محمود دوير يكتب :كاملة أبو ذكرى … فن ينور العقول … ويبهج القلوب

9

*محمود دوير

لا يتوقف الجدل فى معظم الأحوال حول اختيار الشخصيات الفنية للتكريم في المهرجانات المختلفة. لكنه توقف بشكل ملحوظ حينما وقع الاختيار على حالة فنية تحظى بتوافق كبير . فعندما قررت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال 44 المنتهية مؤخراً عن اختيار المخرجة ” كاملة أبو ذكرى ” ومنحها جائزة فاتن حمامة هذا العام . واستقبل كل من المشاهدين وصناع السينما على حد سواء القرار بارتياح كبير ولعل تجربة “كاملة ” التي بدأت في منتصف التسعينات مع الشاشة الفضية ثم علاقتها الوثيقة بالناس التي توثقت من خلال إطلالاتها عبر الشاشة الصغيرة في تجارب الدراما التلفزيونية كانت قادرة على صناعة جسر قوى وغير قابل للخدش بينها وبين المشاهد واستطاعت “كاملة ” التي تدرك جيدأ أهمية رسالتها الفنية وتعي تماما خطورة الوسيلة التي تساهم من خلالها فى تشكيل الوعى العام والوجدان الجمعي لتسير خلال مشوارها الممتد على نصيحة الأستاذ يوسف شاهين لها وهى ” يا تنوري العقول .. يا تبهجي القلوب ” وأظن أن “كاملة ” صنعت كلا المسارين بدقة شديدة وتميز واضح
“كاملة ” التى خرجت من أسرة تدرك قيمة الكلمة وتعلمت من والدها الرحل ” وجيه أبو ذكرى ” الكثير والكثير لكن من أبرز دروس الوالد – كما قالت – أنها تعلمت الكرامة والشجاعة

ودرست في المعد العالي للسينما وتخرجت منه لتبدأ رحلة العمل في منتصف التسعينيات وتستهل مسيرتها بالعمل مساعد لعدد من كبار المخرجين وتتوقف “كاملة ” كثيرا أمام تجربتها مع الراحل عاطف الطيب
قدمت فيلمها القصير الأول (قطار الساعة السادسة)، ثم عادت للعمل كمساعد مخرج فى أفلام (هالو أمريكا) و (إتفرج يا سلام) و (اللمبي) بطولة و (إزاي تخلي البنات تحبك)،
فى 2004 كانت السينما المصرية تسير في مسار جديد سيطر خلاله على مفهوم ما يسمى بالسينما النظيفة وتزايد الحضور القوى للنجوم الشباب ” محمد هنيدي و وعلاء ولى الدين ومحمد سعد وغيرهم . في ظل استسلام المنتجون لأعمال تضمن تحقيق اقبال على شباك التذاكر وسميت تلك المرحلة بظاهرة “سينما الشباب ” حيث نجومها من الشباب
رغم استمرار عدد من نجوم الصف الأول على الساحة أهمهم “عادل إمام ونور الشريف وأحمد زكى ومحود عبد العزيز ” إلا أن حالة الصناعة وقوتها كانت تسمح بمزيد من الوجوه والعديد من المدارس الفنية

انطلقت “كاملة ” مع جيلها لتمثل جسراً يعبُر بنا من مرحلة “عاطف الطيب ومحمد خان وداود عبد السيد وغيرهم من رواد الواقعية الجديدة إلى متلقى جديد تشكل وعيه في ظل هيمنة الكوميديا التي توقف عند قشور الوعى ولا تذهب نحو عمق التجربة السينمائية – رغم وجود تجارب ملهمة لأسامة فوزى مثلا

