خطة السلام التركية لحل النزاع الروسي – الأوكراني
قبل الخوض في خطة السلام التركية الجديدة والتي رسمتها أنقرة لكل من روسيا وأوكرانيا، يجب أن نعود إلى مفاوضات اسطنبول المباشرة التي جرت بين روسيا وأوكرانيا المدينة التركية ذات التاريخ العريق وأحد موضوعات الصراع السياسي والعسكري بين روسيا والغرب على مدى عقود. والأهم في العودة لمفاوضات اسطنبول عام 2022 عقب بدء العملية العسكرية بوقت قصير وما تم الاتفاق عليه في ذلك الوقت هو مقارنته بخطة السلام التركية الحالية، ومكامن القوة وهل تم تلافي تناقضات الاتفاق السابق أم لا وموقف كل من روسيا وأوكرانيا من خطة السلام التركية الجديدة.
كان الرئيس البيلاروسي أثناء زيارته التي قام بها مؤخراً إلى لروسيا قد طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الموافقة على اتفاق اسطنبول الذي تم التوصل إليه بين وفدين أوكراني وروسي، وبالفعل وافق الرئيس بوتين على العودة للاتفاق وما تم التوصل إليه فيه. لكن بعد ذلك جاء تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أوضح فيه ليس المقصود نفس الوثيقة التي وقعت حينها، والتي لم تأخذ في الاعتبار الواقع على الأرض، والذي لم ينص عليه اتفاق اسطنبول.
يوم 22 مارس 2022 أي بعد حوالي شهر من بدء العملية العسكرية الروسية، جرت مفاوضات مباشرة بين أوكرانيا وروسيا في مدينة اسطنبول التركية حيث تمكن الطرفان من التوصل لشروط ومبادئ أولية لوقف إطلاق النار وما يتبع ذلك من تسوية سلمية. أثناء المفاوضات المباشرة تم الاتفاق على وضع أوكرانيا الحيادي أي عدم الانضمام لحلف الناتو أو استضافة قوات أجنبية على أراضيها أو إنتاج أسلحة نووية وعدم القيام بتدريبات عسكرية دون موافقة الدول الضامنة، في المقابل طالبت أوكرانيا بضمان أمنها على غرار المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو (مع استثناء القرم وجمهوريتي دنيتسك الشعبية ولوجانسك الشعبية) على أن تكون ضامنة الاتفاق هي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (الصين وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة) ويضاف إليها كل من ألمانيا وإسرائيل وإيطاليا وكندا وبولندا وتركيا.
أثناء المفاوضات وعدت روسيا بتخفيف النشاط العسكري في اتجاهي تشيرنيجيف وكييف كبادرة حسن نوايا، وبمقتضى الاتفاق وعدت أوكرانيا بعدم حل مشكلة القرم عسكرياً على مدى 15 عاما وستقوم بالتفاوض مع روسيا حول وضع شبه الجزيرة. في نفس الوقت أكد الوفد الأوكراني رغبة بلاده في الانضمام للاتحاد الأوروبي. كان يرأس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي مساعد الرئيس بوتين، الذى أعلن أنه “لأول مرة خلال السنوات السابقة تعلن كييف أنها على استعداد للاتفاق” وأن “تنفذ كل المطالب المبدئية التي أصرت عليها روسيا طوال السنوات الماضية”، وعن الجانب الأوكراني السيد دافيد أراخاميا رئيس كتلة حزب الرئيس في البرلمان الأوكراني.
لكن هذه المفاوضات أثارت الجدل سواء في روسيا أو أوكرانيا على حد سواء، بل تعالت أصوات داخل البلدين تتهم المفاوضين بالاستسلام وخيانة مصالح البلدين. بعد التوصل لهذا الاتفاق المبدئي وفي أبريل 2022 زار رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون كييف وأثناء لقائه بالرئيس زيلينسكي أعرب له عن تخوفه من أن دول الغرب تبدو متسرعة جداً في مسألة التوصل لتسوية للنزاع وعقد اتفاق سلام بين كييف وموسكو، وفي نفس العام وفي شهر أبريل أعلن الرئيس بوتين أن أوكرانيا “تخلت” عن اتفاق اسطنبول، وبدلاً من مواصلة التفاوض تحدثت عن الاستفزاز الذي أسموه مذبحة “بوتش” (مدينة أوكرانية صغيرة بالقرب من كييف ادعت أوكرانيا أن الجنود الروس ارتكبوا مذبحة فيها).
لكن رئيس الوفد الأوكراني في المفاوضات السيد دافيد أراخاميا أكد في لقاء تليفزيوني أن مسألة رفض التفاوض مع روسيا كان نتيجة نصيحة من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، وهو نفس الأمر الذي تحدث عنه الرئيس بوتين في لقائه مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون عندما حمل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون مسئولية توقف مفاوضات السلام في اسطنبول، في إشارة إلى أن القيادة الأوكرانية مجرد لعبة في أيدي القوى الغربية.
