جودة عبدالخالق:الاقتصاد المصري يدار بالمبادرات وليس بالسياسات

التضخم فى مصر ليس ناتجًا عن ضغط الطلب إنما يرجع إلى خلل فى الهيكل الاقتصادي

2٬688

*رفع سعر الفائدة لا يحل مشكلة التضخم بل يزيد من عجز الموازنة العامة للدولة نتيجة زيادة فوائد الدين العام
*محاسبون ومهندسون يديرون الاقتصاد .. واستبعاد خبراء الاقتصاد
*الإصرار على الالتزام بـ «الثالوث المستحيل» أدخل الاقتصاد فى دورة متكررة
*ففي كل فترة تحدث الصدمة .. تخرج رؤوس الأموال الساخنة

*أمريكا تضغط على العملة الوطنية.. نضطر إلى تخفيض قيمة الجنيه.. نلجأ لصندوق النقد الدولي

*عند إدارة المجتمع يجب الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة من الثروات الطبيعية مثل البترول والغاز .. وتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا خطأ
*صندوق النقد لا يهتم بما سيحدث فى المدى الطويل ولكن ينظر لأوضاع الاقتصاد على مدار سنة أو سنتين على الأكثر وبالتالي يطرح حلولًا كالاستدانة
*سياسات الصندوق تهتم بتكوين احتياطي نقدي لضمان سداد الديون للدائنين وضمان تدفق الأموال عبر الحدود
*الصندوق يعتمد على المؤشرات المالية فقط دون اعتبار للبشر
*الصندوق يخلق الفقر .. والحماية الاجتماعية مجرد إعانات .. والعدالة الاجتماعية غائبة
*ضرورة وضع ضوابط لدخول وخروج الأموال الساخنة.. وربط الجنيه بسلة عملات.. والاهتمام بالاقتصاد الحقيقى
*وثيقة سياسة ملكية الدولة لن تجذب المستثمرين .. والأهم وثيقة سياسة إدارة الاقتصاد تتضمن المسألة
*رفع أسعار البنزين يؤدى إلى موجة غلاء .. والرفع جاء والأسعار العالمية تنخفض
*سياسة تحفيز المزارعين بالأسعار يجب أن تبدأ قبل بداية موسم الزراعة وليس الحصاد
*أطالب بتعديل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.. وقانون الإيجارات فى الأرض الزراعية
*البنك المركزي المصري فقد استقلالية السياسة النقدية وأصبح تابعًا للبنك الفيدرالي الأمريكي

حوار: حسين البطراوي

يحمل هموم المجتمع.. يدافع عن الفقراء .. لديه القدرة على التحليل .. يمتلك خبرة تمتد لأكثر من خمسين عامًا فى المجال الاقتصادي.. يرفض روشتة صندوق النقد الدولي ويقدم البديل الاقتصادي نحو اقتصاد حقيقي.. إنه د. جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ووزير التضامن السابق.
يقول د. جودة فى حواره مع « الأهالى» إن سياسات صندوق النقد الدولى أدخلت الاقتصاد المصري فى دورة تكرر كل فترة، تخرج الأموال الساخنة فتضغط على العملة الوطنية فنضطر إلى تخفيض قيمة الجنيه ونلجأ لصندوق النقد مرة أخرى، ويطرح بديلا للسياسات الحالية تتضمن وضع ضوابط لدخول وخروج الأموال الساخنة وتحديد نظام لسعر الصرف والاهتمام بالاقتصاد الحقيقي «الصناعة والزراعة».. وإلى نص الحوار:

« دائمًا ما تصف الاقتصاد المصري بالهش فى مواجهة الأزمات رغم إشادات صندوق النقد والبنك الدوليين .. فما الاختلاف بين تقديرك للاقتصاد وبين المؤسسات الدولية؟
– هناك اختلاف بين التقديرين، فمعايير وأهداف صندوق النقد تختلف عن رؤيتي للاقتصاد المصري، فمعايير الصندوق تتمثل فى تكوين احتياطي نقدي لضمان سداد الديون للدائنين، وضمان تدفق الأموال عبر الحدود، أي حرية دخول وخروج الأموال من الدولة، بالإضافة إلى دمج الاقتصاد فى العولمة وتدوير رأس المال وانسياب السلع عبر الحدود، فضلا عن تحجيم دور القطاع العام والحكومة وإفساح الطريق أمام القطاع الخاص، وتلك المعايير التى تحدد مدى نجاح دولة أو اقتصاد بالنسبة لصندوق النقد الدولي.
