شركات الاتصالات.. استراتيجيات جديدة لتحسين استهلاك الطاقة

2

تتمتع صناعة وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية بمكانة رائدة على مستوى العالم، مما يضع على عاتقها المبادرة بجعل عملياتها ومنتجاتها وخدماتها أكثر وتوافقا مع أهداف الاقتصاد منخفض الكربون، وتنفيذ استراتيجية استدامة قادرة على تحقيق تلك الأهداف. وفى حالة قيام الصناعة بهذه المهمة بنجاح، فإنها لن تعمل فقط على تحسين الاستدامة فى صناعة الاتصالات فحسب، بل يمكن أن يمتد تأثيرها البيئى الإيجابى ليشمل قطاعات أخرى.

 

الجيل الخامس

يرتكز مفهوم شبكات الجيل الخامس للاتصالات المحمولة على أنه الجيل الذى يوفر وقت استجابة منخفض بشكل كبير لتسهيل سرعات تحميل أسرع للبيانات مع استخدام نطاق ترددى عريض. وقد أثبتت تقنية الجيل الخامس حتى اليوم أنها تقنية أكثر كفاءة فى استخدام الطاقة. ووفقا لبحث أجرته مؤسسة GSMA Intelligence، سيؤدى الاستخدام المتزايد لشبكة الجيل الخامس إلى زيادة واضحة فى حركة بيانات الهاتف المحمول واستهلاك الطاقة، على الرغم من أن الجيل الخامس توفر استهلاك الطاقة بنسبة 50 ٪ أو أكثر من الجيل الرابع.

وبالنسبة للمستهلكين، تعتبر هذه ميزة كبيرة حيث يمكنها تعزيز القدرة على ممارسة الألعاب على الأجهزة المحمولة، مما يسمح بتجربة أكثر سلاسة وخالية من التأخير.

ومن المتوقع أن يزداد استخدام البيانات بمقدار 2.5 مرة مقارنة بهواتف الجيل الرابع الذكية من التطبيقات التى تستخدم الفيديو والواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضى (VR).

لذلك، يتعين على شركات الاتصالات التدخل لضمان تعظيم الفوائد وكفاءة الطاقة لشبكات الجيل الخامس إلى أقصى إمكاناتها مع تقليل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون. ومن المعروف أن شبكات الجيل الخامس ستصبح ضرورية لمستخدمى الهاتف المحمول.

 

الذكاء الاصطناعى والطاقة

يوفر الذكاء الاصطناعى فرصا واسعة لقطاع الاتصالات ليصبح أكثر كفاءة فى استخدام الطاقة وتقليل التكاليف. ويمكن لمقدمى خدمات الاتصالات استخدام الذكاء الاصطناعى لتحليل البيانات بكفاءة ومعالجتها وترجمتها إلى رؤى قابلة للتنفيذ. كما يسمح الذكاء الاصطناعى بتحليل كميات هائلة من البيانات من مصادر مختلفة بسرعة وكفاءة. فى المقابل، يمكن أن يتيح ذلك اتخاذ قرارات آلية سريعة للمساعدة فى إدارة الموارد وتخصيصها.

 

الشرائح الذكية

فى حالة شرائح الموبايل التقليدية البلاستيكية SIM، يتم تصنيع الشريحة لتكون جزءا من قطعة بلاستيكية صغيرة نقوم بإدخالها فى هواتفنا. يتم وضع كل بطاقة SIM فى حامل بحجم بطاقة الائتمان لاستخدام أفضل. وعند الاستخدام يتم التخلص من الحامل، وهو أكبر بحوالى 8 مرات من بطاقة SIM نفسها، ناهيك عن العبوة، والتى تم تصنيعها مؤخرا من ورق أو بطاقات قابلة لإعادة التدوير.

