أوروبا تنضم للحرب التجارية على الصين: تحقيقات وتضييقات على الشركات الصينية

10

يتجدد الحديث عن الحرب التجارية مع الصين هذا الأسبوع في أوروبا, بعد سنوات من بناء الترسانة الغربية المجهزة لمواجهة ناعمة مع الصين, وهي عبارة عن مجموعة من التدخلات الحمائية والقانونية للسوق الأوروبي, تتضمن استخدام بنود اتفاقية التجارة العالمية, والتحقيقات الداخلية والحظر التجاري وتقييد الأنشطة في السوق الأوروبية.

يوم الثلاثاء الماضي، انقض محققو الاتحاد الأوروبي على المكاتب الهولندية والبولندية لشركة نوكتيك, المصنع الرئيسي للماسحات الضوئية الأمنية، في مسألة تتوقف على واحدة من أطول المظالم الأوروبية مع الصين — الدعم الحكومي الكبير الذي تحصل عليه الشركات الصينية من الدولة هناك, وهو ما يعتبره الأوروبيون حائلًا للمنافسة الطبيعية بين الشركات الصينية من جانب والأوروبية من الجانب الآخر.

هجمة المحققين على الشركة “تسلط الضوء على مزيد من التدهور في بيئة الأعمال في الاتحاد الأوروبي وترسل إشارة سلبية للغاية لجميع الشركات الأجنبية,” كما عبرت بعثة الصين إلى الاتحاد الأوروبي بغضب.

توقيت هذه التحقيقات المفاجئة شديد الأهمية، حيث يأتي قبل زيارة الرئيس الصيني إلى أوروبا الشهر المقبل-وهي الأولى له منذ خمس سنوات، التي ينتقل فيها من فرنسا إلى صربيا والمجر — مما يمثل تحولا نهائيًا في الطريقة التي تستعد بها أوروبا لمعالجة مشاكلها التجارية مع الصين.

لسنوات، تحدثت بروكسل مرارًا بلهجة شديدة مع بكين، انتهت في نهاية المطاف إلى حوار غير مجد حول دعم الدولة في الصين لشركاتها في مجالات الطاقة والصلب والألمنيوم والتكنولوجيا الخضراء. كان هذا النهج الحواري بديلًا عن المواجهة المباشرة مع الصين, أو ما يسميه الإعلام بإعلان الحرب التجارية.

يبدو أن زمن الحوار الهادئ قد انتهي, مع نمو الإجماع السياسي على أن أوروبا بحاجة إلى حماية الشركات العاملة في التقنيات الأساسية. وقد تبين هذا الاتجاه منذ أكتوبر الماضي عندما أطلق الاتحاد الأوروبي تحقيقًا حول دعم الدولة الصينية للسيارات الكهربائية. تابعت بروكسل الآن التحقيقات حول توربينات الرياح ومعدات المستشفيات “لإعادة التوازن إلى الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والصين.”

“نحن نحب المنافسة العادلة. ما لا نحبه هو أن تغمر الصين السوق بالسيارات الإلكترونية المدعومة من الدولة بشكل كبير. هذا ما نحاربه. المنافسة نعم ، الإغراق لا. يجب أن يكون هذا شعارنا”. قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.

استخدام الأسلحة الجديدة

في السنوات الأخيرة, كانت المفوضية الأوروبية تجهز ترسانة من الدفاعات التجارية، لكن كان السؤال دائما ما إذا كانت بروكسل مستعدة لاستخدامها، أو ما إذا كانت في الأساس مجرد رادع.

وتشمل هذه الأدوات أداة المشتريات الدولية-التي استخدمت لأول مرة في قضية التكنولوجيا الطبية هذا الأسبوع — والتي تتطلع إلى اتخاذ إجراءات ضد الصين إذا قامت بإخراج الشركات الأوروبية من المناقصات العامة.

“لفترة طويلة، تحدثنا عن قدرة المفوضية الأوروبية ووجود هذه الأدوات. لكننا شككنا في قدرة المفوضية الأوروبية على استخدام هذه الأدوات بشكل فعال. الآن نرى أن المفوضية الأوروبية في الواقع قادرة وراغبة في استخدامها”، قالت فرانشيسكا غيريتي، كبيرة محللي الاقتصاد الجيولوجي في معهد أدارجا للأبحاث.

كما أصر جونار ويجاند، كبير الدبلوماسيين السابقين في أسيا في خدمة العمل الخارجي الأوروبي، على أن الأسلحة التجارية الجديدة كانت دائما مصممة للاستخدام، وليس فقط للاستعراض. وقال” لا ينبغي لأحد أن يفاجأ بأن الأدوات التي تم إنشاؤها في عملية طويلة جدا على مدى السنوات القليلة الماضية موجودة بفاعلية الآن في نهاية المطاف، ويجري استخدامها بالفعل”.

رسالة إلى واشنطن

هذا الموقف الأوروبي الصارم يحمل المزايا والمخاطر في نفس الوقت. فمن ناحية، فإن موقف الاتحاد الأوروبي المعادي للصين يتماشى مع موقف صقور السياسة في الولايات المتحدة، هؤلاء الذين غالبًا يشعرون بخيبة أمل من نهج أوروبا الهادئ تجاه الصين. لكنه يعني أيضًا أن أوروبا بحاجة إلى الاستعداد لهجوم مضاد من ناحية بكين وفترة عاصفة من الصراع التجاري.