فعلى سبيل المثال، الاحتياطي النقدي لمصر قبل تطبيق الاتفاق مع الصندوق، قبل 2016 كان نحو 14 مليار دولار، لا يغطي سوى شهر ونصف الشهر من الواردات لمصر، وبعد تطبيق الاتفاق ارتفع الاحتياطي النقدي، نتيجة القروض التى حصلت عليها مصر من الصندوق، بالإضافة إلى جذب الأموال من الدول الأخرى، خاصة العربية، وهذا الأمر جيد بالنسبة للمستثمرين ويضمن لهم تحقيق أرباح، كما يضمن للدائنين حقوقهم المالية وسداد مصر للالتزامات الدولية.
لكن ماذا بالنسبة للعمال والموظفين؟، فعلى خلفية الاتفاق يتم ضبط الأجور فى الموازنة العامة للدولة، فالصندوق يسعى لتحقيق انضباط مالي على حساب أجساد بني أدمين، فالصندوق يعتمد على المؤشرات المالية فقط، دون اعتبار للبشر.
نظرة قصيرة الأجل
« نظرة صندوق النقد دائمًا قصيرة الأجل.. هل يؤثر ذلك على وضع الاقتصاد من وجهة نظرك؟
– صندوق النقد لا يهتم بما سيحدث فى المدى الطويل، ولكن ينظر لأوضاع الاقتصاد على مدار سنة أو سنتين على الأكثر، وبالتالي يطرح حلولًا كالاستدانة، ويمكن أن تكون حلًا قصير الأمد، لكن بعد ذلك تصبح الديون مشكلة كبيرة فى الاقتصاد، ولننظر إلى حجم الدين العام فى مصر، وفوائد وخدمة الدين فى الموازنة العامة للدولة لندرك أثر برنامج الصندوق.
وهنا أشير إلى أن الصندوق يتجاهل حقوق الأجيال القادمة، وهو ما تفعله الحكومة الآن فى تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، فعند إدارة المجتمع يجب الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة من الثروات الطبيعية مثل البترول والغاز.
الصندوق والعدالة الاجتماعية
« من ضمن برنامج صندوق النقد تنفيذ شبكة حماية اجتماعية للفئات التى قد تضار أثناء تطبيق البرنامج.. كيف ترى ذلك؟
– صندوق النقد يتحدث عن حماية اجتماعية وليس عدالة اجتماعية، وبالتالي ما فائدة تلك البرامج؟، فالصندوق يعتمد على أساس الاستحقاق، فمن يستحق يأخذ، بفرض أن عجز الفرد ليس ناتجًا عن تقصير الدولة فى التعليم والصحة وأن كل الفرص متاحة أمام الفرد، وهذا ليس صحيحًا، فعلى سبيل المثال، المجتمع لم يتح لي فرصة، ولم يفتح لي طريقًا، حيث خرجت من المدرسة مرتين، لكن بـ«المعافرة» تمكنت من الوصول، لكن هذا لا يهم صندوق النقد الدولي، الصندوق يفترض أن من يمتلك مهارات وقدرات ومؤهلات يستحق أن يأخذ، ولكن لا يسأل لماذا الفرد لا يمتلك قدرات ومؤهلات. فالصندوق يعتمد على مؤشرات مالية فقط، مثل الاحتياطى النقدي، الإنفاق العام، الإيرادات.. ألخ.
