قراءة تاريخية وسياسية لـ”الحشاشين” بقلم الباحث مصطفى الطبجي

148

مع بداية شهر رمضان المبارك لعام 2024، بدأ عرض مسلسل الحشاشين (أباطيل وأبطال… من وحي التاريخ)، بطولة كريم عبد العزيز، تأليف عبد الرحيم كمال، إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وإخراج بيتر ميمي، الذي يتناول في أحداثه مسيرة الحسن ابن الصباح قائد ومؤسس طائفة الحشاشين، أحد أشهر الطوائف الباطنية أو التنظيمات الإرهابية على مر التاريخ.

ولقد جذب المسلسل منذ عرض حلقته الأولى اهتمام المشاهدين، مثيرا حالة من الجدل ما بين القبول والرفض حتى قبل ظهور أية ملامح درامية أو أحداث تاريخية أو إسقاطات سياسية أو نصائح اجتماعية، وذلك بسبب اعتماد المسلسل في حواره على اللهجة العامية المصرية بديلا عن اللغة العربية الفصحى، وهو جدل وإن بدا غير ذي قيمة إلا أنه كاشف لحجم الفجوة الفنية والتاريخية والثقافية لدى عدد كبير من المشاهدين أو المتابعين، ويوضح أهمية القراءة المقدمة لسيادتكم هنا.

بالنسبة للفجوة الفنية فلقد تمثلت في أن “الحشاشين” ليس أول عمل تاريخي يقدم للجمهور باللهجة العامية، بل سبقته أعمال فنية مصرية أخرى مثل فيلم “وا إسلاماه” الذي عرض عام 1961، مسلسل “على باب زويلة” الذي عرض عام 1976، مسلسل “الزيني بركات” الذي عرض عام 1995، والمسلسل السوري “ياسمين عتيق” الذي عرض عام 2013، بل إن المسلسلات التاريخية التركية والتي تشهد متابعة واهتمام عربي، تقدم باللغة التركية الحديثة وتدبلج باللهجة العامية السورية وليس بالعربية الفصحى!!

أما الفجوة التاريخية فلها سببان، الأول الأسلوب الخاطئ الذي يتم به تدريس التاريخ، والثاني الأعمال الفنية التاريخية السابقة، اللذان رسخا في الوجدان أن كل ما هو قديم لابد وأنه ناطق بالعربية الفصحى، وهذا غير صحيح، أحداث مسلسل الحشاشين أغلبها في عهد دولة السلاجقة العظام، واللغة الفارسية كانت هي السائدة في ذاك المكان والزمان وليست العربية الفصحى، أيضا في عهد الدولة الفاطمية استخدم أغلب المصريين اللغة القبطية فيما بينهم، وحتى بعد انتشار اللغة العربية، ظهرت كمزيج يجمع العربية بالقبطية، لتخرج للنور اللهجة العامية المصرية.

وأخيرا الفجوة الثقافية المتمثلة في عدم معرفة عدد كبير من المشاهدين بهذه الطائفة ولا تاريخ نشأتها ولا تأثيرها على الحياة السياسية سواء في الدولة السلجوقية أو العباسية أو الأيوبية، وعدم الانتباه لأهمية العمل الفني والفكر المتطرف الذي يناقشه، والتوقف عند مشكلة ثانوية (إن جاز التعبير) متعلقة باللغة المستخدمة في الحوار الدرامي، أو المبرر الدرامي وراء تقديم طائفة شيعية المذهب.

كل ما سبق مقدمة ضرورية لتوضيح الدافع وراء كتابة تلك القراءة التاريخية والسياسية والاجتماعية لمسلسل الحشاشين، وهي قراءة مجمعة توثق ما تم التنويه عنه في وقت سابق بعد عرض كل حلقة من حلقات المسلسل، لنضع أمام القارئ التصور الكامل لذلك العمل الدرامي الرائع والرسالة التي يقدمها والقضية التي يناقشها، والذي يعيد الدراما المصرية إلى مسارها الصحيح.

