رحلة روحانية عبر العصور ..”لولى ومرجان” رمضان في الغناء المصري

806

*بقلم عيد عبد الحليم :هناك طقوس خاصة لشهر رمضان المبارك توارثها الشعب المصري، منذ العصور الإسلامية الأولى، وأزدهرت مع العصر الفاطمي ، مثل ” المسحراتي ” و”الفانوس” و” التواشيح ” ، والأغاني المرتبطة بالشهر الكريم .
وفي القرن العشرين ومع ظهور الإذاعة المصرية في ثلاثينيات القرن الماض بدأنا نسمع أغان خاصة تحتفي بمكارم هذا الشهر وتبينها، وهي أغان مازالت حاضرة في ذاكرة المستمعين، نستعيدها في أيام وليالي “رمضان” .
وقد صدر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب “لولي ومرجان ” للكاتب الصحفي والشاعر محمد العسيري، والذي يتناول فيه رحلة الغناء المصري الخاصة بشهر الصيام، وعلى مدار قرن كامل من الزمن .
وعلى حد تعبير د. صلاح الراوي في تقديمه للكتاب: فإن أهمية هذا الكتاب ترجع إلى أمور عدة من أهمها حتماً الجمع الذكي الدؤوب والمثابر لهذه المادة المتناثرة تناثراً شديداً في أضابير الأزمنة ، ثم العرض الجذاب والذكي أيضاً .
فعبر ثلاثة عشرة فصلا يأخذ ” العسيري في رحلة شيقة لنتعرف على أشهر الأغنيات الرمضانية ، وعن تاريخ مؤلفيها وملحنيها ومؤديها” .
في الفصل الأول والذي يحمل عنوان “عزيزة حلمي سفيرة العوالم للغناء الرمضاني .. القصة الكاملة لأغنية “وحوي ياوحوي ” .
“وحوي يا وحوي”
يرصد “العسيري” واحدة من أقدم الأغنيات الرمضانية وهي “وحوي ياوحوي” والتي كتبها حسين حلمي المانسترلي، ولحنها أحمد الشريف، والتي تقول كلماتها “وحوي ياوحوي / إيوحة / وكمان وحوي إيوحة / ياقمر طالع / بفانو س والع / إنت حبيبي / إملالي جيبي / سكر أحمر / وصميت أسمر” .
وقد غنت هذه الأغنية المطربة عزيزة حلمي في عشرينيات القرن الماضي .
وأحمد الشريف يعد هو القاسم المشترك بين أغنية ” قمر الزمان ” التي غنتها عزيزة حلمي وأغنية ” وحوي ياوحوي ” التي غناها بعد ذلك المطرب أحمد عبد القادر ، وتعد أغنية عبد القادر ” من أهم الأغنيات الرمضانية ، ويقول عنه العسيري ” أحمد عبد القادر ليس مجرد مطرب أشتهرت له أغنية وحيدة.. ولا مجرد قارئ للقرآن بدأن حياته مع النغم الرباني، ثم اتجه إلى عالم الطرب، ثم عاد إلى عالم الابتهال، ثم للقرآن حتى مات، هو قصة طبيعية جداً لمصري تكاملت الفنون والأديان في حنجرته البسيطة ، هو مصري ترنح ” بين حبة للغناء وإيمانه وبقدرة صوته على إنشاد كلمات الله فقدم لنا مئات التسجيلات النادرة ” .
تقول كلمات الأغنية التي غناها ” أحمد عبد القادر ” وما زالت أصداؤها تتكرر مع بداية شهر رمضان من كل عام :
شهر مبارك وبقاله زمان
محلا نهارك بالخير مليان
وحوي ياوحوي