لكن اقتصادي اهتم بالعدالة الاجتماعية وحجم الفرص المتاحة للفئات المختلفة من المجتمع، بما فيها الفئات الحالية والأجيال القادمة، أتحدث عن العدالة الاجتماعية، وليس الحماية الاجتماعية التى يروج لها الصندوق، كبرامج تكافل وكرامة وحياة كريمة، فبرامج الصندوق هى التى خلقت العوز لدى هذه الفئات، ويحاول الصندوق تعويض جزء من هذه الأضرار عن طريق الإعانات، فالعدالة الاجتماعية تعنى فى أبسط صورها تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، فعلى سبيل المثال الإنفاق العام على التعليم والصحة بشكل كبير، وهذا غائب عبر برامج الصندوق بل يدعوا إلى خفض الإنفاق العام.
الثالوث المستحيل
« طبقت مصر خلال الفترة الأخيرة برنامج مع الصندوق منذ 2016.. فما عيوب هذا البرنامج من وجهة نظرك؟
– هذا البرنامج الذي طبقته مصر يتمثل فى الإدارة الاقتصادية الكلية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه «الثالوث المستحيل»، وهو عبارة عن 3 أهداف أعلن عنها صانع السياسة الاقتصادية تحقيقها فى آن واحد، وهي: استقرار سعر الصرف، وآلية دخول وخروج الأموال من الدولة، والهدف الثالث استقلال السياسة النقدية، وهى أهداف من المستحيل تحقيقها فى آن واحد، لأنه إذا نجح فى تحقيق هدفين، فإن الهدف الثالث لا يتحقق.
فمثلا فى مارس الماضي، وعلى خلفية العملية الروسية في أوكرانيا، بدأت أسعار السلع الأساسية فى الارتفاع، وارتفاع معدلات التضخم، فاضطر الفيدرالي الأمريكي «البنك المركزي الأمريكي» إلى رفع سعر الفائدة لكبح التضخم فى أمريكا، مما أدى إلى انخفاض الفارق بين سعر الفائدة فى أمريكا ومصر، بمعنى أن الهامش المتاح للمكسب لرؤوس الأموال الساخنة انخفض، وأصبح لدي تلك الأموال فرص أفضل للاستثمار خارج مصر، فخلال أسبوع خرج من مصر 20 مليار دولار، مما ضغط على سعر الجنيه المصري بشدة، واضطر البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة فى مصر، وبالتالي فقد استقلالية السياسة النقدية، وأصبح تابعًا للبنك الفيدرالي الأمريكي، أمريكا ترفع سعر الفائدة والبنك المركزي المصري يرفع سعر الفائدة، كما اضطر البنك المركزي المصري إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري أيضا.
ثم جاءت تصريحات محمد معيط وزير المالية المثيرة للدهشة، حيث أعلن «أن مصر تعلمت الدرس ولن تعيش على الأموال الساخنة»، ولكنه لم يقل أنه سيعمل على تصحيح الخطأ «الثالوث المستحيل».
ففي كل فترة تحدث الصدمة ذاتها، تخرج رؤوس الأموال متضغط على العملة الوطنية، نضطر إلى تخفيض قيمة الجنيه، ونلجأ لصندوق النقد الدولي، بما يشبه الدورة التى يمر بها الاقتصاد المصري بسبب الإصرار على الالتزام بـ «الثالوث المستحيل».
البديل المقترح
« لكن هل هناك بديل آخر غير سياسات الصندوق و«الثالوث المستحيل»؟
– لابد من تغيير أسس السياسة الاقتصادية الكلية، ومنها وضع ضوابط على دخول وخروج الأموال الساخنة «الاستثمار غير المباشر»، فوزارة المالية تصدر سندات وأذون الخزانة بهدف جمع هذه الأموال دون أن يكون لها مردود على أرض الواقع، فالهدف هو جمع الأموال وليس الاستثمار.
وهناك دول أقوي من مصر اقتصاديا ولديها أضعاف الاحتياطات الدولية مقارنة بمصر، ومع ذلك تفرض قيودًا على حركة الأموال الساخنة، مثل الصين، ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وتمتلك أكبر احتياطي نقدي.
