أشرف بيدس يكتب:الاختيار.. البحث عن الذات

227

*أشرف بيدس 

الاختيار.. البحث عن الذات

المخرج: يوسف شاهين – إنتاج: المؤسسة المصرية للعامة السينما- قصة وسيناريو وحوار: يوسف شاهين-  بطولة: سعاد حسني- عزت العلايلي- يوسف وهبي-  سيف الدين- هدي سلطان- محمود المليجي- مديحة كامل- سعد أردش- عبدالرحمن أبوزهرة – ميمي شكيب- علي الشريف- أشرف السلحدار- سهير فخري- كمال مرسي- محمود صبحي- رشا حامد, موسيقي: علي إسماعيل- مونتاج: رشيدة عبدالسلام – تصوير: أحمد خورشيد, تاريخ العرض: 15 مارس 1971- مدة العرض: 103 دقائق.

يحتل فيلم ” الإختيار 1971 ” المركز (53) فى قائمة أفضل 100 فيلم فى ذاكرة  السينما المصرية, عرض الدور علي نجوي إبراهيم ولكنها رفضت لوجود قبلات ساخنة وتمزيق ملابس للبطلة,  بينما وافقت سعاد حسني علي القيام بالدور.

حكي عزت العلايلى في برنامج «دكان الفن» مع علا الشافعي: “اختلفت مع يوسف شاهين على بطل الفيلم، حيث كان مزمعا أن يقوم يوسف شاهين ببطولة الفيلم, وأقوم أنا بإخراجه, بعدها بأسبوع تراجع شاهين عن التمثيل ورشح عبدالحليم حافظ لبطولة الفيلم، لكنه رفض بسبب عدم وجود أغانٍ به، واعتزازه بكونه مطربًا بالأفلام التى يقدمها، وتم ترشيح  رشدى أباظة، وذهبنا سويا إلى العلمين لمقابلته حيث كان يقوم بتصوير أحد الأفلام, ورفض رشدي الفيلم وكاد يعتدي علي يوسف شاهين, وبعدها رشح محمود ياسين وحدث خلاف  بسبب تعاقده على بطولة فيلم “نحن لا نزرع الشوك” للمخرج حسين كمال أمام شادية. وبعد ذلك تم الاتفاق علي أن اقوم بالبطولة ويقوم بالاخراج يوسف شاهين.

حكي يوسف شاهين في حوار صحفي: أستطيع أن اقول إن هذه أول مرة أكتب سيناريو ينبع كاملا مني, كنت دائما اتدخل في السيناريو وأوجهه, ولكن هذا السيناريو كله مني أنا.. شاورت فقط بعض الأصدقاء في بعض الأمور.. ربما كلمة هنا أو كلمة هناك.. ولكني مسئول عن كل الجيد والردئ فيه.. ولقد ساعدتني بالصدفة ظروف مادية خاصة علي أن اتفرغ تماما لإعداد السيناريو قبل التصوير.. وحقق هذا فارقا كبيرا بين “الاختيار” وأفلامي السابقة.. لأنه أول سيناريو يمكن اعتباره عملا ذاتيا لي..  وقد عرضت الفكرة علي نجيب محفوظ فأعجبته, وبلورها هو بأن جسد الحوادث ووضح الخط الذي يربطها ببعضها, وفي المرحلة الثانية كان دوره اشبه بضابط علينا من حيث تحليلنا الشخصيات التي تناقشنا طويلا في احتمالات اتصالها نفسيا واجتماعيا وأبعادها السياسية.. كنت مصمما علي ألا أترك في “الاختيار” بالذات شخصية رومانسية, بمعني ألا أقحم علي تركيبها بعض الاتجاهات أو الأحاسيس التي نود نحن اقحامها, أو التي نحلم بأن تكون موجودة في الانسان المصري, بل اكتفيت بحقيقة شخصيات موجودة بالفعل, مهمة وفعالة وايجابية, حتي لو لم تكن جوانبها منطقية تماما ومطابقة للشخصية المتكاملة كما أريدها أنا.. ووافقني نجيب ولكنه كان مصمما علي الايضاح الكامل لعقدة الانفصام علميا.. فاستعنا بالدكتور أحمد عكاشة الذي وجهنا بالفعل إلي بعض الظواهر التي كان وجودها ضروريا وحتميا اذا أردنا أن نصل إلي تحليل دقيق.