فوانيس ألوان
ثم يتطرق ” العسيري ” إلى أغنية “أهو جه ياولاد” والتي غنتها الثلاثي المرح وهن سناء الباروني شقيقة الممثلة سهير الباروني، وهي نفس المطرية التي غنت أغنية “إوعى تكلمي بابا جاي ورايا ” في فيلم “قصر الشوق”، والمطربة الثانية هي وفاء محمد مصطفى، والثالثة هي صفاء يوسف لطفي، ولحن هذه الأغنية على إسماعيل، ومن كلماتها: التي كتبها عبد الفتاح مصطفى: “جبنا الفوانيس أحمر وأخضر / وبعد ما نفطر راح نتحضر / فملا جيوبنا بندق / وزبيب / ونهادي بيهم كل حبيب ” .
ومن الأغاني القديمة أيضاً الأغنية التي غناها محمود شكوكو ولحنها محمود الشريف وكتب كلماتها فتحي قورة ، وتقول كلماتها :
حبك شمعة وقلبي فانوس
وبتلعب بيه وحوي ياوحوي
ياما هواك غرمني فلوس .. أرحم قلبي
وحوي ياوحوي من يوم حبك وأنا مسكين
كل ما أبعت شوق وحنين
وفي الفصل الثالث ـ من الكتاب ـ يستعرض ” العسيري” تاريخ الفانوس وأهم الأغنيات الخاصة به، حيث يورد عدد من الآراء هو استخدام المصريين القدماء للفانوس والإضاءة في احتفالاتهم ، حيث كان يحتفل القدماء بظهور كوكب سيريوس. هذه المناسبة التي كان يظهر فيها “سيريوس” كان المصريون القدماء يحتفلون فيها بخمسة آلهة من بينها ” إيزيس ” و” إيزوريس ” كل إله في يوم ، وفي ذلك اليوم كانوا يضيئون الشوارع بالشموع ، ويؤكد المقريزي أن المسيحيين أخذوا من الفراعنة طريقة الاحتفال ، فكانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح ، “الكريسماس” بنفس الطريقة ، ولما جاء الفتح العربي لمصر ودخل عدد كبير منهم إلى الإسلام كانوا يحتفلون بصيامهم بنفس الطريقة .
ولم يعرف الفانوس بشكله الحالي إلا مع قدوم “المعز لدين الله الفاطمي” إلى القاهرة حيث يقال أنه دخلها ليلاً واستقبله أهلها بالفوانيس.
ومن أشهر الأغنيات التي تعنت بفانوس رمضان أغنية “الثلاثي المرح” :
ياقمر طالع بفانوس والع
إنت حبيبي
إملالي جيبي
سكر أحمر
وزبيب أسمر
وأنا هدعيلك .. وفي يوم عيدك
راح أغنيلك
وحوي ياوحوي
ومن الأغاني التي يوردها ” العسيري ” في هذا الإطار أغنية ” على نور الفوانيس ” والتي غنتها في البداية عصمت عبد العليم ثم أعاد غناءها كارم محمود ، وهي من كلمات فتحي قورة وألحان عبد الحميد توفيق زكي وتقول كلماتها :
على نور الفوانيس
بتهل يارمضان
ونزفك ياعريس
للقلب الفرحان
على نور الفوانيس
وبعد ذلك سجلت أغنية “فوانيس بنور” غنتها عائشة حسين عام 1960 كلمات حسين السيد وألحان عبد الرؤوف عيسى، وتقول كلماتها :
داير مايدور فوانيس بنور
فوق المادنة
بتهني حبيبي
في الشام وقريب
إيده في إيدنا
ومنين ما نروح
تلقي الزينة
إعلام وكهارب حوالينا

البعد العربي
ويرى ” العسيري ” أن هذه الأغنية ومثيلاتها ربما كانت تدعم فكرة الوحدة مع سوريا في ذلك الوقت فأهل الشام الذي استدعتهم عائشة حسن في أغنيتها بادلوها حبا بحب .. وغناء بغناء ، فغنى محمد جمال مع زوجته المطربة طروب لكل ألوان الفوانيس الأغنية من كلمات ” على السوهاجي ” وتقول كلماتها :
نور يافانوس أحمر وأخضر
مع بابا وماما إحنا هنفطر
ونغني كمان
وحوي ياوحوي
يافانوس رمضان
وحوي ياوحوي
يلا الغفار
وقد غنت ” طروب ” أيضاً أغنية للفوانيس بمفردها من كلمات عبد الله أحمد عبد الله ” ميكي ماوس ” وألحان سيد إسماعيل تقول كلماتها :
الدنيا عروسة وجيت ياعريس
والكون حواليك شمع وفوانيس
من أول يوم نستنا النوم
وحبابيك عايمة في خيرك عوم
والمغرب يدن بعد الصوم
نتمنى تزيد مش تنقص يوم
والكون حواليك شمع وفوانيس

ومن أشهر هذه الأغنيات أغنية محمد فوزي :
هاتوا الفوانيس ياولاد
هاتوا الفوانيس
هنزف عريس ياولاد
هنزف عريس
هيكون فرحة تلاتين ليلة
هنغني ونعمل هليلة
هنشبع من حلوياته
هاتوا الفوانين ياولاد .. هاتوا
هاتوا الفوانيس
ويقول العسيري عن هذه الأغنية ” لحن فوزي الشيك أعاد الأطفال إلى عالم رمضان .. جعلهم جزءاً أساسياً من اللحن ، كما هي عادته في أغاني الأطفال وكعادته أيضاً . لم يحصل فوزي على أجر من الإذاعة عن أغنيته التي لا تشعر ببهجة رمضان بدونها ، وبدون عالمها الذي يشرح أحد طقوس الشهر الكريم .
م العشا راح نتلم صحابنا ..ونروح في كل مكان ونغني على نور فوانيسنا
ولا ينسى العسيري تواشيح وأغاني النقشبندي الرمضانية ومنها ماغناها من تلحين إبراهيم رجب : رمضان أهلاً / مرحب رمضان / الذكر فيك يطيب والقرآن / بالنور جئت وبالسرور / ولم يزل لك في نفوس الصالحين مكان ، وكذلك تعاون النقشبندي مع الموسيقار الراحل بليغ حمدي في عدد من الأدعية والأغنيات الدينية ومن أشهرها “مولاي إني ببابك”.

التعليقات متوقفه