وقد أظهر بحث أجرته مؤسسة ABI Research، تم أنه تم إنتاج 4.5 مليار بطاقة SIM بلاستيكية فى جميع أنحاء العالم فى عام 2020 لتوصيل الأجهزة المحمولة بالشبكة، وهى عملية تصنيع بلاستيكية كثيفة الكربون. وعلى الرغم من أن العديد من شركات الاتصالات قد قامت بتقليل حجم وتغليف بطاقات السيم كارد، إلا أن ظهور شريحة SIM المدمجة، أو الشريحة الإلكترونية eSIM، يمكن أن يلغى الحاجة إلى المكونات البلاستيكية أو الورقية.

وعادة ما تكون البصمة الكربونية الناتجة عن إنتاج وتوزيع بطاقات SIM عالية جدا. ففى عام 2012، قدرت مؤسسة  ICMA أنه يتم شحن حوالى 2 مليار بطاقة SIM على مستوى العالم سنويا. وبالتالي، ساهمت صناعة بطاقات SIM بحوالى 2 مليار بطاقة، وتقوم كل بطاقة منها بإصدار نحو 35 جرام من مكافىء ثانى أكسيد الكاربون (مكافىء ثانى أكسيد الكاربون  هو كمية ثانى أكسيد الكربون، من حيث الوزن، المنبعثة فى الغلاف الجوى والتى من شأنها أن تنتج نفس التأثيرات الإشعاعية التقديرية لوزن معين من غاز آخر نشط إشعاعيا. يتم احتساب مكافئات ثانى أكسيد الكربون بضرب وزن الغاز الذى يجرى قياسه فى إمكانية الاحترار العالمى المقدر)، أى بإجمالى حوالى  70 طن.

وتتمثل إحدى مزايا دعم eSIM فى أنه يمكن أن يساعد مقدمى الخدمة فى تقليل تكاليفهم بنسبة هائلة تصل إلى 80 ٪. إذ يمكن لمقدم خدمة مع قاعدة عملاء تبلغ مليون عميل وحوالى 50 ٪ من الإضافات الإجمالية سنويا توفير مليون دولار من التكلفة سنويا إذا تحولوا إلى توفير الشرائح الذكية المدمجة  eSIM بنسبة 100 ٪.

 

التأثير البيئى

للتخلص من الحاجة إلى توفير بطاقات SIM البلاستيكية تماما”، أطلقت بعض الشركات بطاقات سيم بيئية  Eco-SIM فى أكتوبر 2021. وهى مكونة من البلاستيك المعاد تدويره كمادة رئيسية فى البطاقات البيئية.. وتعتبر هذه الخطوة مفيدة فى بعض الأسواق التى لا تتوفر فيها البطاقات الإلكترونية المدمجة  eSIM على نطاق واسع، مما قد يقلل الحاجة إلى المواد الخام. لكن شركات الاتصالات التى تقدم هذا الحل لا يمكنها تسمية نفسها بالشركات الصديقة للبيئة حتى الآن، لأن الانبعاثات المتعلقة بتسليم وإنتاج بطاقات Eco-SIM تخلق المزيد من الانبعاثات على مستوى العالم.

 

البطاقات المدمجة

تتيح خدمات البطاقات الذكية المدمجة لمشغلى شبكات الهاتف المحمول خدمة عملائهم فوريا، دون انتظار تسليمهم بطاقات الشرائح التقليدية.، إذ يمكن للعملاء تثبيت وتفعيل eSIM  من خلال التطبيق دون عناء الأعمال الورقية. ويمكن للمستخدمين تنشيط ملف تعريف بطاقة SIM الخاصة بهم بأمان وتوصيل أجهزتهم بالشبكة بنقرة واحدة فقط. ولا يؤدى هذا إلى تبسيط عملية إعدادات العملاء لهواتفهم فحسب، بل يؤدى أيضا إلى تقليل استخدام بطاقات SIM تماما، وبالتالى الحد من النفايات البلاستيكية وانبعاثات الكربون المرتبطة بتصنيع بطاقة SIM ونقلها.