***

محمود: غلط.. الحب كده غلط, انحراف, كده يبقي شفوي, شحاته, كده زي ما يكون الواحد بيكتب أوضاع مش قابلها, برشام عشان يقدر ينام, أو بقي بيسكر عشان يهرب من مواجهة نفسه.. يعني موت .. هبوا املأوا كأس المنى قبل أن تملأ كأس العمر كف القدر.. لا تشغل البال بماضى الزمان ولا بآت العيش قبل الاوان.. واغنم من الحاضر لـذاته فلـيس فى طبع الليالى الامان

(صراخ الحضور)

الممثلة العجوز: قول يا محمود ايه هي الحقيقة يا محمود

محمود: الاخلاص مع النفس اولا

الممثلة العجوز: الحياة.. المسرح.. كنت اجمل جولييت في الشرق كله.. روميو..روميو.. لماذا انت روميو؟  تعالي هنا يا واد

(ضحك)

رجل (1) : البحر يا محمود

محمود: البحر.. اخر ملاذ من حمورية الناس

رجل (2): والحرية يا محمود

محمود: انك تكون عبد للحقيقة بس

ماري:  والحب يا محمود

محمود: الحب .. ياااه.. الحب هو العطاء, أنا الذي احبك.. فأنا المدين لكي بكل شيء

رجل (1): فولتير

محمود: فولتير زي بعضه

بهية: الحب أن الواحد يصبر, يضحي, ينسي حتي المحبوب نفسه

ماري: لأ اضحي ليه.. وأنسي ليه.. لأ كده يبقي حرام.. الحب هو الحقيقة, والحقيقة هي دلوقتي.. وأنا الحب

(صراخ الحضور) بينما بهية تسحب محمود من يديه إلي غرفة مجاورة)

بهية: محمود روح قلبي, ليه بتشرب بالشكل ده وانت عارف انه بيتعبك

محمود : لما الاله خلق المرأة, كان عايز يجسد بيها القناعة.. أخرسي يا ولية

بهية: انت لازم تنساها.. تنسي شريفة

محمود: ازاي علميني ازاي

(يدق جرس التليفون, ترفع بهية السماعة ثم تضعها مرة اخري.. محمود يرفع زجاجة الخمر)

بهية: لا انت كده حتموت نفسك

محمود: متحوليش تخنقيني أنتي كمان, مش كفاية التانيين كلهم.. كفاية احمال

بهية: طيب طيب خلاص, فوق بقي, روق بقي متقلبهاش غم

(يخرجان من الغرفة.. بهية تصرخ في الحضور يللا انتي وهي اللعبة هتبتدي)

محمود: انت عرفتوه علي شروط اللعبة

انيسة : لأ

محمود: اسمع ياه يا بتاع الشغل, اللي عايز يبقي كويس لازم يعرف الناس.. واللي عايز يعرف الناس لازم يحب الناس, وإذا كنت عايز تحب الناس لازم تفهمهم أوي علي طبيعتهم وتسامحهم أوي برضه علي حقيقتهم

رؤوف: هي ايه اللعبة

محمود: دلوقتي كل اتنين يتعرفوا علي بعض, أصل في الدنيا والحواديت والكتب الناس كلها بتجري ورا بعضها, قال عشان ايه؟

رؤوف: الحب

محمود: ده مش الحب, دي الرغبة, أو بقي المصلحة, كل الكلام الملفوف والحركات مهياش غير تغطية للرغبة وبس, وبعد لما يرتاحوا يبقي مفيش حل, طار التفاهم وطارت العصافير اللي بتزقزق والورد اللي بيفتح, وكل واحد يدي ضهره للتاني وايه وسلاموا عليكوا,  نهايته, احنا بقي مبنعملش كده, احنا من الاول بنحل مشكلة الرغبة دي, وبعد لما نرتاح نشوف فيه تفاهم, يبقي تفاهم حقيقي, فيه عطف, يبقي عطف حقيقي, نسأل انيسة وأنيسة تقول, ونسأل ماري وماري تقول, وأنا أقول وأنت تقول, وكلنا نقول كل حاجة علي شرط, كل واحد يقول الحقيقة.

