47 عاما على انتفاضة الخبز في 18 و 19 يناير 1977:المحكمة وصفتها بالانتفاضة النزيهة وحملت نظام السادات مسئوليتها

35

كل ما تهل البشاير من يناير كل عام، يدخل النور الزنازن يطرد الخوف والظلام .. عندما تقرأ الجملة الماضية تستطيع أن تسمع لحن هذه الأغنية بصوت الشيخ إمام وهو يغنيها، وترى في مخيلتك الشاعر أحمد فؤاد نجم وهو يلقي هذه الكلمات على المسرح أو في إحدى اللقاءات التليفزيونية، ووراء تلك الأغنية التي استعارها الشعب المصري مرة أخرى في أحداث ثورة 25 يناير 2011 حدث آخر والذي يمر على ذكراه 47 عاما وهو حدث شكل بروفة كبيرة لما قد يتحول عليه الشعب المصري بين ليلة وضحاها بسبب تراكم الأعباء المعيشية وعدم عبء الحكومات بفقره.
المكان .. كل ميادين مصر، الزمان.. 18 و 19 يناير عام 1977، الحدث.. انتفاضة كبرى دون تخطيط جاءت من شعب لم يجد لنفسه سبيل سوى بالنزول للشوارع، السبب.. إعلان نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية عبد المنعم القيسوني يوم 17 يناير 1977، في بيان له أمام مجلس الشعب، مجموعة من القرارات الاقتصادية منها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، وبذلك رفع أسعار الخبز والسكر والشاي والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع المهمة في حياة المواطنين، فيما سمي بـ “تحريك الأسعار”، فكانت تلك القرارات هي الشرارة التي فجرت انتفاضة الخبز الشعبية، والتي مثلت انتفاضة حقيقية في كل مدن وقرى مصر، مما اُضطر الحكومة للرضوخ للرفض الشعبي وألغيت تلك القرارات.. فما الذي حدث؟
بعد انتصار مصر في حرب 1973 أتى عام 1974، لتتعرض مصر لعجز في الميزان التجاري وبالمعلومات التي تذكرها الهيئة العامة للاستعلامات قفز العجز من 98 مليون جنيه في عام 1973 إلى 530 مليون جنيه، أي بزيادة نحو خمسة أضعاف ونصف، كما ارتفعت نسبة العجز من 2.6% في عام 1973 إلى 12.6% في عام 1974 نتيجة للزيادة المفاجئة في الواردات والتي مولتها القروض الخارجية قصيرة الأجل (التسهيلات المصرفية)، ومن ثَمَّ تراجعت نسبة الاحتياطات الدولية للواردات من 11.2% في عام 1973 إلى 4.4% في عام 1974. علاوة على تدهور تغطية الصادرات للواردات إلى 64.5% وارتفاع نسبة عجز الموازنة من 14% في 1973 إلى 18% في 1974.

وفي ضوء تلك المؤشرات، أعلن الرئيس السادات تبنيه سياسة الانفتاح الاقتصادي، فأظهرت السياسة الاقتصادية للدولة ميلًا للقروض الخارجية الرسمية، وتفضيلًا لشكل الاستثمارات الأجنبية الخاصة، الذي يتيح الفرصة لرأس المال الأجنبي والعربي للإسهام في دعم الاقتصاد المصري، مما اضطر مصر لأن تقترض من صندوق النقد الدولي لأول مرة في تاريخها 186 مليون دولار لحل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم، ولأن صندوق النقد يقدم اشتراطات لما يسميه بالإصلاح الاقتصادي كانت القرارات المسماة بقرارات تحريك الأسعار، والتي لم يتحملها الشعب المصري فانتفض ضد تلك القرارات صبيحة يوم 18 و19 يناير عام 1977 اعتراضًا على خطط صندوق النقد وزيادة الأسعار وبعد ظهيرة يوم 18 يناير انسحبت الشرطة من الطرقات في مشهد مشابه لما حدث في 25 يناير 2011 ثم أُعلنت الأحكام العرفية وحظر التجول وتم إستدعاء الجيش الذي لم يفرض الحظر بالقوة ورفض أن يطلق رصاصة على شعبه، تلى ذلك القبض على البعض وكانت هناك محاكمة لـ 176 متهمًا وهنا كان لمحكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار منير صليب حكمًا بالبراءة على المتهمين ملحقًا بحيثيات حكم تاريخية وصفت فيها أحداث 18 و 19 يناير بالانتفاضة الشعبية النزيهة وليست “انتفاضة الحرامية” وهي المقولة التي كان قد وصفها بها الرئيس السادات نفسه
وهنا نقتبس من حيثيات الحكم التاريخي للقاضي الجليل منير صليب قائلًا “والذي لا شك فيه وتؤمن به هذه المحكمة ويطمئن إليه ضميرها ووجدانها, أن تلك الأحداث الجسام التي وقعت يومي 18 و 19 يناير 1977 كان سببها المباشر والوحيد هو إصدار القرارات الاقتصادية برفع الأسعار, فهي متصلة بتلك القرارات اتصال المعلول بالعلة والنتيجة بالأسباب، ولا يمكن في مجال العقل والمنطق أن ترد تلك الأحداث إلى سبب آخر غير تلك القرارات, فلقد أصدرت علي حين غرة وعلى غير توقع من أحد، وفوجئ بها الناس جميعا بمن فيهم رجال الأمن، فكيف يمكن في حكم العقل أن يستطيع أحد أن يتنبأ بها ثم يضع خطة لاستغلالها ثم ينزل إلي الشارع للناس محرضا ومهيجا”, و هكذا برأ الـ”حكيم” شرفاء الوطن, و اتهم النظام نفسه بالتسبب فيما حدث.
ونذكر أيضا أن بعد اشتعال أحداث الانتفاضة الشعبية يومي 18و19 يناير رفض وزير الداخلية اللواء سيد فهمي تنفيذ توجيهات الرئيس السادات بمواجهة المظاهرات بالذخيرة الحية، في الوقت ذاته طالب وزير الحربية الفريق أول محمد عبد الغني الجمسي الرئيس السادات بإلغاء قرارات رفع الأسعار ـ التي تسببت في خروج المظاهرات ـ أولا قبل إصدار القرار بنزول الجيش إلى الشوارع لحفظ الأمن، ووافق السادات مرغما، ولكنه لم ينس للوزيرين مطلقا عدم الاستجابة الفورية لتوجيهاته، أقال وزير الداخلية بعد أيام قليلة من أحداث يناير 1977 ، بينما أقال الجمسي في العام التالي ” .

التعليقات متوقفه