 

إعادة التدوير

تتحول أجهزة الاتصالات بعد استخدامها إلى نفايات إلكترونية، وغالبا ما تبقى الهواتف المحمولة وبطاقات SIM والأسلاك والبطاريات، وغيرها من المعدات فى الخدمة لبضع سنوات فقط. ومع ذلك، فإن الزجاج الذى تتكون منه شاشة الجهاز قد يستغرق مليون سنة حتى يتكسر. وتحتوى العديد من المكونات الأخرى للجهاز على معادن ثقيلة. وتشمل الرصاص والزئبق والكادميوم، والتى إذا تم التعامل معها بشكل غير صحيح يمكن أن تلوث البيئة. ولمكافحة هذه المشكلة، يجب على صناعة الاتصالات اتباع طرق أكثر توافق مع عمليات إعادة التدوير. وقد أعلنت العديد من الشركات إلتزامها بتدابير تشجيع إعادة التدوير. على سبيل المثال، قامت بعض الشركات بتطبيق برنامج لإعادة التدوير يهدف إلى إصلاح وإعادة بيع وتجديد الإلكترونيات القديمة للتخلص من النفايات وتقليل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون. وهذا المفهوم يؤكد على الحفاظ على قيمة المنتجات والمواد والموارد لأطول فترة ممكنة. لتمديد دورة حياة المنتج وتقليل النفايات.

 

مكاسب الاقتصاد الرقمى

تعتبر العمليات والمنتجات والخدمات المتوافقة مع البيئة والمناخ ضرورية لجميع القطاعات التى تتطلع إلى الازدهار. وتستمر أهمية الاستدامة فى صناعة الاتصالات فى النمو. وهذا التوجه لا يفيد العالم فحسب، بل يفيد مشغلى الاتصالات أنفسهم أيضا. كما أن تبنى إستراتيجية مستدامة تنطبق على جميع مراحل العمل يمنح الشركات العديد من الفرص والمزايا من بينها الإمكانات الهائلة لتقليل استهلاك الطاقة وتخفيض انبعاثات الكربون إلى تقليل التكاليف الإجمالية. ويتعين على شركات الاتصالات القيام بدورها فى الحد من نفاياتها وانبعاثاتها، ومساعدة بقية القطاعات على تمكين الاستدامة، ودعم مكاسب الاقتصاد الرقمى.

 

الفائدة الأكبر

وتشير إحصاءات الاتحاد الدولى للاتصالات (ITU) التابع للأمم المتحدة،  إلى أنه مع اتصال المزيد من الأشخاص بشبكة الإنترنت، تزداد البصمة الكربونية للشبكة، لكن التأثير البيئى الفعلى لكل مستخدم يتناقص. ويرجع السبب فى ذلك إلى أن هذه الشبكات تهدر كميات هائلة من الطاقة إذا لم يستخدمها أحد، مما يعنى أن البنية التحتية للإنترنت لا تخلق بمفردها، قيمة تبرر تكاليفها البيئية، ولكن الفائدة الأكبر تتحقق كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتصلون بها ويستخدمونها لإنشاء أعمال جديدة، وتعلم جديد المهارات، وبناء المجتمعات، وقيادة الحركات، وتحويل المجتمعات.

 

4 خطوات

ولذا تحتاج شركات الاتصالات، وشركات التكنولوجيا إلى تنفيذ الخطوات الأربع التالية:

1.     دعم المهارات الرقمية وإنشاء المحتوى المحلى لدعم الاستخدام الشامل للإنترنت.

2.     أن يكون لدى الشركات استراتيجية واضحة للتعامل مع النفايات الإلكترونية، ودعم مبادرات إعادة تدوير المنتجات وتجديدها.

3.     بالنسبة للشركات الصانعة للأجهزة، فهى تحتاج إلى تصميمات أكثر مراعاة للبيئة فى أجهزة الهاتف المحمول بحيث تتعامل بفعالية مع النطاق الترددى المنخفض، لأن معظم مستخدمى الإنترنت الجدد يتصلون بالشبكة عبر الهواتف الذكية التى تستهلك بالفعل طاقة أقل من أجهزة الكمبيوتر المكتبية.

4.     الدخول فى شراكات ومبادرات بين القطاعين العام والخاص لأنه عندما يعمل القطاعان معا يمكن تسريع النجاح وتحقيق الأهداف.

 

التعليقات متوقفه