائن حزبية لا تسمن ولا تغني في السياسة، عن احتقان لا يمكننا التعامي عنه .
ولم تبصر مصر في سكتها سوى ثلاثة من السيناريوهات، وقفت أمامها تتلمس وتفاضل، بين سيناريو للاستقرار الدائم، كانت تعوذه البلاد وخذلتها نخبتها، التي ما وجدت لها دوراً دون الهتاف في الصفوف الخلفية للجماهير، حتى إذا ما أرادت أن تمايز ثلتها، وجاءتها التعليمات فاعتلت منصات الإعلام تمارس الأدوار المرسومة وبدقة، لتحصل على دور في لفافة الأنفار، التي سيصنع منها النظام الثيوقراط عرائسه، لإلهاء الجماهير وتسليتها والتسلية بها وعليها .. ليتمكن ووفق المخطط الأجنبي المعد سلفا للحالة المصرية، واستعدت أنفار النخبة لإطلاق اللحى ولبس الجلباب، وأومأت إلى جمهورها من النساء بارتداء النقاب .. فتغير فجأة المشهد البصري في شوارع مصر.. ولم تجد الجماهير من يتولى عنها وضع أجندة عملية للثورة .
وبالتالي لم تدلف قدما الوطن سكة الإستقرار الدائم، للأخذ بيد المصريين إلى معركة رص اللبنات، في بناءات الدولة المصرية المدنية الديموقراطية الحديثة، التي تنتصر لمباديء الحق والعدالة الإجتماعية، والعودة لشغل الدور العربي والإقليمي الرائد، فلا محل لمشروع المصريين في العيش والحرية والعدالة الإجتماعية إذن .
لتنعطف مصر إلى طريق آخر .. وأمامها سيناريو للاستقرار الملغوم، وآخر للفوضى.
….وبينما نحن في رحابة من التدقيق، وأناة من الوقت، نعاود وقبل الانخراط في سيناريو الاستقرار الملغوم، تحاشياً للوقوع في مستنقع لسيناريو الفوضى غاية المخطط الأجنبي، وثمرة التجهيز لمسرح المنطقة عشرات السنين ومئات المليارات، التي أنفقت من فوائض مبيعات النفط العربي.
وفي أناة ونحن نراجع بعض محطات المخطط نرى أنه قد أخطأ من يعتقد أن عربة بوعزيزي التي اصطدمت ببيروقراطية الإدارة المحلية في تونس، وعاقت تسويق بضاعته لكسب العيش، أنتجت حدثا أطلق صافرة إنتهاء وقت أربعة رؤوس عربية كبيرة في النظام الرسمي العربي.
كان حدثاً عادياً يتكرر آلاف المرات في منطقتنا.. لا يكفي لذاته أن يكون انقلابياً ليطيح بقادة كبار في العواصم العربية.. إلا لأنه وقع في خانة التخطيط وداخل مجال صناعة الفعل… وتوابعه .
ولخص ذلك عميد الخارجية الأمريكية وثعلبها العجوز هنري كيسنجر في كتابه (النظام العالمي الجديد) بأن المنطقة – يقصد منطقتنا العربية – تنتظر تسوية إقليمية شاملة وكبيرة تشبه تسوية الحرب العالمية الأولى.
وبالطبع كان يلزم المحافظون الجدد وبالتعاون مع الخبراء الإستيراتيجيين في إسرائيل، المنهج والأدوات لتحقيق الشرق الأوسط الكبير ومركزه الدولة الصهيونية الكبرى .
فاخترع إليوت كوهين مشروعه للفوضى في كتابه “القيادة العليا في زمن الحرب” ، وجاء بعده مايكل ليدين العضو المعروف في معهد أمريكا انتر برايز ليكتب للمرة الأولى الصياغة السياسية، التدمير البناء.. الفوضى الخلاقة .. في مشروعه (التغيير الكامل في الشرق الأوسط) في 2003 ، وأطلقت الإدارة الأمريكية كونداليزا رايس لتنطق به، لتسويقه من خلال حديثها إلى الواشنطن بوست في 2007 ، بعد اعتماده من المحافظين الجدد منهاجا للتطبيق الميداني، لمشروع تفتيت الوطن العربي .مشروع برنارد لويس.
أما عن الأدوات، فكانت الخطة أن تنقسم بين منصات إقليمية في عواصم كبرى، تتوزع عليها الأدوار من حيث ميادين الفعل .. اختلفت من تونس إلى مصر إلى اليمن إلى ليبيا إلى سورية .. ينحصر دور تلك العواصم في مهمة محددة في المخابرات المركزية، لا تعدو تقديم الدعم، كل الدعم، وفتح الحدود والإنفاق على التسليح، وإدارة الميليشيات على الجغرافيا .. كل حسب دوره .
وإن تعرت على الأرصفة عورات حكام تلك العواصم … كأن تؤيد ميليشيات الإخوان الإرهابية .. وتنفق على تسليحها ومرتباتها في بلد عربي .. وفي بلد عربي آخر تدعم ضد نفس الميليشيات .. والأدوات كانت على الأرض هي ميليشيات إسلاموية .. تدربت وتسلحت وخاضت الحرب العالمية الثالثة ضد الاتحادالسوفييتي .. بدعم وتخطيط وتمويل من ذات الفريق .. الدولي والإقليمي..
وامتداداً لهذه الحرب بأدوات الإرهاب، وقعت مصر وفقا للمخطط في قلب الاستهداف .
ولأسباب داخلية، ليس أقلها الفشل النخبوي .. والذي يرقى لمستوى يستوجب المحاكمة والعقاب، وقف فريق عاصري الليمون يساعدون لتسليم مصر الى الجماعة الإرهابية، إسهاماً منهم في مشروع الشرق الأوسط الكبير، والذي وفق المخطط ستتولى الجماعة إنفاذه في مصر .. بالقضاء على الهوية والدولة القطرية .
وكان هذا .. سيناريو الفوضى الذي أرادته واشنطن لمصر .. وساهمت فيه عواصم إقليمية تربطنا بها علاقات كبرى .. لعبت أدواراً تمت هندستها في تحالف أجهزة مخابراتية لإسقاط مصر .. لكن مصر قطعت الطريق على هذا السيناريو .. وألجمت الفوضى ….
.. ..ونكمل في الحلقة القادمة

..الحلقات السابقة:

الحلقة الأولى ..محمد فياض يكتب: قراءة متأنية من يناير إلى يونية..(١ – ٤)

محمد فياض يكتب :قراءة متأنية من يناير إلى يونية بين العوامل الداخلية للغضب .. والخارجية للحراك..(٢- ٤)

 

التعليقات متوقفه