بل إن الأموال الساخنة فى مصر تعامل معاملة مميزة، فهى لا تخضع للضرائب!، وعندما كان هانى قدري وزيرا للمالية عام 2014 اقترح فرض ضرائب على أرباح الأموال الساخنة، باعتبارها تعمل وتربح فى مصر، وهاجت الدنيا وتجمد الموضوع، ونرى مجلس النواب يجدد رغم انخفاض قيمتها.
ففرض قيود على حركة رؤوس الأموال الساخنة لا يجعلنا نضطر إلى رفع سعر الفائدة كلما رفع الفيدرالي الأمريكى سعر الفائدة، وهنا استقلالية البنك المركزي.
وهنا أشير إلى أن التضخم فى مصر ليس ناتجًا عن ضغط الطلب إنما يرجع إلى خلل فى الهيكل الاقتصادي، فرفع سعر الفائدة لا يحل مشكلة التضخم فى مصر، بل يزيد من عجز الموازنة العامة للدولة نتيجة زيادة فوائد الدين العام.
نظام سعر الصرف
وماذا عن سعر الصرف فى البديل المقترح؟
نظام سعر الصرف هو طريقة تحديد سعر الجنيه أمام العملات الأخرى، والنظام الحالي يقوم على تحديد البنك المركزي قيمة الجنيه أمام الدولار، ثم يحدد قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى مثل اليورو والجنيه الاسترالينى والين الياباني بعلاقة هذه العملات بالدولار، فنظام سعر الصرف معتمد على الدولار، والبنك المركزي يتدخل للحفاظ على قيمة الجنيه سواء بيع أو شراء الدولار.
هذا النظام خاطئ، لأنه يربط الجنيه المصري بالدولار، فربط العملة المحلية بعملة دولة أخرى له شروط من أهمها أن تكون عملة هذا البلد تمثل أهمية كبرى سواء على مستوى التعاملات التجارية أو الاستثمارية أو القروض.
وبالنسبة لمصر، الدولار ليس أهم العملات فى التعامل، فحجم التعامل التجاري مع أمريكا لا يمثل سوى 16% من حجم تعاملاتنا التجارية، فيما يمثل الاتحاد الأوروبي نحو ثلث المعاملات التجارية مع مصر، وبالتالي ليس هناك مبرر لربط الجنيه بالدولار الأمريكي.
ومن ناحية أخرى، فإن ربط الجنيه بعملة واحدة تضر بتنافسية الإنتاج سواء فى الأسواق الداخلية أو الخارجية، لان التضخم فى مصر أعلى مقارنة بالدول الأخرى، وبالتالي يصبح الجنيه مقوما بأعلى من قيمته بالنسبة لتلك الدول.
سلة عملات
والبديل هو ربط الجنيه المصري بسلة عملات، ويتم اختيار هذه العملات وفقا لعلاقات مصر التجارية والاستثمارية والقروض بحسابات دقيقة، أو ربطه بحقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولى، والعملات المستخدمة فى حقوق السحب الخاصة هى الدولار الأمريكى والجنيه الإسترالينى واليورو والين اليابانى واليوان الصيني هذه العملات الخمس تمثل نحو 85% من تعاملات مصر سواء التجارية أو الاستثمارية أو القروض. والواجب على البنك المركزي المصري مراقبة أسعار صرف هذه العملات وأن يعمل على استقرار سعر الجنيه أمامها.
اقتصاد هش
« خروج الأموال الساخنة والاعتماد على الأنشطة التجارية والعقارية والخدمات .. سمات الاقتصاد المصري .. أين الاقتصاد الحقيقي؟
– مصر أكبر مستورد للقمح فى العالم، وشاهدنا تأثير الأزمة الأوكرانية على سلاسل الإمداد خاصة القمح، سواء فى الحصول عليه أو تدبير الاعتمادات اللازمة لشرائه، إذن لابد من علاج مشكلة الأمن الغذائي، وهذا لا يتم سوى بالاهتمام بالزراعة والصناعة، أى الاقتصاد الحقيقى.
