عماد عبيد  أمين الفلاحين بحزب التجمع  يكتب “حكاوى فلاحين”..الريف بين الماضى والحاضر

682

عندما نتحدث عن الريف المصري لابد من العودة إلى ذكريات عشناها، ولم يعشها جيل كامل، شاءت الظروف أن يتواجد في العصر الحديث، الذي يتمتع بأشياء كانت حلماً لأجيال كثيرة، منهم من أعطاه الله العمر ليراها، ومنهم من انتقل للعالم الآخر فلم يسعده الحظ ان يراها، أما الأجيال الجديدة فكثير منهم تقتصر معلوماته عن الريف المصرى القديم او الماضي، نقلاً عما يراه من أفلام أو مسلسلات قديمة، من خلال شاشات التليفزيون، أو من سماع بعض الحكاوي من أجداده أو من والديه.
أحلام بسيطة:
ومن هنا نتذكر أيام الحياة البسيطة التى كان يعيشها أهل الريف المصرى في الماضي، من حيث البساطة في حياتهم، ومن حيث أحلامهم البسيطة فى رؤيتهم للمستقبل، فكان الفلاح وقتها يحلم أن تكون له حيازة زراعية حتى ولو بسيطة لا تتعدى الفدان، بل وعدد محدود من القراريط، أو منزل بالطوب الأحمر، مثلما كان يراه في بيوت البهوات، أو في المدينة، أو يسمع عنه عندما تكون الظروف تسمح له بالذهاب إلى المدينة، أو يستطيع تعليم أبنائه للابتدائية القديمة، حتى يصبح منهم الأفندي الذى يمكنه أن يعمل في البريد، وكان يطلق عليه موظف البوسطة، أو موظف في ديوان البهوية (الدايرة) ناظر دايرة، وكان يمنع نفسه أن يرتفع بمستوى حلمه إلي التعليم الأعلى، الذى يسمح له أن يكون حكيماً أو مهندساً أو ضابط بالجيش أو محامي (افوكاتو)، لأنه كان يعلم أن هذه الوظائف لأبناء البشوات والبهوات فقط.
الريف والثورة:
وجاءت ثورة يوليو بقيادة الضباط الأحرار لتصنع التحول العظيم، الذى جعل أهالي الريف يعلمون ان الحلم بدأ يتحقق، وأن بداية طريق التحرر من العبودية والقيود المفروضة عليهم قد بدأ، فمع هذه الثورة ظهرت مجانية التعليم، والعلاج بالمستشفيات التى لم يكن يستطيع الفلاح وأبنائه دخولها، وبدأت مرحلة توزيع الأراضي الزراعية من خلال قانون الاصلاح الزراعى، وبدأ إنشاء وبناء المصانع، التعاقد معهم على زراعة القطن من خلال الجمعيات الزراعية، التي حولت الملكية إلى ملكية تعاونية خاصة في الزراعة المنظمة بالدورة الزراعية، والتمويل والتسويق التعاوني، بعدما كانت الأراضي الزراعية والاقتصاد الزراعي ملكاً واحتكاراً للبشوات والبهوات، فتحت أبواب المصانع لأبناء الفلاحين للحصول على الوظائف، وعرفوا التعليم والمرتبات والمعاشات والتأمين الصحى والاجتماعي، والذى لم يكونوا يعلموا عنه شيئاً، أو حتى يسمعوا عنه، وحدثت بداية نهضة تعليمية تجتاح الريف من خلال مجانية التعليم، وظهرت مساحات أكبر للتعليم، حيث انتشر التعليم المتوسط بين أبناء الفلاحين، بل وارتفع سقف التفكير في التعليم الجامعي، وبدأت ثقافة المجتمع الريفي والفلاحين تتجه نحو أهمية التوظف والالتحاق بالوظائف الحكومية، باعتبارها وظائف تعطي دخلاً منتظماً ومستمراً، وكان هذا نتيجة لحلم الآباء بأن يكون مستقبل أولادهم مستقراً بعيداً عن المعاناة في العيشة الصعبة التى عاشوها في الماضي، وللهروب من قسوة عبوديتها، فكان هذا بمثابة تحول فعلي للريف المصري نتيجة ما قدمتة الدولة من قوانين، تعمل على خدمة هذا المجتمع والنهوض به، وارتبط هذا التوجه في ذلك الوقت بإيمان القيادة السياسية أن مواطني هذا المجتمع الريفى لهم دور هام في المشاركة في بناء الدولة الحديثة، التى تتجه إلى بناء دولة زراعية صناعية حديثة، عبر المشروعات القومية الكبرى والمشاركة الشعبية لكل فئات وطبقات المجتمع الشعبية والوطنية، لبناء دولة قوية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