تركيا لم تيأس وأطلقت مبادرة أو لنطلق عليها خطة لتحقيق السلام في أوكرانيا، وعشية مؤتمر السلام الذي سيعقد في سويسرا بمبادرة من الرئيس الأوكراني يومي 15 و16 يونيو القادم وستحضره مجموعة كبيرة من دول العالم ربما تكون من بينها الصين، اعتمدت خطة تركيا للسلام في الأساس على المفاوضات المباشرة التي جرت في اسطنبول عام 2022 بين طرفي النزاع روسيا وأوكرانيا، وأهم ما جاء في خطة السلام التركية النقاط الآتية:
1 ـ أن تلتزم كل من روسيا والولايات المتحدة بعدم استخدام الأسلحة النووية وتجديد اتفاق الحد من الأسلحة النووية الإستراتيجية الهجومية مع الاشتراط بعدم إمكانية الخروج من الاتفاق من جانب واحد في المستقبل (وهنا يجب التوقف عند أن السلاح النووي الذي تطالب تركيا بعدم استخدامه هو الورقة الرابحة في يد روسيا والذي ربما حتى الآن هي التي تمنع حلف الناتو من التدخل بشكل مباشر في النزاع، كما أن الحديث هنا يدور حول اتفاق بين واشنطن وموسكو وماذا عن باريس ولندن وهما دولتان نوويتان ـ الكاتب)
2 ـ منع كل دولة من التدخل في الشئون الداخلية للدولة الأخرى بأي شكل من الأشكال، بما قد يؤدي إلى عدم استقرار حكومتها.
3 ـ تجميد العمليات العسكرية بطول الجبهة في وضعها الحالي.
4 ـ التعهد بإجراء استفتاء عام في أوكرانيا عام 2040، حول نقطتين أساسيتين؛ الأولى توجهات السياسة الخارجية للدولة الأوكرانية (استفتاء عام) والثانية وتحت إشراف دولي في كل المناطق التي تحت السيطرة الروسية من الأراضي الأوكرانية في لحظة تجميد العمليات العسكرية حول البقاء في روسيا أو أوكرانيا (هذا من الممكن في حال قبول الطرفين لخطة السلام التركية قد يؤدي إلى تصعيد العمليات العسكرية، أوكرانيا تريد تقليل الأراضي التي تحت السيطرة الروسية وروسيا على العكس مما يعطيها موقفًا أقوى أثناء التفاوض أو إجراء الاستفتاء ـ الكاتب)
5 ـ ضمان بعدم انضمام أوكرانيا لأي أحلاف عسكرية حتى عام 2040 ـ المقصود هنا عدم الانضمام للناتو خلال تلك الفترة.
6 ـ تبادل الأسرى بين البلدين على أساس “الجميع مقابل الجميع”. 7 ـ ألا تعارض روسيا انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي.
هذه مقترحات تركيا لإحلال السلام في أوكرانيا، لكن هذه الأخيرة تبدو حتى الآن متمسكة بخطة أو مقترحات الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، والتي يتحدث فيها عن تحقيق الأمن للبلاد واستعادة وحدة وسلامة أراضيها من خلال إخراج القوات الروسية إلى حدود عام 1991، ومطالب أخرى تتعلق بالأمن وعدم التدخل في الشئون الداخلية. يذكر أنه في بداية العام الجاري عقد اللقاء الرابع الخاص “بصيغة السلام” على مستوى مستشاري الأمن القومي وشارك فيها ممثلو 80 دولة بما في ذلك بعض دول الجنوب، أما اللقاء القادم فإنه سيكون على مستوى رؤساء الدول وسيعقد على مدار يومين 15 ـ 16 يونيو، وبالطبع لم تدع روسيا للمؤتمر أو اللقاء وهو الأمر الذي جعل روسيا تصفه بعدم الجدية، الرئيس الأوكراني من جانبه قال إن النتائج التي سيتوصل إليها المؤتمر سوف تعرض على روسيا.
المبادرة التركية فيها بعض النقاط التي اقترحها الرئيس الإندونيسي السابق ومنها إجراء استفتاء تحت إشراف دولي في المناطق الروسية الجديدة لكنه لم يتحدث عن الفترة الزمنية التي اقترحتها المبادرة التركية بقاء تلك المناطق تحت سيطرة روسيا لمدة 16 عاماً، وكما يبدو من الخطة التركية أنها تخلت عن مسألة عدم الاعتراف بالقرم كجزء من روسيا، معنى أنها تطرح القرم في استفتاء وعلى الأرجح ستذهب لروسيا بلا شك يعني أنها من الممكن أن تتنازل عن موقفها المتصلب من هذه المسألة (عدم الاعتراف بالقرم كجزء من روسيا) حيث كان لها تأثير ثقافي واسع في القرم، لكن الجديد أن تركيا تريد أن تسلم شريكتها روسيا بمسألة انضمام أوكرانيا للناتو مع احتمال خسارتها لما يقرب من 20% من مساحتها مقابل ذلك. وهو أمر ليس جديداً حيث اقترح كيسنجر من قبل هذا الاقتراح، كما أن الرئيس ترامب في إطار إعلانه عن إنهاء النزاع تحدث عن تخلي أوكرانيا عن بعض أراضيها وترك الأمر للتفاوض.
لكن الذي لا شك وفيه وهو مشترك بين كافة المبادرات تجميد النزاع ووقف إطلاق النار لفترة تزيد في بعض المبادرات وتقل في الآخر، وهو أمر ترفضه القيادة الأوكرانية لأنه وفق التصريحات الصادرة عنها سيعطي روسيا فرصة لالتقاط الأنفاس واستعادة قوتها ومن ثم الهجوم من جديد وهذه المرة سيكون الهدف هو السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية، بينما الغرب يريد تجميد النزاع أيضاً لالتقاط الأنفاس وترميم الثغرات الاقتصادية وسد ثغرات التهرب من العقوبات وتزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة، والأهم وفق المبادرة التركية هو تجريد روسيا من ورقة الضغط الأهم التي تردع الغرب بحيث أحجم طوال فترة النزاع عن تزويد أوكرانيا بأسلحة نوعية وهي السلاح النووي ولا أتصور أن روسيا ستوافق على التعهد بعدم استخدام السلاح النووي.
التعليقات متوقفه