من المؤكد أن الولايات المتحدة تراقب خطة الاتحاد الأوروبي الجديدة عن كثب. مباشرة بعد إعلان هذا الأسبوع عن تحقيق حول قطاع الأجهزة الطبية، قالت المبعوث التجاري الأمريكي “كاثرين تاي” إنها تتابع “باهتمام” ، مشددة على التعاون الوثيق بين الجانبين في ” تحديد واستكشاف طرق لمعالجة السياسات والممارسات غير السوقية التي تستخدمها الصين في مجموعة من القطاعات، بما في ذلك الأجهزة الطبية.”

التحقيقات حول الدعم ليست العلامة الوحيدة على عزم بروكسل المتشدد على التعامل مع بكين بشكل أكثر وضوحًا ومباشرة. هناك أيضًا ضغوط متزايدة داخل الاتحاد الأوروبي لمراقبة ومراجعة مشاريع الاستثمار الضخمة في البنية التحتية للحزام والطرق في الصين-حيث توسع بكين نطاق قدراتها الإستراتيجية من خلال المساعدة في بناء الموانئ والطرق لربط أسيا بالأسواق الأوروبية.

واعتبرت محاولات أوروبا المبكرة لمنافسة الحزام والطريق محاولات فاشلة عمليًا, لكن تؤكد صحيفة بوليتكيو الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي سيركز الآن بجدية أكبر على بناء موطئ قدم في مجالات للتعدين والطاقة في أفريقيا وآسيا الوسطى.

في قطاع الملابس، تستعد بروكسل أيضًا للتعامل مع التأثيرات السوقية التي يشكلها التطبيق الصيني “شين”, المُصمم لبيع الملابس على الإنترنت, والذي حقق نجاحًا مدويًا في أوروبا قاطبة, وقد ورد الحديث في الإعلام الأوروبي عن بعض التضييقات المرتقبة على هذا التطبيق في أوروبا.

جاهزون للرد

كيف سيكون رد بكين هو السؤال الأهم. في مواجهات مختلفة، أثبتت الصين أنها خبيرة في التلاعب بدول الاتحاد الأوروبي ضد بعضها البعض, أو ما يسمى بسياسة فرق تسد. فتقوم بالتهديدات التي تستحث المنافسة على المشتريات الصينية من قبل الدول الأوروبية.

باستخدام هذه الأنواع من التكتيكات، أجبرت الصين المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي “كاريل دي جوشت” على التراجع عن هجومه عام 2013 ضد الاتصالات وصناعة الطاقة الشمسية في بكين.

في الآونة الأخيرة، لعبت الصين بورقة “الأتربة النادرة”، التي تصدرها الصين لأوروبا, وتحتاجها الأخيرة في صناعاتها احتياجا بالغا, واتخذت الصين إجراءات ضد توريد الغاليوم والجرمانيوم إلى أوروبا، وهما مادتان تستخدمان في صناعة الرقائق الألكترونية, بعد أن ضغطت الولايات المتحدة على هولندا لمنع بعض مبيعات معدات صناعة الرقائق المتقدمة إلى الصين.

بعد فترة وجيزة من إطلاق فون دير لاين تحقيقها البارز حول السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين، ضربت بكين صادرات الخمور في أوروبا، في خطوة بدت مصممة بشكل خاص لمبيعات الكونياك الفرنسي. وذلك لأن باريس كانت المؤيد الرئيسي للتحقيق في قضية السيارات الكهربائية.

ولكن على الرغم من تلك التهديدات بالانتقام، فإن فون دير لاين ليس لديها مساحة لتجنب هذه الخطوة، خاصة أنها تناضل من أجل الفوز بولاية ثانية كرئيس للمفوضية — وهي خطوة تتطلب دعمًا من فرنسا، المدافع الرئيسي عن حماية الصناعة الأوروبية من الصين.

وللحرب الروسية الأوكرانية كثير من التأثير بهذا الصدد, فالاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي شكل الكثير من المتاعب عندما نشب الخلاف مع روسيا.

“في الماضي، ارتكبنا خطأ الاعتماد على النفط والغاز الروسي. يجب ألا نكرر هذا الخطأ مع الصين، اعتمادا على أموالها وموادها الخام وتقنياتها” ، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أمام جمهور في برلين يوم الخميس.

كانت ألمانيا حذرة من المواجهة مع بكين، على سبيل المثال، فألمانيا تصنع السيارات هناك, وأصبحت تعتمد على السوق الاستهلاكية الضخمة في الصين.

هذا الحماس لدى قادة المنظمات الاقتصادية الأوروبية تجاه المواجهة مع الصين له الكثير من الأبعاد السياسية, منها بالتأكيد مجاراة تحمس واشنطن لمزيد من التدخل الأوروبي في المواجهة مع الصين, واشنطن تمارس ضغوطا مستمرة على الأوروبيين بهذا الصدد, لكن ظل العديد من السياسيين والاقتصاديين واعين بخطورة مثل هذا الصراع المفتوح مع العملاق الاقتصادي الصيني. ولا تزال الأصوات الواعية تؤثر في القرار الأوروبي نحو عدم الانجراف لهذه الحرب التي يدفعها الحماس الأمريكي.

وعندما سئل أندرس أهنليد، رئيس مجلس التجارة الوطني السويدي عن الانتشار المتزايد لدعوات استخدام القدرات الحمائية للاتحاد الأوروبي في مواجهة الصين قال: “يجب على المفوضية الأوروبية أن تفعل كل شيء لتجنب حرب تجارية شاملة مع الصين”. وأضاف” نحن بحاجة إلى التصرف بناء على الأدلة”.

 

 

التعليقات متوقفه