سياسات الحكومة تضرب الأسرة المصرية.. 14 مليون حالة طلاق سنويًا.. والإفتاء تتلقى 3200 استفسار شهرى

285

طالت حالتا الغلاء والفقر، حتي استقرار الأسرة المصرية وضربتها فى مقتل، حيث نتج عنهما المزيد من التوتر والخلافات والصراعات التي ادت فى النهاية إلى الطلاق بكل أنواعه، ووصل الامر الي وقوف الزوجين فى المحاكم ليفضح كل منهما الآخر فى ظل اسباب مختلفة ابرزها عدم قدرة الزوج على الإنفاق وحمل المسئولية، حيث يعاني هو الآخر من تكاليف الحياة وارتفاع الاسعار فى ظل ضعف الاجور وغياب العمل اللائق.. الغريب أن الحكومة التي تسببت فى حالة الفقر هذه تتغني كل يوم بالاصلاح الاقتصادي ونتائجه وانجازاته واعجازاته، بينما هي بقصد او بدون تهدد استقرار المكان الذي ينمو فيه وعي الاجيال القادمة وتتشكل فيه عملية حب الوطن او محاولة الفرار منه.
التحديات
ويعد الطلاق والتفكك الأسري من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع فى الوقت الراهن، كون الاستقرار الأسري أساس التنشئة السليمة، التي قد تحدد طريق الفرد فى الحياة، حيث احتلت مصر المركز الأول فى ارتفاع معدلات الطلاق، لتصل لـــ250 حالة يوميًا، أي حدوث حالة طلاق كل 4 دقائق فى مصر، من أصل 14 مليون قضية طلاق تشهدها محاكم الأسرة سنويًا، وبمشاركة 28 مليون شخص أمام المحكمة، أي ما يعادل ربع السكان، ليصل إجمالي المطلقات إلى 4 ملايين مطلقة، فإفشاء الأسرار الزوجية وتدخل الأهل والأصدقاء بتفاصيل الحياة الزوجية قد تسبّب فى وقوع 44.6% من نسب الطلاق، بحسب إحصائية مركز البحوث الاجتماعية الأخيرة. وأكد التقرير أنَّ عدد المطلقين فى مصر بلغ 710 آلاف و850 نسمة، وتزيد الإناث المطلقات بنسبة 64.9% عن الذكور بنسبة 35.1%.. فى مقابل 938 ألف حالة زاوج، كما أصدر مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري تقريرًا يؤكد فيه أن نسب الطلاق فى مصر هي الأعلى عالميًا من بين دول العالم.
تدهور
ويرى الكثيرون أن قانون الخلع السبب وراء ارتفاع هذه النسب إلى ذلك المستوى غير المسبوق فى أي دولة، خاصة انه قام بتغيير نظرة المجتمع إلى مفهوم الطلاق الذي لم يعد كالسابق، الأمر الذي شجّع الكثير من النساء على طلب الطلاق والخلع، بعدما كان المجتمع يدين المرأة المطلقة فى الماضي، فى الوقت نفسه أكد عدد من علماء الإجتماع والازهريين أن الأسباب المباشرة أو الظاهرية للطلاق هي اتخاذ القرارات السريعة بالزواج دون دراسة حقيقية للطرف الآخر، لذلك يحدث الطلاق بنفس سرعة الزواج، موضحين أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أثرت بشكل سلبي على العلاقات بين أفراد المجتمع بشكل عام، وتركت بصماتها الكارثية على الأزواج بشكل خاص، وهو ما نتج عنه عدد كبير من الخيانات الزوجية “ للطرفين”، والذي يكتشفه الطرف الآخر، وهو ما ينتج عنه الطلاق أو طلب الخلع.
وأوضحوا أن التغيرات الاقتصادية التي تعرضت لها مصر بعد ثورة 25 يناير من موجة عالية فى غلاء الأسعار كانت محورًا لافتعال العديد من المشاكل التي أفضت أيضا إلى الطلاق فى الأسر الفقيرة، والتي زادت بشكل كبير فى المدن.
ظلم المرأة
أكد دكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، أن إرتفاع نسب الطلاق يرجع لعدة نقاط اهمها، الفقر، البطالة، عمل المرأة، الجهل، عدم تجانس تدهور العلاقات الأسرية ببعضها، عدم التوافق، عدم احترام الأخر، وإجبار الأهل على الزواج من شخص غير مقبول لدى الطرف الأخر، ووجود أطراف أخرى فى الأسرة، الخيــانة الزوجيــــة، وأخيراُ وسائل الاتصال الحديثة “السوشيال ميديا”.
