لقطات ..د. جودة عبدالخالق يكتب :وا ثورتاه

265

منذ عدة أيام حلت ذكرى انتفاضة يناير 1977. وبعد أقل من شهر سيحل اليوم العالمى للعدالة الاجتماعية في 20 فبراير. وغدًا هو اليوم الأهم في حياتى .. عيد ميلادي الحقيقي .. 25 يناير. ويبدو أن برودة الشتاء لا توقف حرارة المشاعر. فالمحروسة تمر حاليًا بمرحلة حرجة. قضايا الإصلاح بمختلف جوانبه ما زالت معلقة، رغم مرور ما يقرب من عامين من إطلاق الدعوة للحوار الوطني. اقتصاديا: المشهد الاقتصادي مرتبك وعبء الديون يكسر الظهر ونار الغلاء يشوي الوجوه. وصار الدولار محور الارتكاز لكل شيء تقريبًا. وأصبحت تلك الورقة الخضراء تحدد الكثير من عناصر الحياة اليومية للمصريين، من حزمة الفجل الى عِقد الفُل. وأضحى التعويم هو كلمة السر. سياسيًّا: ما زال عدد غير معلوم من المصريين في عداد سجناء الرأي والحركة في الفضاء العام محفوفة بالمخاطر. إستراتيجيا: يضيق على مصر الخناق وتشتد الضغوط من الاتجاهات كافة. باختصار: تحول نداء المصريين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية من حلم جميل الى كابوس ثقيل! ولا أملك إلا أن أصرخ: وا ثورتاه.

ورغم كل ذلك، فإنى أرى الضوء في نهاية النفق المظلم، وأراهن على ذلك. وليس قولي هذا على سبيل التمني، ولكنه على أساس القراءة العلمية لحركة التاريخ. فتاريخ الثورات في كل العصور يقول إن الثورات عادة ما تتعرض للاختطاف. وثورة 2011 تعرضت للاختطاف مرتين حتى الآن؛ الأولى على يد الإخوان في عام 2012 والثانية على يد الفلول من عناصر نظام مبارك منذ 2014. وهي ما زالت في حكم المخطوفة حتى الآن. وقانون الثورات يقول إن الثورة هي القاعدة وأن اختطافها هو الاستثناء. والاستثناء على القاعدة قد يطول أو قد يقصر. لكن مآله إلى انتهاء. تمامًا مثل حركة البندول بين الاستقرار في نقطة المنتصف والاهتزاز يمينًا أو يسارًا. وبناء عليه، فإن يناير 2011 كان مجرد بداية العملية الثورية، والبقية تأتى. ومن يشك في كلامى هذا أدعوه أن يراجع تاريخ مصر على امتداد الخمسين أو الستين قرنًا منذ عهد أجدادنا القدماء، مما يؤكد أن الشعب المصري ليس شعبًا خانعًا كما يشيع البعض عنه.
والآن فإن السياسات المطبقة تمهد الطريق لانفجار الأوضاع. فجوهر السياسات الاقتصادية المُطبقة هو نموذج الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية في المجال الاقتصادي) تحت شعار براق ولكنه خادع- شعار الإصلاح الاقتصادي. هذا النموذج يعطي الأولوية المطلقة لتحقيق أسرع معدل للنمو الاقتصادي، بصرف النظر عن طبيعة هذا النمو أو الفئات المستفيدة منه، استنادًا إلى مقولة “التساقط من أعلى” التي ثبت خطؤها في كل البلاد التي طبقتها. وهو يركز على تحجيم دور الدولة، والخصخصة وتحرير الأسعار بدعوى الأخذ باقتصاد السوق الحر، وإطلاق العنان للاحتكارات، وتخفيض الضرائب على الأغنياء، ومنح الإعفاءات الضريبية وبيع أراضى شعب مصر للأجانب اتاحة الأراضي بالمجان بدعوى تشجيع لاستثمار (قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017)، وبيع ثروات الشعب باسم الطروحات، والاقتراض بلا ضوابط باسم الحصول على تمويلات. وهذه السياسات تنتج الفقر بطريقة مُمَنهَجة، بحيث إن الفقر يزداد اتساعًا وعمقًا.
وبدلًا من أن يؤدي هذا النموذج إلى تحقيق الرخاء ورغد العيش للجميع، فإنه أنتج فقرًا وبطالة وتضخمًا ولا مساواة. ومن هنا جاء اختراع تعبير “الحماية الاجتماعية” بدلًا من “العدالة الاجتماعية”، لستر عورات ذلك النموذج. فتم تدشين برامج تكافل وكرامة في إطار وزارة التضامن الاجتماعي، وبرنامج الدعم النقدي لحاملي البطاقات التموينية في إطار وزارة التموين والتجارة الداخلية. ولكن المشكلة أن مثل هذه الترتيبات تبدأ مؤقتة، لكنها تتحول إلى دائمة. فهي تتعامل مع مخلفات سياسات خاطئة، بدلًا من تغيير تلك السياسات. ومع اتساع الفقر والبطالة واشتداد الغلاء، فضلًا عن استمرار ممارسات القمع وكبت الحريات العامة، تكون النتيجة المنطقية هي خلق حالة من الفوران الاجتماعي الى أن تستكمل الثورة ويتحقق شعارها “عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية”. عندها، يكون المصريون قد أصبحوا مواطنين لا رعايا. لست متأكدًا أن أرى ذلك يحدث قبل أن أرحل عن هذا العالم، ولكني أكافح في سبيله.

التعليقات متوقفه