إبراهيم نوار يكتب :هل من حل للعجز المزمن في الميزان التجاري ؟

36

رغم كل القيود المفروضة على تمويل الواردات، قفز العجز في ميزان تجارة البضائع في السنة المالية الأخيرة إلى 40 مليار دولار تقريبا، بزيادة مقدارها 8.4 مليار دولار بنسبة زيادة تصل إلى 25%. وليس هذا العام استثناء في ظاهرة العجز التجاري، فهي ظاهرة مزمنة في المعاملات مع العالم الخارجي. الجديد في تفسير الزيادة الضخمة بهذه النسبة في العجز ليس زيادة الواردات، لأن الواردات زادت بنسبة طفيفة تقل عن 2%. كما أنه ليس ناتجا عن انخفاض في الصادرات غير البترولية، التي زادت ولم تنخفض. وبلغ مقدار الزيادة مليار دولار تقريبا، بنسبة زيادة تصل إلى 3.8% عن العام السابق. فمن أين جاءت هذه الزيادة الضخمة في العجز التجاري؟

لقد جاء الارتفاع الحاد في العجز التجاري في السنة المالية الأخيرة نتيجة لهبوط صادرات النفط والغاز بقيمة 8.1 مليار دولار لتبلغ 5.7 مليار دولار مقابل 13.8 مليار في العام السابق بنسبة هبوط وصلت إلى 59% تقريبا. وجاء ذلك بسبب الهبوط الحاد في كمية صادرات الغاز الطبيعي، نتيجة لتدهور الإنتاج المحلي. ومع أن متوسط معدل الإنتاج اليومي من حقول الغاز كان ينبئ منذ عامين على الأقل بأن معدل نمو الاكتشافات الجديدة والإنتاج المتوقع منها يقل بكثير عن معدل نضوب الآبار المستغلة، فإن السلطات المسؤولة عن وضع وتنفيذ السياسة النفطية فضلت أن تغامر بعدم التعاقد مبكرا على كميات كافية من الإمدادات لتعويض النقص في الإنتاج.
وتمثل حالة حقل ظهر على وجه الخصوص نموذجا يكشف انعدام رشادة السياسة النفطية، من حيث الاستخدام الجائر للحقل خلال فترة زمنية قصيرة، وعدم التحوط ضد انخفاض الإنتاج بإجراء تعاقدات مستقبلية في وقت انخفاض الأسعار. الأكثر من ذلك هو أن تلك السياسة غير الرشيدة لم تضع في اعتبارها أن حاجة مصر إلى تغطية الفجوة في الإنتاج سوف تستلزم استيراد الغاز المسال، وأن تحويله إلى غاز طبيعي يحتاج إلى أكثر من محطة للإسالة. هذه الغفلة أدت لأن تستورد مصر الغاز المسال عن طريق الأردن، وتغويزه هناك في محطة التغويز في ميناء العقبة، ثم شحنه في صورة غاز طبيعي إلى مصر عبر خط الغاز العربي الذي كان يستخدم في تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى الأردن. وعندما شرعت مصر في استيراد الغاز المسال كانت الأسعار في السوق العالمية قد ارتفعت من 7.3 دولار للمليون وحدة حرارية في فبراير إلى 12.9 دولار حاليا بزيادة نسبتها تتجاوز 75%! ونضيف هنا أن دخول مصر إلى السوق مستوردا كان أحد الأسباب التي رفعت معدل الزيادة في الأسعار.
طبعا لا تزال الأسعار في السوق المحلية أقل من الأسعار العالمية. ومع اتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، فإن مصر تشتري حصة الشركات الأجنبية المنتجة بالأسعار العالمية، وهو ما يضغط بقوة على الميزانية، بزيادة مخصصات الدعم لتغطية فروق الأسعار، وعلى موارد النقد الأجنبي المتاحة بزيادة الطلب على الموارد النادرة بطبيعتها. وسوف تستمر أسعار النفط والغاز في السوق العالمية، الأعلى من مستوياتها في السوق المحلية محركا رئيسيا من محركات التضخم، لدورها في زيادة تكاليف الإنتاج وخدمات النقل والمواصلات والكهرباء وغيرها. هذا يعني أن التقلبات الحادة في أسعار النفط والغاز، وزيادتها السريعة خلال الأسبوع الماضي، من شأنها أن تجعل الحكومة أكثر حذرا في زيادة الاعتماد على ذلك القطاع لتحقيق التنمية. على العكس من ذلك من الضروري وضع خطط للتحوط ضد هذه التقلبات على المدى القصير، والعمل على تخفيض اعتماد الاقتصاد المحلي على مصادر الطاقة المستوردة.
وفي سياق البحث عن حل للعجز المزمن في الميزان التجاري، من المهم جدا رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من الطاقة المتجددة المنتجة محليا، مع التركيز على زيادة دور القطاع الخاص المحلي. ورفع نسبة الاكتفاء الذاتي للقطاع الزراعي ككل، بحيث لا تتبخر حصيلة تصدير السلع الزراعية في تمويل شراء الواردات الزراعية من البذور والشتلات إلى الأسمدة والمبيدات. وتحقيق نسبة اكتفاء ذاتي أعلى في استهلاك الغذاء. وزيادة الاستثمار في القطاعات السلعية وأهمها الصناعات التحويلية، سواء تلك المتخصصة في إنتاج سلع الاستهلاك النهائي أو المتخصصة في إنتاج مكونات الإنتاج والسلع الوسيطة مثل الصناعات الكيماوية والهندسية.

*إبراهيم نوار 

التعليقات متوقفه