وكانت حالة “كاملة ” تجربة ناضجة فى سينما تصنع الوعى وتبهج القلب .. –
وفى 2004 قدمت كاملة أول تجاربها ” سنة أولى نصب ” الذى حمل كل مواصفات التجارب الاولى وبعد عامين أي في 2006، قدمت دُرة أعمالها السينمائية وأحد أهم الأعمال التي قدمتها السينما المصرية فى تلك المرحلة «ملك وكتابة» . وفى نفس العام يخرج فيلم «عن العشق والهوي» إلى دور العرض وفى عام 2009 قدمت «واحد صفر» ليتواصل نضجها الفني فى الصعود ليؤكد أننا أمام مخرجة مختلفة ومتميزة وشاركت في إخراج قصة من أربعة قصص ضمها فيلم «18 يوم» عن أيام ثورة يناير 2011، وتغيب كاملة عن السينما لسنوات حتى تعود مع فيلم من إنتاج “الهام شاهين ” وهو الاخير «يوم للستات» عام 2017

توثقت الصلة ما بين “كاملة ” وبين المشاهد العربي من خلال الدراما التلفزيونية وقدمت أعمال مبهرة وشديدة التميز وهذا لم يتحقق لدى غالبيه مخرجي السينما الذين انتقلوا للعمل في التلفزيون بعد أن اشتدت أزمة صناعة السينما وتراجع متوسط إنتاج الافلام بشكل كبير ليصل فى بعض الى أقل من 20 فيلم في بعض السنوات بالمقارنة بالعقود الماضية التى كان عدد ما تقدمه السينما فى المتوسط ما يتجاوز 200 فيلم

خاضت تجربة إخراج الدراما التلفزيونية وقدمت أعمال مميزة منذ عام 2006 مسلسل “6 ميدان التحرير ” ثم جاءت رائعتها “بنت اسمها ذات ” عن رواية للكاتب صنع الله إبراهيم

وفى عام 2013 وعادت مع نص الكاتبة فتحية العسال “سجن النسا ” فى 2014 ورائعة الكاتب الراحل بهاء طاهر ” واحة الغروب ” 2017 ومسلسل “100 وش عام 2020 وآخر أعمالها كان مسلسلها الجريء “بطلوع روح “

مسيرة غنيه وحافلة .. غنية بالعطاء المتواصل والإبداع المميز … استطاعت كاملة أن تجمع بين قدرة فائقة على تقديم إبهار فني وتمكن واضح من استخدام كافة الأدوات واهتمام لافت بالتفاصيل جعل أعمالها شديدة الصدق والدقة واحترمت المشاهد فبادلها إحرامها له بمزيد من الاحترام

خلال مشوراها الفني لم تتوقف عن الاشتباك مع قضايا المجتمع وهموم اهلها وناسها التى استلهمت منهم موضوعاتها وعرفت الطريق الى الأعمال الأدبية لتصبح من القلائل بين جيلها الذين يستندون إلى أعمال أدبية (ذات – سجن النسا – واحة الغروب )

تنحاز ” كاملة ” تماما لقيم الاستنارة دون مواربة كما تعى أهمية الفنون فى البحث بين تفاصيل الناس وكشف مواجعهم وكأن الفن لديها هو صرخة تعزفها آلات فنيه شديدة العذوبة شديدة السحر ..

واصبح المشاهد يدرك بسهولة أن هذا العمل لكاملة أبو ذكرى أحيانا دون أن يقرأ اسمها على التتر فسوف
يتعرف عليها من خلال دقة التفاصيل وحركة الممثلين التي تتقن توظيفهم وتتميز بإطلاق طاقاتهم الإبداعية – فمثلا نجد “نيللي كريم ” في أعمال كاملة غير نيللي كريم في باقي أعمالها –

تحلم “كاملة ” بالعودة للسينما التي غابت عنها منذ 2017 وتتمنى أن تقدم عملا سينمائيا عن “فلسطين ” يوثق بشكل فنى معاناة شعب خلال قرن من الزمان ويكون مرجعا للأجيال الجديدة حتى لا تنسى قضية العرب الأولى ونحلم معها بعودتها للسينما مجددا مدركين أن جائزة مهرجان القاهرة السينمائي قد اكتسبت ازدادت بريقا بحصول ” كاملة أبو ذكرى ” عليها ..

التعليقات متوقفه