وأضاف صادق، أن الزوجة فى الزمن الماضي كانت تعاني من ظلم واضح وخاصة فى الأرياف لزواجها فى سن مبكر وحرمانها من الطفولة، وبعد ذلك هي من تتحمل تبعات الإنجاب، وأعباء الحياة الزوجية، لافتا إلى أن فى حالة الخلافات الزوجية لم يرضوا لها الأهل بالانفصال. عكس الوقت الراهن فأصبح هناك وسائل كثيرة للوقوف بجانبها من خلال المراكز الحقوقية، ومنظمات نسائية، والمجلس القومي للمرأة، وهو الأمر الذي جعلها أكثر جرأة وتفتحا لما يجري فى المجتمع، مشيرا إلى أن الانفصال أكثر عقليا من الاستمرار فى علاقة قد تنشأ اضطربات نفسية للمرأة والأطفال، وارتفاع نسبة أطفال الشوارع، الجهل.
دورات تأهيلية
المشكلات الاجتماعية هي واحدة من أهم الآمال المنعقدة دائما على رجال المؤسسات الدينية بما لديهم من مكانة فى قلوب الناس، وبما يمتلكونه من دماثة خلق ومعرفة بصحيح الأديان، كي تبقي مقدرة القائمين على تلك المؤسسات فى اقناع المجتمع من خلال إرشادهم وتوجههم ووعاظهم، قائمة حيث أطلق الأزهر الشريف مبادرة تحمل شعار”لم الشمل” لتقليل نسب الطلاق، ومعالجة أبرز المشكلات التي تواجه المجتمع فى الوقت الراهن، حيث كشف أسامة الحديدي، منسق مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الهدف من هذه المبادرة، الصلح بين المتخاصمين، وشعارها “إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بينما “، إلى جانب نشر الوعي الأسري بين فئات المجتمع من خلال منصات التواصل، والمنابر الإعلامية ووضع حلول استباقية مثل “اختيار الزوج المناسب، التثقيف حول معاملة الزوجين، معرفة الحدود”.
وعلاجية مثل “محاولة حل المشكلات الزوجيّة بالتفاهم، تجنب لفظة الطلاق، الاحتكام إلى العقلاء من الأهل” والتعاون مع الدوائر المختصة بهذا الشأن “البيئة، السكان، محاكم الأسرة، الإعلام”، لحلّ المشكلات بأنواعها المختلفة، والاستعانة بالوعاظ والخطباء فى توعية المواطنين ومعاونة اللجنة فى المحافظات وتوفير الدعم العددي الذي يتناسب مع عدد الحالات المستهدفة.
مبادرة الأزهر
وأضاف الحديدي، أن إحصائيات مركز البحوث الاجتماعية الأخيرة، جعلت الأزهر يطلق هذه المبادرة، خاصة بعد معرفة أسباب الطلاق لانعدام المسئولية وعدم التكافؤ الاجتماعي بين الزوجين والعلاقات التحررية قبل الزواج، وإدمان المخدرات، والمسكرات، كأسباب رئيسية فى الانفصال أيضًا، إلى جانب مساهمة وسائل الإعلام فى ارتفاع الحالات بنسبة إلى 20% وفقًا لبيانات من محاكم الأسرة.
فى حين قالت سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، إن هذه المبادرة تأخرت كثيرة فى ظل ارتفاع نسب الطلاق، خاصة أن للأزهر دورا قويا فى التأثير على المجتمع، لافته إلى أن الاهتمام بالأسرة من أكثر القضايا التي يقيم على أساسها المجتمع كونها نواة إذا تماسكت تماسك المجتمع وإذا تفككت تفكك المجتمع بأكمله.
وطالبت أستاذ علم الاجتماع، أن تتطرق المبادرة لمرحلة ما قبل الزواج “الخطوبة”، بحيث يقم الزواج على أساس سليم، قبل اتخاذ أي إجراءات قد تؤدي بهم إلى طريق مسدود، إلى جانب تطرقها بتوعية الإنجاب ومخاطره للخروج من تلك الأزمة، بالإضافة للاهتمام بالطفل وقضاياه.