رؤوف: طيب واللعبة بتبتدي ازاي

محمود: بالشروط المألوفة بتاعت المجتمع العادي, زي التانيين بس هما بقي بيخبوا نتيجتها, بس إحنا بقي عارفينها من الاول

بهية: يعني نرقص شوية ونغطس شوية ونشرب شوية.. الله جري ايه يا جدع انت.. انت مالك عامل زي البنوته كده, معمركش شفت طبل ومغني وتريبت تيت تي.. طبل يا واد.. ارقصي يابت..  قالوا مين القبايل قلت سنباطي يا وله

محمود : حلاوتك يا بهية

يبدو المكان أنه ليس طبيعيا, لكن يوسف شاهين يقول: ربما لكي أهرب من الملامح الواقعية تماما لجأت إلي “استيل الباروك” لكي ابتعد عن شخصيات موجودة بالفعل, ولكني لم أجد ضرورة لتوضيح وجودهم الفعلي كما هو لكي لا يبدون معروفين أكثرمن اللازم .. اتحايل للهرب عن طريق الاثاث وبعض شكليات الديكور, ولم اعتبر هذا عيبا لأن المفروض أن تلخص من واقعك كذا شخصية وكذا حدثا وتضعها في إطار سينمائي, بمعني أن توضح كل هذا في حدود زمنك الفيلمي وهو ساعة ونصف, وهذا يحدد قدرتك وأسلوبك في طابع خاص للفيلم, هذا “الشرط السينمائي”  يحتم عليك خلق مواقف خاصة بشكل خاص لتصبح “خلاصة” وليست شرحا تجسيديا واقعيا, بعكس بعض المفاهيم التي شاعت خطأ عن أن “سينما الحقيقة” مثلا تفرض عليه أن تجري بالكاميرا وراء بطلك ليصبح فيلمك واقعيا, فالواقعية  السينمائية في رأيي لها شروط أخري تفرضها قاعدة انك محدود بساعة ونصف, فلابد أن تتجنب كل الفرعيات التي لا تؤثر مباشرة علي المضمون.

تعليق علي التعليق: أولا مصطلح (استيل الباروك) هو مصطلح يستعمل في الفن, ومعناه الحرفي شكل غريب، غير متناسق، معوج. وما يؤكده شاهين أنه حاول أن يهرب من الواقع, والابتعاد عن شخصيات موجودة بالفعل, وانه لم يجد ضرورة لتوضيح وجودهم الفعلي, والسؤال هل هو حاول الابتعاد؟ واذا كانت الاجابة بنعم, فلماذا يقول انه لا يجد ضرورة لتوضيح وجودهم؟  وما هي الفائدة من التلميح بوجودهم, ثم التأكيد علي عدم الاقتراب منهم بحجة ان الفيلم محدود بزمن معين, عموما المشهد علي مستوي التكنيك من أفضل المشاهد السينمائية, سواء الديكور أو حركة الممثلين أو الحوار أو الاضاءة, مشهد غير اعتيادي حاول المخرج استعراض قدراته الرائعة في ملأ الكادر السينمائي بتفاصيل حسيه ومادية عالية جدا..  أما المضمون فهو أقرب للوحات السريالية التي من الصعب فهمها علي وجها محدد وفق تعريف محدد, أذن لكل شخص الحق في فهم المشهد كما يتراءي له, وكما فهمه, عموما المشهد جميل يشد الانتباه, يستحوذ علي الاهتمام البصري, لكن تلاحقه وتتابعه وسرعة ايقاعه تفوت عليك الفرصة لفهمه وهضمه والتعامل معه بموضوعية.. عموما السينما ليست مقال رأي, أو موقفًا سياسيأ, السينما حالة تختلف من شخص لأخر بحسب ثقافته ووعيه, ورغباته كما يقول شاهين.

التعليقات متوقفه