 

القراءة التاريخية

أعلم تماما الفرق بين العمل الدرامي والعمل الوثائقي، فالعمل الدرامي كمسلسل الحشاشين حتى وإن كان يتناول حقبة تاريخية ما، إلا أنه من حق المؤلف تغيير بعض الأحداث التاريخية، إضافة أو حذف بعض الشخصيات، بما يخدم الخط الدرامي للعمل الفني، على عكس العمل الوثائقي الذي يوثق الأحداث التاريخية دون تغيير أو تحريف أو تعديل.

لذا فإن القراءة التاريخية الكاشفة للأخطاء التاريخية في المسلسل لا يقصد منها التقليل من قيمة العمل الفني، ولا يقصد منها التقليل من المجهود المبذول في الكتابة، فلقد ذكرتها سابقا وأعيدها مرة أخرى، المسلسل يعيد الدراما المصرية إلى المسار الصحيح، لكن الإشارة للأخطاء التاريخية في المسلسل يهدف إلى تلافي الآثار السلبية الناتجة عن خلط الدراما بالتاريخ، حيث يتعامل المشاهد مع المسلسلات التاريخية باعتبارها توثيقا دقيقا للتاريخ، وبناء عليه تترسخ لديه معلومات تاريخية خاطئة، كما حدث في فيلم “الناصر صلاح الدين”.

في عام 1963 عرض فيلم الناصر صلاح الدين، وكأي عمل درامي لم يلتزم بالأحداث التاريخية أو الشخصيات التاريخية التزاما تاما، وذلك لخدمة الخط الدرامي، والنتيجة المباشرة لهذا الفيلم الرائع أن غالبية المشاهدين تشكلت لديهم قناعة مغلوطة أن عيسى العوام شخصية مسيحية، وتشكلت لديهم قناعة مزيفة أن والي عكا خان صلاح الدين الأيوبي مع أن الثابت تاريخيا أن والي عكا بهاء الدين قراقوش، كان من أخلص رجال صلاح الدين الأيوبي.

ونرصد هنا بعض الأخطاء التاريخية الواردة في المسلسل لخدمة الخط الدرامي، وهي على سبيل المثال لا الحصر:

  • في الحلقة الأولى التقى الحسن ابن الصباح مع رسول ملك فرنسا في قلعة ألموت، على الرغم من أن ملك فرنسا لويس التاسع، هو أول ملوك فرنسا تواصلا مع الحشاشين، إلا أنه تواصل مع الحشاشين في الشام وليس في بلاد فارس، لبعد الموقع الجغرافي لقلعة ألموت عن هجمات الحملات الصليبية، وذلك عام 1250 عن طريق الراهب إيف البريتوني، أي بعد وفاة حسن ابن الصباح بأكثر من قرن من الزمان، وهو ما ورد في كتاب “الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام”.

كذلك في الحلقة الأولى ظهر الحسن ابن الصباح وعمر الخيام وأبو علي الطوسي (نظام الملك) وكأنهم أصدقاء منذ الطفولة، وهذه رواية مغلوطة، كون نظام الملك ولد قبل حسن الصباح بـ 18 عام، والصباح ولد قبل عمر الخيام بـ 11 عام، وهو ما تم تفنيده بشكل دقيق في كتاب “حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي”، وبالمناسبة هذا لا يتعارض مع مساعدة نظام الملك لكلا منهما، إلا أنه ليس لكون الثلاثة أصدقاء منذ الطفولة، لكنهم تعارفوا فيما بعد.

  • في الحلقة الثانية وصل الحسن ابن الصباح إلى مصر عام 1078، وظهرت آثار الشدة المستنصرية في أحداث الحلقة، ورغم كونها حقيقة تاريخية إلا أن مخرج المسلسل أفاد على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي أن الشدة كانت قبل زيارة الصباح لمصر بفترة ليست بالبعيدة، لكنه الخط الدرامي الذي استدعى إظهار المجاعة وقت تواجد الصباح في مصر.

