لقطات ..د. جودة عبدالخالق يكتب :الحوار الوطنى إلى أين؟

95

أتابع مسار الحوار الوطنى ومصيره بمزيج من الغضب والقلق. فقد مضى أكثر من سنتين منذ تحرك قطار الحوار في يونيو 2022. وهذه مدة ليست بالقصيرة، وتستدعى الآن طرح العديد من الأسئلة الملحة. إلى أين وصل الحوار حتى الآن؟ ما هي أهم المحطات التي توقف عندها؟ ما هي النتائج التي حققها؟ وكيف ينظر عموم الناس حاليا إلى الحوار؟ هل هناك أطراف في مجتمعنا تسعى لإجهاض الحوار وتفريغه من مضمونه أو تحويله عن مساره؟ هل يمكن لبعض القوى المعادية للإصلاح أن تختطفه وتوظفه لتحقيق أجندتها الخاصة؟ هل سينجح الحوار أم سيفشل؟ وما هو المطلوب عمله الآن لتجنب الفشل وتعظيم فرص النجاح؟ هل كان الحوار الوطنى من البداية مجرد وهم؟ أسئلة هامة، لكنها حائرة. وهى كثيرا ما تروح وتجيء في ذهني. تقض مضجعى، وكثيرا ما تحرمنى النوم.

أطرح هذه الأسئلة كرسالة على مجلس أمناء الحوار الوطنى الذى أشرُفُ بعضويته. وهى رسالة إلى كل الأحزاب والتيارات والقوى السياسية التي شاركت بِنيَّة حسنة وأملٍ كبير في جلسات الحوار بكافة أنواعها وتعدد موضوعاتها بحثا عن قاسم مشترك أعظم يعبر عن أولويات العمل الوطنى. كما أنها بلاغ بأوضح العبارات إلى الرأي العام وكل من يعنيه حاضر ومستقبل هذا الوطن، ممن نظروا إلى الحوار كآلية جديدة قد تفيدنا في الخروج مما نحن فيه. الكل كان يتطلع من خلال الحوار الوطنى إلى مخرج، سواء من ظروف اقتصادية مرتبكة أو أحوال سياسية بائسة أو أوضاع مجتمعية مضطربة. لقد تجاوزت مختلف أوضاعنا نطاق الاتزان، وأصبحت تنذر بالخطر. إلى كل هؤلاء أقول، بأعلى صوت، وبمنتهى الوضوح، إن الحوار الوطنى يتعرض للإفشال. أكرر الحوار الوطنى مهدد بالفشل. والفاعل هو الحكومة والبرلمان.
وعندما أقول إن الحكومة تراوغ والبرلمان يماطل، فأنا لا أتحدث من فراغ. لكنى وصلت إلى هذه النتيجة بعد صبر طويل ومتابعة دقيقة للمشهد عن قرب بحكم عضويتي في مجلس أمناء الحوار الوطنى. والمسألة ليست توجيه اتهامات لهذا الطرف أو ذاك، بل هي تقدير موضوعي لمسيرة الحوار منذ انطلاق دعوة الرئيس قبل أكثر من عامين. وعلى امتداد هذه الفترة نظَّمنا عددا كبيرا من الجلسات العلنية المفتوحة، شاركت فيها أعداد كبيرة من المواطنين من كل الأطياف، وغطاها الإعلام بكثافة. ناقشنا أمهات القضايا، الفارقة منها والحارقة. أدلى كل طرف بدلوه. بذلت الأمانة الفنية للحوار جهودا معتبرة. وتولى مجلس الأمناء بلورة التوافقات الناتجة عن الحوار كأولويات للعمل الوطنى، ودفع بها إلى السيد رئيس الجمهورية باعتباره الداعي إلى الحوار. ثم انتظرنا … وانتظرنا … وانتظرنا!
ولعلم الجميع، شملت مخرجات الحوار توصيات محددة لا مجال لتفصيلها هنا. بعضها بإجراءات قابلة للتنفيذ من جانب الحكومة، بالذات في مجال السياسة الاقتصادية والاجتماعية. وبعضها باقتراح تدخلات تشريعية؛ على سبيل المثال مشروع متكامل لقانون الانتخابات المحلية كأساس لانتخاب المحليات المجمدة من عام 2011. وطوال هذه الفترة كان موضوع الحبس الاحتياطي مصدر إرباك لعملية الحوار برمتها فقدمنا اقتراحات محددة لعلاج الخلل. وكان الأمل يحدونا أن تتعاطى الحكومة والبرلمان مع كل هذا الجهد بإيجابية. لكن للأسف خاب أملنا. واليوم، فهأنا ذا أحذر من أن الحوار الوطنى دخل مرحلة الموت السريرى. وما زلت أعتقد أن أمامنا فرصة لإنقاذه من هذا المصير المؤلم وتوابعه الخطيرة على أمن المجتمع واستقراره. نعم، أمامنا فرصة لإنعاش الحوار ومنحه قُبْلَة الحياة قبل بلوغه مرحلة الموت البيولوجى.

تحية: بمناسبة كل ما يجرى. من قصيدة أناديكم للشاعر الفلسطيني توفيق زياد:
أنا ما هنت في وطني ولا صغَّرت أكتافي
وقفت بوجه ظُلَّامي يتيما، عاريا، حافي

التعليقات متوقفه