ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب :عن يناير وما بعدها

38

تأتى هذا الشهر الذكرى الثالثة عشرة لانتفاضة يناير الشعبية فى العام 2011 التى أنهت ثلاثين عاما من حكم الرئيس حسنى مبارك، ومصر ليست فى أحسن أحوالها . وبعد أن تمكنت ثورة الثلاثين من يونيو التى دعا إليها شباب حركة تمرد ودعمها الجيش والشعب من التصدى لمخطط مابات يعرف بثورات الربيع العربى، الذى أسلم السلطة والحكم فى دول المنطقة لتيار الإسلام السياسى وجماعة الإخوان المسلمين، بعد تمكنها من إسقاط حكم جماعة الإخوان ، وفضح مخططها ومشروعها الفوضوى لتفتيت دول المنطقة، وتحويلها إلى إمارت فى دولة الخلافة المتوهمة، وإدخالها فى متاهات حروب أهلية تبرر التدخلات الخارجية فى شئونها ، فإن التحديات والمخاطر التى أصبحت تواجه مصر وشعبها ، صارت أكثر من أن تحصى، ولا يلوح فى الأفق ضوء ضئيل خافت من الأمل، فى جدران اليأس التى أخذت تحيط بنا من كل جانب .

نجح المصريون بثورة يونيو من تصحيح كثير من الانحرافات التى جلبتها النتائج التى أسفرت عن انتفاضة يناير، وفى القلب منها المشروع الأمريكى لأوباما وإدارته عن “الفوضى الخلاقة ” الذى أشاعته فى عام واحد من حكمها جماعة الإخوان .تمسك المصريون بهويتهم التى تشكلت عبر مراحل التاريخ المختلفة، من سلة متجانسة من ثقافات فرعونية ويونانية ورومانية ومسيحية وإسلامية فى مواجهة حملات العبث بها والتشكيك فيها .وبتضحيات جسيمة ومعاناة حياتية مؤلمة، تمكن المصريون بدعمهم للجيش والقوى الأمنية، خلال تلك السنوات، من التصدى للإرهابيين الذين استدعتهم جماعة الإخوان من كل أصقاع الأرض ووطنتهم فى سيناء، فاستنزفوا موارد الدولة وجهود مؤسساتها الأمنية، فضلا عن الخراب الذى دمروا به مؤسسات الدولة المصرية، وكنائسها ومساجدها ، واغتيال قضاتها وحماة أمنها الداخلى والخارجى من رجال الجيش والشرطة .
كانت تلك التضحيات هى الوتد الذى استندت إليه الدولة فى البدء بإعادة البناء وإكمال مشروع ثورة يونيو بإقامة مصر دولة ديمقراطية حديثة، وفقا لماجاء فى دستور 2014 الذى صاغته قوى الثورة ، ولم ينفذ كثير من بنوده حتى الآن ، لاسيما تلك النصوص التى تتعلق بالحقوق الاجتماعية للمواطنين .وبين تلك البنود ما يقضى بالحفاظ على حقوق العمال، واتاحة الوظائف العامة على أساس من الكفاءة دون محاباة او واساطات، وتوفير خدمات التأمين الصحى والتعليم المجانى لكل المواطنين. فضلا عما يطالب به الدستور من التزام النظام الاقتصادى بقيادة مشاريع للتنمية المستدامة التى تسفر عن تحقيق العدالة الاجتماعية وترفع معدل النمو، و مستوى المعيشة وتقضى على الفقر، وتضمن تكافؤ الفرص بالتوزيع العادل لعوائدها، وتمنع الممارسات الاحتكارية وتضبط آليات السوق ، من خلال حماية الدولة للملكية العامة والملكية الخاصة والملكية التعاونية، وغير ذلك من بنود توزيع الموازنة العامة للدولة بما يضمن تحقيق تلك الأهداف.
ساهمت أوضاع إقليمية ودولية فى عرقلة التوصل لتلك الأهداف، بدءا من وباء كورونا ، مرورا بتداعيات الحرب الأوكرانية، وليس انتهاء بالحرب الأهلية فى السودان، وحرب الإبادة الجماعية التى تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى الأعزل فى غزة والضفة الغربية . وليس بمقدور أى تحليل منصف، أن ينكر التأثيرات السلبية لتلك الحروب الصحية والعسكرية على الاقتصاد المصرى .لكن المشكلة أن قصر تبعات الأزمة الاقتصادية العاتية التى تمر بها البلاد الآن على عوامل خارجية فقط، يتغاضى عن دور الاختيارات الاقتصادية الهشة والمتخبطة للحكومة الراهنة فى تضخيم الأزمة، وتجاهلها لكل البدائل التى تمتلكها ولا ترغب فى استخدامها، وبينها التصدى لجحافل المحتكرين ، والمراقبة الصارمة للأسواق ، والمكافحة غير الانتقائية للفساد المالى والإدارى فى عدد لا يستهان به من مؤسسات الدولة .
وكان من الطبيعى أن يؤدى هذا التجاهل إلى مراكمة الديون الخارجية، ورفع معدلات التضخم و الغلاء والفقر بنسب غير مسبوقة، أضحت فى غير قدرة تحمل جموع المواطنين لنتائجها الكارثية التى أصبحت تحرمهم من الحد الأدنى لما توفره الحياة الكريمة، وتدخل كثيرين منهم فى براثن اليأس والعدمية، وتجعلهم لقمة سائغة بين أيدى من يوظفون معاناتهم لمحاربة الدولة وتخريب مؤسساتها .لكن الأخطر من كل ما سبق أن استمرار تلك الأوضاع ، من شأنه أن يفقد ثقة المواطنين فى صناع القرار.
قبل 13 سنة ملأ المواطنون الشوراع والميادين بهتافات مدوية تنادى بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، والمؤسف أنه لايزال هتافا للصامتين والجوعى !

التعليقات متوقفه