الخطأ التاريخي في تصريح بيتر ميمي أنه يتم اقتصار الشدة المستنصرية على فترة جفاف النيل التي امتدت 7 سنوات، بدء من عام 1064 وحتى عام 1071، إلا أنه يتم إغفال استمرار الشدة لسنوات عدة بعد عودة الفيضان بشكل متقطع بسبب جفاف الأراضي وهجرة الكثير من الفلاحين للقرى، وكذلك انهيار المنظومة الأمنية والتجارية.

  • أظهرت أحداث الحلقة الثالثة وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله قبل وزيره أمير الجيوش بدر الدين الجمالي، ويوسف بن تغري في كتابه “النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة”. يؤكد عكس ذلك، فلقد توفي أولا الوزير بدر الدين الجمالي في 21 يونيو 1094، وبعده توفي الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في 29 ديسمبر 1094.

كذلك أظهرت الحلقة تواجد الحسن ابن الصباح في مصر أثناء وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، على الرغم من أن الصباح ترك مصر عائدا إلى أصفهان عاصمة الدولة السلجوقية عام 1081 أي قبل وفاة كلا من بدر الدين الجمالي والمستنصر بالله بـ 13 عام، بل إنه استولى على قلعة ألموت عام 1090 أي قبل وفاة كلا منهما بـ 4 سنوات، كما ورد في كتاب “الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام”.

  • في الحلقة السابعة شهدنا هروب الحسن ابن الصباح من السجن بمساعدة برزك أميد، بالفعل برزك أميد شخصية حقيقية سيتولى قيادة طائفة الحشاشين بعد وفاة ابن الصباح، لكن الوزير نظام الملك لم يقم بسجن ابن الصباح لأنه لم تكن هناك مؤامرة لاغتيال الخليفة العباسي المقتدي بالله، وذلك لأن الخليفة لم يزر مدينة أصفهان عاصمة الدولة السلجوقية من الأساس، كما ورد في كتاب “دولة السلاجقة وبروز المشروع الإسلامي”.
  • في الحلقة الثانية عشر تم إطلاق لقب “شيخ الجبل” على حسن ابن الصباح، وهو لقب عربي على الرغم من أن اللغة الفارسية كانت هي السائدة بين أهالي المنطقة الواقع بها قلعة ألموت (شمال إيران حاليا)، لذا فإن الأدق والأصح أن الحسن ابن الصباح كان يطلق عليه لقب “بيير” أو “ألودين”، أما لقب “ِشيخ الجبل” فكان يستخدم مع طائفة الحشاشين المتواجدة في الشام.
  • وفي الحلقة الخامسة عشر سافر الإمام أبو حامد الغزالي من أصفهان لأداء فريضة الحج، الخطأ هنا أن الغزالي لم يكن مقيما في أصفهان، بل أقام في بغداد مدرسا في المدارس النظامية كما ذكر ابن كثير في كتاب “البداية والنهاية”، كما أن أول كتاب للغزالي يواجه به الفكر الباطني اسمه “فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية”، وهو الكتاب الذي جاء بطلب من الخليفة العباسي المستظهر بالله بعد عام 1094، (ومن هنا جاء اسم الكتاب فضائل المستظهرية) أي أن الغزالي بدأ مواجهة الفكر الباطني بعد عامين من وفاة السلطان السلجوقي ملكشاه والوزير نظام الملك.
  • في الحلقة السادسة عشر اتضح زيارة الشاعر عمر الخيام لقلعة ألموت، وهي زيارة غير مثبتة تاريخيا، بل إنه بعد وفاة الوزير نظام الملك والسلطان ملكشاه عام 1092 توجه عمر الخيام لمدينة مكة لأداء فريضة الحج كي يدفع عنه نفسه تهمة الإلحاد، بعدها عاد لمدينة المرو وأقام هناك لفترة، ومنها طلب العودة لمدينة نيسابور مسقط رأسه، وظل بها منعزلا إلى أن توفي عن عمر 80 عاما.
  • شهدت الحلقة السابعة عشر خبر وفاة الوزير بدر الدين الجمالي، على الرغم من أن أحداث الحلقة في الفترة ما بين عامي 1101 و1104، خاصة بعد الهجوم الذي قاده السلطان بركياروق على قلعة كوهستان في نهاية الحلقة الثالثة عشر، وأمير الجيوش بدر الدين الجمالي كما أوضحنا سابقا توفي عام 1094.
  • الحلقة الثامنة عشر شهدت حصار السلطان بركياروق لقلعة ألموت، رغم أن السلطان شن عدة حملات بالفعل على الحشاشين إلا أنها جميعا كانت موجهة لقلعة كوهستان وقلعة طيس، وبعد وفاته عام 1105 وتولي أخيه السلطان محمد تابار قيادة الدولة السلجوقية، هو من شن عدة حملات على قلعة ألموت، وهو ما ورد في كتاب “حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي”.
  • أما الحلقة الحادية والعشرون فلقد أوضحت قيام الحشاشين بقتل أحد قادة الحملة الصليبية بعدما رفضوا دفع الجزية، وهو كما أوضحنا سابقا لم يكن هناك تواصل بين قادة الجيوش الأوروبية وقلعة ألموت لبعد الموقع الجغرافي، بل تواصلوا مع شيخ الجبل في الشام، وأول من تم قتله من الصليبيين على يد الحشاشين هو الكونت ريموند الثاني، عام 1192 أي بعد وفاة الحسن ابن الصباح.
  • أيضا أظهرت أحداث المسلسل في الحلقات السابقة أن ابن الصباح بعدما اعتنق مذهب الطائفة الشيعية الاسماعيلية توجه إلى مصر، وبعد خلافه مع الوزير بدر الدين الجمالي وسجنه، عاد إلى أصفهان كي يعمل في بلاط السلطان ملكشاه، وبعد خيانته للوزير والسلطان هرب وبدأ بالبحث عن موقع آمن لنشر دعوته، كي يستولي بعدها على قلعة ألموت.