شو أعلامى
وشددت سامية خضر، على ضرورة إلا تكون هذه المبادرة مجرد شو إعلامي، أو وظيفة بغرض صرف رواتب، وأن القائمين عليها على قدر تلك المسئولية الخطيرة؛ لتحقيق الهدف المرجو منها. مؤكدة أن الأزمات الاقتصادية أدت بشكل كبير إلى التفكك الأسري، وارتفاع معدل الطلاق، بوصول نسبة الطلاق إلى 40% من حالات الزواج بالسنوات الأخيرة وبهذا يكون قد ارتفع من نسبة حالة كل 6 دقائق إلى حالة طلاق كل 3 دقائق، وفقا الإحصائيات الأخيرة.
وأشارت أستاذ علم الاجتماع، الي أن يختار كل من الطرفين من يناسبه فى البداية وذلك من خلال التعاملات، الأخلاق، والابتعاد عن النظر للجوانب المادية والمستويات العالية، احترام الأسرتين، احترام لتكوين الأسرة، تحمل المسئولية، عدم الإنجاب السريع حتى لا يصبحوا الأطفال ضحية اختياراتهم الخاطئة.
حالات طلاق
وفى السياق ذاته أكد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، أن الطلاق هو علاج إذا استحالت الحياة الزوجية، خاصة أنه جاء لحل مشكلات معينة. وأضاف أن الكثير من الحالات التي تأتي إلى دار الإفتاء، هي عبارة عن أيمان طلاق يحاول بها الناس علاج مشكلة قد تكون بعيدة كل البعد عن المشكلات الزوجية، وهذا كله بسبب عدم الفهم الحقيقي للغاية من الطلاق فى الإسلام.
وأضاف: اللجوء للقضاء قد يضع حلولًا خاصة فيما يتعلق بأمر حضانة الأطفال، ولكنه يجب أن يكون عند الضرورة، والأولى أن يكون الأمر حضاريًا فيما بينهما ويكون الرجل أشد حرصًا لأن تكون المرأة هي الحاضنة لما جبلها الله على العطف والحنان، مع ضرورة عدم غياب دور الأب فلا ينبغي أن يحرم كلاهما من الأبناء بل يتفقا على كل ما يحقق مصلحة أبنائهما.
وأكد مفتي الجمهورية أننا بحاجة إلى دورات كثيرة للمقبلين على الزواج، وللمتزوجين كذلك، ودورات لكيفية إدارة تربية الأبناء فيما بعد الطلاق.
أشار المفتي أنه يأتي إلى دار الإفتاء شهريًا ما يقرب من 3200 فتوى طلاق أغلبها عبارة عن أيمان وحلف بالطلاق، يقع منها اثنان أو ثلاثة على الأقصى، وذلك لأن علماء دار الإفتاء لديهم من الخبرة ما يستطيعون به معرفة ما إذا كان هذا طلاقًا واقعًا أم يمين طلاق، وذلك عبر خبرتهم المتراكمة التي تلقوها عن مشايخهم ولا توجد فى الكتب.
وأوضح علام، أن علماء دار الإفتاء يقومون بالتحقيق مع الزوج لمعرفة هل كان مدركًا لهذه المسألة والكلمة وما يترتب عليها وهل صدرت عن رضا حقيقي عنده وقصد، فإنه حينها يقع الطلاق، أما إذا وجدوا أن الزوج لم يكن يدري ما يقول لشدة الغضب مثلًا ونطق بالطلاق دون أن يدري أو يقصد، فحينها لا يقع الطلاق باتفاق العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لا طلاق فى إغلاق” وفسره العلماء بأنه الغضب أو الإكراه.
التماسك الأسري
وفى السياق ذاته، قال الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن هناك غيابا للوعى الديني، وغيابا للتفاهم بين الزوجين، بمحاولة أن يساوم الزوج أو الزوجة بعضهما فى الواجبات، إلى جانب الغلاء الذي نال جميع أطياف المجتمع فى الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى أن التماسك الأسري لم يعد كما كان من قبل، مضيفا ان عمل المرأة أصبح صراعا خفيا بين الرجل وزوجته، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير فى أعداد الطلاق وأصبحت من أكثر القضايا التي تواجه المجتمع.
وأكد الجندي، أن الأب إذا كان غير قادر على الإنفاق، “فـينفق ذو سعة من سعته”، طبقا لما ورد فى القرآن، وفى هذه الحالة لا تكلف الزوجة الأب بأكثر من طاقته، خاصة أن المحكمة تنظر للحالة الاجتماعية للأب، وإذا وجدته متعسرا بتكاليف عديدة تحكم لصالحه.

التعليقات متوقفه