ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب :صفحة من كتاب التجمع

36

منذ إنشائه فى العاشر من إبريل عام 1976، شكل الانضام لعضوية حزب التجمع اختبارا شاقا لمن يقررون الإقدام عليه. كان الاختيار صعبا ومؤلما ومصيريا، بين أن يحافظ الفرد على مصالحه الشخصية المباشرة، ويبتعد عن وجع الدماغ الذى تسببه له السلطات المحلية بأوامر من سلطات عليا، فتحرمه، قبل أن تلفق له قضايا من عينة تشكيل تنظيم لقلب نظام الحكم يبرر اعتقاله، من الترقى الوظيفى، أو تطيح به فى موقع وظيفى ناء عن المكان الذى عاش وتربى وأثر فيه، وبين أن يقبل التضحية بها من أجل مصالح المجموع، سواء داخل الحزب أو مصالح الفئات الشعبية التى سّخر حزب التجمع أهدافه وتحركاته للدفاع عنها.

ثمانية وأربعون عاما من عمرى، ومن عمر التجمع مرت فى شهر إبريل الذى لملم أوراقه أمس، شهد خلالها التجمع انتصارات واخفاقات، وأفراحا وأحزانا وضحكات ودموعا، وإستقامات ومكائد، ولكنها كانت بالنسبة لى ولزملائى ممن رافقتهم فى تلك السنوات، التى أوشكت على اتمام نصف قرن، رحلة شاقة لم تكن تخلو من متعة المشاركة فى السير نحو أهدافنا المشتركة. وخلال تلك السنوات نجحنا فى التعايش على المستويين الشخصى والسياسى، مع اختلافاتنا فى المواقف، وافتراقنا فى الصفات الشخصية، وتعدد مستوياتنا الثقافية والمعرفية، وتقاربت خطواتنا فى اتجاه التكامل فيما بيننا فى مختلف المجالات، بما يخدم تلك الأهداف المشتركة. أدركنا جميعا طوال هذا العمر، أنه من العصى علينا أن ننعم بالراحة فى مجتمع يحفل بالشقاء والفقر والعوز، وأن العمل معا لكى يكون الوطن محلا للسعادة المشتركة بين أبنائه، هو طموحنا المشترك لتحقيق العدالة الاجتماعية التى تضمن الكرامة الحقيقية لجموع المصريين.
توصلنا معا إلى التعرف على أساليب التحايل على كل الصعوبات والآلاعيب الشيطانية التى تم وضعها لحصار أول حزب علنى لليسار فى التاريخ المصرى المعاصر، لمنعه من مواصلة دوره، وتبشيره بمبادئ الحرية والاشتراكية والوحدة. وكان من بينها حملات التشويه المتعمد التى شنها الإعلام الحكومى على الحزب وقيادته، لوصمه بأنه ضد الدين وخطر على العقيدة وعميل للاتحاد السوفيتى. وبفضل صلابة القيادة الحزبية نجونا من محاولات مستمرة لتشتيت قوانا وإفقاد الحزب قراره المستقل. ولم يكن غريبا فى الأيام الأولى لعمل التجمع أن يرفض خالد محيى الدين طلبا من رئيس مجلس الشعب المهندس سيد مرعى، بأن يصدر الحزب بيانا يهاجم الاتحاد السوفيتى بزعم تدخله فى الشأن الداخلى وأن يؤيد الرئيس السادات فى سياساته الخارجية.
وخلال عملنا المشترك داخل التجمع توصلنا بشكل عملى وقطعى، أن العمل الجماعى داخل النقابات والاتحادات الجماهيرية والأحزاب أكثر إثمارا من العمل الفردى، وهو أقصر الطرق الموصلة لتحقيق أهداف التجمع ومبادئه. وكان العمل الجماعى هو المجال الذى دأبت الحكومات المتعاقبة على تفتيته وإفشاله وتشويهه، وسعيها الذى لايتوقف للسيطرة عليه، وحتى تجريمه بالتشريعات والقرارات التنفيذية، بعدما أصبح التشجيع على مجتمع الاستهلاك بديلا رسميا لمجتمع التنمية والإنتاج .وبذلك سار التجمع منذ تأسيسه ضد التيار، تيار الفردية الذى شجعت السلطة التى خلفت الزعيم جمال عبد الناصر بقيادة الرئيس السادات على السير فيه والتبشير بمباهجه، بإعتباره موطنا للتقدم والخلاص وتحقيق الرفاهية والصعود الاجتماعى الفردى، الذى بات الثراء المادى وحده، أيا كان مصدره، عنوانا له على امتداد الخمسين عاما الماضية.
أراد الرئيس السادات لتجربة التعددية الحزبية التى يعود إليه الفضل فى إقرارها، أن تكون مجرد تجربة شكلية مسيطر عليها، يتباهى بها أمام حلفائه فى الغرب الأمريكى والأوروبى، لكن الاباء المؤسسين للتجمع بقيادة خالد محيى الدين رفضوا ذلك، وتمسكوا بالعمل على أن تكون التعددية حقيقة من حقائق النظام السياسى والدستورى فى البلاد. وفى هذا السياق انطوى مشروع البرنامج الذى تقدم به خالد محيى الدين إلى مجلس الشعب لأخذ الموافقة على قيام حزب التجمع، على تأكيد أن هدف الحزب هو الدفاع عن منجزات ثورة يوليو عن القرار السياسى المصرى المستقل ورفضه لسياسات الانفتاح الاقتصادى التى تهدد فى مقتل الإرادة السياسية المستقلة!.
وخلال تلك الرحلة لم يسلم الطريق من انتهازيين ومتسلقين ومرتزقة اتخذوا من العمل الحزبى وسيلة للتكسب والارتقاء الاجتماعى، لكنهم تساقطوا مع مرور الزمن كأوراق الخريف التالفة ويعود الفضل فى ذلك لعمل كتيبة من فرسان حزب التجمع فى أنحاء محافظات الجمهورية تمسكوا بأهدافه وبرامجه وامنوا بدوره الذى لابديل عنه، لمواصلة جهود الجيل المؤسس فى الدفاع عن مصالح الشعب ومصالح الوطن.

التعليقات متوقفه