إلا أن التاريخ يخبرنا بتسلسل مغاير، ابن الصباح بعدما اعتنق مذهب الطائفة الشيعية الاسماعيلية توجه إلى مدينة أصفهان كي يعمل في بلاط السلطان ملكشاه، وبعد خيانته للوزير والسلطان هرب إلى مصر، وبعد خلافه مع الوزير بدر الدين الجمالي وسجنه، عاد إلى أصفهان كي ينشر دعوته، إلا أن الوزير نظام الملك ضاق ذرعا بدعوات وتحركات ابن الصباح وحاول القبض عليه، هنا بدأت عملية ابن الصباح للبحث عن موقع آمن لنشر دعوته، كي يستولي بعدها على قلعة ألموت.

  • كذلك الحلقات السابقة جميعا أظهرت برزك أميد مقيما في قلعة ألموت بجوار حسن الصباح، وهو المخالف للواقع التاريخي، فلقد استولى الحسن ابن الصباح على قلعة ألموت عام 1090، وفي عام 1096 أرسل برزك أميد للاستيلاء على قلعة لمسار، ونجح برزك في الاستيلاء على القلعة وظل قائدة لها طوال 20 عاما.
  • خطأ متكرر شهدته حلقات المسلسل تمثل في تثبيت قصر السلطان السلجوقي، بدء من الحلقة الأولى مع السلطان ألب أرسلان، ثم في عهد ابنه السلطان ملكشاه، ثم في عهد ابنه السلطان بركياروق، مع أن القصر السلطاني لم يكن هو نفسه، كون الدولة السلجوقية في بدايته اتخذت مدينة نيسابور عاصمة لها، ومن ثم تغيرت العاصمة لمدينة الري، والسلطان ملكشاه هو من اختار أصفهان كي تصبح العاصمة، ومن بعده تحولت العاصمة لمدينة نيسابور.
    بقلم| مصطفى الطبجي
    باحث تاريخ سياسي (أمين حزب التجمع بالمحلة الكبرى وعضو اللجنة المركزية). 

التعليقات متوقفه