فالاهتمام بالزراعة ليس فقط لإنتاج الغذاء، وإنما أيضا لأن عددًا كبيرًا من سكان مصر يشتغلون بالزراعة. فالاهتمام بالزراعة يحل مشكلة الفقر، باعتبار أن الفقر يتركز فى الريف.أجيل ضريبة الأرباح الرأسم
وهنا أتحدث عن حق الفلاح فى الحصول على سعر تحفيزي للمحصول، خاصة القمح، وعندما كنت وزيرًا للتضامن الاجتماعي، كان سعر القمح المحلى أعلى بنسبة تتراوح ما بين 10 إلى 15% من السعر العالمى، لكن فى الفترة الحالية تم الإعلان عن سعر توريد القمح فى 15 مارس الماضي، أى قبل الحصاد بشهر، وبالتالي ليس للسعر أهمية فى تحفيز الفلاح على زراعة القمح، وكان من المفترض الإعلان عن السعر قبل بدء الزراعة أى فى شهر سبتمبر.
بالإضافة إلى ذلك سعر القمح نقاوة 23% نحو 885 جنيها للإردب أى أقل بنحو 20% من السعر العالمي، بما يمثل فرض ضريبة على الفلاح، بدلا من تحفيزه، بالإضافة إلى فرض توريد 12 إردبًا على كل فدان، وفرض غرامات على من يخالف هذا القرار، ومن الممكن أن الفدان لا يحقق هذه الكمية.
تعديل القانون
لكن الاهتمام بالزراعة يحتاج إلى أموال طائلة ..كيف يتم تدبير هذه الأموال فى ظل الوضع الاقتصادي الحالي؟
هناك خرافة سائدة فى تفكير المسئولين أن كل حاجة تحتاج إلى أموال، لكن فى الزراعة لا تحتاج إلى أموال، فإذا نظرنا إلى الأراضي الزراعية، نجد أن 90% من الأراضي المنزرعة لمستأجرين وليس ملاك الأرض من يقومون بالزراعة فيها، فهناك خلل فى توزيع الملكية الزراعية، فمن أهم علاقات الإنتاج فى الريف إيجار الأرض الزراعية.
فقانون الإصلاح الزراعى الذي صدر فى سبتمبر 1952، قال أن من يزرع الأرض يدفع 7 أمثال الضريبة، وعقد الإيجار مؤبد، نتج عن ذلك أن الميزان مال لصالح المستأجر على حساب مالك الأرض، وفى التعديل قانون عام 1992 تم تغيير مادة واحدة فقط، عقد الإيجار يخضع للقانون المدنى مع منح مهلة 5 سنوات للتطبيق، وبدأ التطبيق فعليا فى 1997، وأصبح إيجار الأرض بعد عودتها للملاك لمدة سنة أو زرعة، فأصبح عدد كبير من المستأجرين مقابل عدد محدود من الملاك، فمال الميزان لصالح الملاك على حساب المستأجرين.
والمعروف أن الأرض الزراعية لها خصوبة تكونت على مدار السنين، ولابد من الاعتناء بالأرض الزراعية حتى لا تفقد خصوبتها، ولكي يتم المحافظة على الخصوبة لابد من زيادة مدة إيجار الأرض الزراعية للمستأجر، حتى لا يهلك الأرض، وبالتالي لابد من تعديل القانون بما يسمح بتحديد مدة إيجار الأرض مع ترك السعر حرًا، ففي فرنسا مثلا مدة إيجار الأرض الزراعية 9 سنوات، على أن تحسب فى هذه المدة سنوات العجاف والازدهار فى الأرض الزراعية، حتى نضمن استمرار خصوبة الأرض.
تحدثنا عن الزراعة .. وماذا عن الصناعة؟
الصناعة ركيزة الاقتصاديات الحديثة وهى أحد قطاعات الإنتاج الحقيقى، فهى تتضمن الابتكار والتقدم والتوظيف، لذا لابد من الاتجاه إلى الصناعة بدلا من العقارات والتجارة والخدمات، ونحن نتحدث عن الصناعة هناك قضية مهمة تهملها الحكومة وهى قضية الادخار المحلى، فمثلا معدل الادخار فى مصر لا يتجاوز 14% في حين يصل فى الصين على 42%، وتظهر أهمية الادخار عندما تعمل الدولة على زيادة معدلات النمو، عن طريق الاستثمارات التى تحتاج إلى تمويل، فإذا لم يكن لدى الدولة مدخرات فإنها ستلجأ إلى الاقتراض، وبالتالي تدخل فى معضلة الديون، فهناك ضرورة للعمل على رفع معدل الادخار المحلى كبديل عن الاقتراض« مدخرات الغير».