الريف والانفتاح:
ثم جاءتنا مرحلة أخرى، وبعد تغير القيادة السياسية للبلاد، وكانت بداية للتحول السياسى الاقتصادي، حيث تبنت السلطة الجديدة في السبعينيات شعارات الانفتاح الاقتصادي، وتمكنت هذه القيادة في فترة لا تتعدى العشر سنوات، في تحويل نظرة الريف إلى ثقافة أخرى، وهي النظر لما هو أبعد إلى خاج البلاد، فأصبح يسود المجتمع الريفى ثقافة الهجرة إلى الدول العربية، مثل العراق والأردن وليبيا، ثم الدول الخليجية كهجرة خارجية، أو للمدينة كهجرة داخلية، وكانت بالنسبة لهم مرحلة تحول كبيرة لما تم فيها من تغيير اقتصادى ملحوظ، تاركاً خلفه ما تم الوصول إليه من نهضة صناعية أو زراعية، حيث بدأت بعد تبنى شعار التحرير الاقتصادى توجه نظرة هذا الكم من المواطنين إلى النظر للمنتجات المستوردة من الخارج، داعمة بكل ما تملك للنهوض بهذا الاتجاه الجديد، وأصبح الريف المصري يتحول من منتج زراعى هام وله سمعته العالمية في إنتاجه، بل وكان شريكاً قوياً في الصناعة المصرية، وخاصة المنسوجات لمهارته في إنتاج أجود أنواع القطن وغيره من المحاصيل الزراعية، وتحول الريف إلى مستهلك ومهجر وطارد للعمالة، سواء إلى الخارج أو للهجرة الداخلية، وأصبح التحول الاقتصادي في مفهوم نسبة كبيرة من المواطنين ليس استكمال البناء والتطوير وبناء صناعة قوية تنافس المستورد، وإنما الهروب إلى ما هو أسهل وأوفر بالنسبة لهم، وكان للدولة نصيب الأسد في هذا التحول، من خلال إصدارها لبعض القوانين والقرارات التي ركزت على توجيه دعمها للتجارة الحرة والاستثمارات الخارجية، وتشجيع الدخول للمنتج المستورد ودعمه على حساب الإنتاج المحلي الصناعي والزراعي، فأصبحت هجرة الريف تتحول من رغبة الي هروب من تدهور أوضاع الزراعة وتدنيها، ومع غياب الدورة الزراعية التي كانت وثيقة وعهداً بين المنتج الزراعي والدولة، وتحكم بعض آليات السوق خاصة في المحاصيل الاستيراتيجية الهامة، والتى ساعدت في غلق عدد ليس بقليل من المصانع، التى تنتج صناعات تعتمد على المنتج الزراعي، وكان لهذا التحول آثاره على نسبة كبيرة من الشباب، بما سببه من ارتفاع نسبة البطالة بينهم.
الريف والمحليات:
وبعد هذا الطرح هناك سؤال يتردد على ألسنة كثير من مواطني الريف، نحن على أعتاب انتخابات المحليات التى من شأنها إصلاح الوضع الريفي، والعمل على حل مشاكله وتطويره، فهل ستكون محليات مثلما كانت قبلها بنفس الرموز والأشخاص بممارستهم لنفس وجهة النظر القديمة، من حيث المحسوبيات والمجاملات في تعيين الأعضاء؟ حيث كانت تتم الانتخابات والتربيطات وعمل القوائم عن طريق اللجوء إلى العمد وأصحاب النفوذ من أعضاء الحزب الوطنى القديم لاختيار من يتم تعيينهم بتلك المجالس، أم سيتم تطبيق سياسة جديدة تقوم على اختيار الكفاءات من الشباب والنساء والعمال والفلاحين وكل الفئات الاجتماعية في الريف؟ نحن في أشد الاحتياج الي محليات جديدة تتسم بالكفاءة تسعى للمشاركة الشعبية في تطوير الريف وحل مشاكل المجتمعات الريفية، كأساس لتطوير المجتمع المصري كله في الريف والمدينة، في الزراعة والصناعة.
*بقلم :عماد عبيد
أمين الفلاحين
والمجتمعات الريفية بحزب التجمع

التعليقات متوقفه