ماجدة موريس تكتب :ورحل طالع النخل ..والقمر

17

كان طموحه الفني بلا حدود وهو الطبيب الذي انصرف عن مهنته ليصبح كاتبا لأفكار وأعمال مختلفة، وجريئة، أخرج معظمها أيضا في أفلام ومسلسلات، إنه الفنان الكبير د.عصام الشماع الذي دخل في حالة صمت منذ سبعة أعوام بعد كتابته وإخراجه مسلسل (الكبريت الأحمر) عام٢٠١٦، وفيلم (أخلاق العبيد )عام ٢٠١٧، ليأتينا خبر رحيله أول أمس الاثنين، ويعيد تذكيرنا بما كان وبمسيرة مهمة لفنان ومثقف حقق نجاحات كبيرة بأفكار جديدة، من اللحظة التي عرف فيها الطريق إلي التعبير عنها بصريا من خلال الشاشة الصغيرة أولا بفيلم (طالع النخل) وأعمال أخرى كان التليفزيون المصري ينتجها كالسهرات الدرامية، وتمثيليات النصف ساعة، وصولا للمسلسلات ذات الحلقات المتعددة وهو ما تفاعل معه عصام الشماع في بداياته، ثم شاشة السينما التي حقق من خلالها أيضا أعمالا مهمة ورائعة بدأها بكتابة بفيلم (الأراجوز) التالي بعد طالع النخل، والذي عاد به فناننا الكبير عمر الشريف إلي عالم الفن المصري بعد رحلته مع السينما العالمية.

الألم في أحضان الفرح
لم يدرك الشاب محمد (عبد الله محمود) أن محبته للعب مع أصدقاء طفولته بالقرية، ومتعة السباحة في الترعة ستؤدي به إلى مصير صعب، قد يفقده حلمه بالزواج من حبيبة القلب، وكان محمد، خريج دبلوم الزراعة يعمل في مهنة صعبة هي تقليم أشجار النخيل، ثم حصدها بعد اكتمال نمو البلح الذي ينتظره أصحابها بفارغ الصبر، ولمحبته لهذه الحياة يرفض محمد السفر للعمل في الخليج عامين لتكوين نفسه مثل غيره من أبناء القرية، لكنه يصحو يوما علي آلام ونزيف بمعدته، وفي الوحدة الصحية يخبره الطبيب أن حالته متأخرة والبلهارسيا تمكنت منه ويحتاج لعملية لإيقاف النزيف في قصر العيني بالقاهرة، وهناك تستقبله الدكتورة أمل (فردوس عبد الحميد) التي أودعته بعنبر به أمثاله لغرض الاستفادة من حالته في أبحاث تجريها على مرضى البلهارسيا، وفي العنبر يكتشف النزيل الجديد شخصيات لم يكن يتوقعها مثل مصطفى (صلاح السعدني) مريض القلب المزمن والذي كان يعمل نقاشا ويعول شقيقته وابنه، ويستغل احتياج طلبة الطب للحالات الصعبة والنادرة ليعمل سمسارا في العنبر لكسب المال، ومعه مريض آخر هو عطا (أحمد راتب) يساعده أيضا لأجل المال، ولكن محمد يرفض هذا، ويذهب للفحص في بيت الدكتورة بدون مقابل، وهو ما استفز والدها المسن (محمد توفيق)، فغضب عليها، فشعرت بتأنيب الضمير، وقررت سرعة إجراء الجراحة لمحمد، لكن جراحي المستشفى اجمعوا أنها تأخرت، وأن شفاءه صعب برغم أن غيره من نزلاء نفس العنبر قد أجراها وشفي مثل عطا، بينما توفي مصطفي السمسار قبل إجرائها بعد اقتناعه بها، ومات محمد، الذي أثار موته إحساسًا عميقًا بالذنب لدى الدكتورة الباحثة فذهبت إلى قريته، وأخرجت شقيقه من الترعة لكي تعالجه مبكرا .
من الأراجوز إلى زمن العولمة
هل كان عصام الشماع مهموما بالعلاقة بين طرفي التراث المصري، بين الماضي والحاضر؟
الإجابة يقدمها فيلم (الأراجوز) الذي كتبه عن قصة لمخرجه هاني لاشين، والذي طرح فيه فكرة الصراع بين الماضي والحاضر من خلال الأب (عمر الشريف )الذي يعمل “أراجوزا” في إحدى القرى، والذي استطاع من خلال عمله وتواجده في كافة القرى المحيطة تعليم ابنه بهلول (هشام سليم) حتي الجامعة لكنه بعد التخرج يرفض عمل أبيه ويتمرد عليه، وليصبح الفيلم شبه مرثية لزمن وحياة وتاريخ تتخلى عنه الأجيال الجديدة، ليصل بنا كاتبنا عصام الشماع إلي صراع من نوع آخر بين أب وأبنائه أيضا في مسلسل مهم هو (رجل من زمن العولمة) الذي كتبه وأخرجه في جزأين (٢٠٠٢-٢٠٠٣) وهو ما قدمه عبر بطل المسلسل الحسيني رضوان (بأداء صلاح السعدني) الذي يعمل مدرسا وأسرته وأبناءه وأسئلتهم التي لا تنتهي عن الجديد في حياتهم، خصوصا بعد ثورة الاتصالات التي جعلتهم يتابعون معا كل ما يحدث في العالم، وكيف يصل الإنسان إلي القمر، وجعلت الأب يشعر بشدة بتأثيرها على حياته وحياة أبنائه في نفس الوقت، وأنه لا أحد ينجو من تتابعات هذه المتغيرات الكبرى التي غزت أسرته في بيتها الذي لم تتحرك منه، وهل من الممكن مواجهتها، وكيف؟ أفكار وأسئلة مهمة طرحها لكاتب قدير طرحها مبكرا، وما زالت تحتاج لإجابات.

التعليقات متوقفه