الفقر وعدم المساواة
« ما الفرق بين الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية؟
– بداية أنا ضد الحماية الاجتماعية التى يروج لها صندوق النقد الدولي، فالحماية الاجتماعية يمكن قبولها فقط فى حالة حادث طارئ مثل حدوث سيول وتضرر بعض القرى، وبالتالي يكون من المتوقع تدخل الدولة والمجتمع المدني لتقديم مساعدات للمتضريين من هذا الحدث الطارئ، ولكن برامج الصندوق تعمل على إفقار الناس نتيجة تطبيق سياسات الصندوق، ثم يقترح الصندوق إعانات أو ما يطلق عليه حماية اجتماعية مثل تكافل وكرامة وحياة كريمة فهذا غير مقبول.
فى ثورة 25 يناير كانت الشعارات عيش حرية عدالة اجتماعية، شعارات انطلقت من الشعب بعدما شعر بالظلم نتيجة غياب العدالة الاجتماعية التى تعنى تكافؤ الفرص بين كافة فئات المجتمع، وكاقتصادي اهتم بالعدالة الاجتماعية، وهنا اتساءل ما الفائدة التى عادت على فئات المجتمع من بعض المشروعات التى تكلفت المليارات.
وثيقة الدولة
« طرحت الدولة وثيقة سياسة ملكية الدولة.. بما يعنى التخارج من بعض المشروعات لإفساح الطريق للقطاع الخاص .. كيف ترى هذه الوثيقة؟
– الاقتصاد المصري يدار حاليا بالمبادرات وليس بالسياسات، مثل مبادرة حياة كريمة، كلنا واحد.. إلخ من هذه المبادرات، فالاقتصاد يدار بالسياسات، وليس لدينا سياسة اقتصادية ليس لأن الحكومة متغولة فى النشاط الاقتصادي، لكن لغياب السياسات التى تحدد الأهداف والحوافز، وليس تخارج الدولة من بعض المشروعات أو حتى كلها سيحل المشكلة ويجذب القطاع الخاص.
كان من المنطقى قبل طرح هذه الوثيقة أن تطرح وثيقة سياسة إدارة الاقتصاد القومى، فى مجال سعر الصرف وسعر الفائدة ودخول وخروج الأموال والاستثمار والتراخيص.. إلخ.
فلدينا قصور فى السياسات، فأهل الاقتصاد لا يديرون الاقتصاد المصري، وإنما يديره محاسبون ومهندسون مع احترامي لهم، فنحن نحتاج سياسات اقتصادية معلنة، تتضمن المساءلة لكل من يعمل فى النشاط الاقتصادي.
وهناك قضية مهمة وهى حماية المنافسة ومنها الممارسات الاحتكارية، فعندنا قانون وجهاز لكن هناك شرط يجعل من تطبيق القانون أمرا صعبا وهو أن تحريك الدعوى لا تتم إلا بموافقة الوزير المختص، وبالتالى نحتاج إلى تعديلات للقانون وإلى نظام فعال لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وأيضا المساءلة.
رفع الأسعار
« خلال الأسبوع الماضى تم رفع أسعار البنزين والسولار .. كيف ترى القرار؟
– من اتخذ قرار رفع الأسعار يعلم جيدا أن أسعار البترول تشهد هبوطا خلال الفترة الماضية، ورفع أسعار البنزين والسولار معناه موجة جديدة من التضخم، خاصة وسط غياب الرقابة الفعالة من الدولة، فتكون النتيجة موجة غلاء جديدة، خاصة أن السوق يتحكم فيه التجار والاحتكار.

التعليقات متوقفه