د.إبراهيم نوار يكتب:لماذا لا نمول الدعم من حصيلة ضرائب سلع الجدول؟

38

في قضايا كثيرة يجري عمدا الخلط بين الحق والباطل، كما هو الحال في قضية الدعم. وقد دأبت وزارة المالية منذ سنوات طويلة على تضخيم أرقام الدعم بإضافة نفقات واجبة ذات طابع اجتماعي، مثل مستحقات صناديق المعاشات، ونفقات لا علاقة لها بدعم غير القادرين، مثل التعويضات والحوافز المقدمة للمصدرين، لغرض زيادة الصادرات وهو ما يطلق عليه خطأ في الموازنة “دعم المصدرين”. وحتى نضع دعم الفقراء وغير القادرين في مكانه الصحيح على خريطة الإنفاق العام للدولة، من الضروري أولا وقبل كل شيء ضبط “تعريف الدعم”، وذلك بتبويب ما يخص زيادة القدرة على استهلاك الحاجات الضرورية لمن هم تحت خط الفقر القومي، مثل دعم السلع التموينية والأدوية والطاقة ومياه الشرب وغيرها من المدفوعات العينية أو النقدية التي يحصل عليها الفقراء وغير القادرين بلا مقابل.

4  شروط لضبط التعريف

يستلزم ضبط تعريف الدعم أربعة شروط، الأول: هو استخدام بيانات حقيقية مدققة، والثاني: هو الاعتماد على معايير موضوعية دولية متفق عليها في تبويب الإنفاق على الدعم، والثالث: هو إتباع طريقة تحليل سليمة علميا للعلاقة بين الدخل واحتياجات الدعم لتوفير الحد الأدنى الكافي ضد الفقر بمعناه النقدي والاجتماعي، إضافة إلى شرط الشفافية وهو الشرط الرابع. بهذا تكون لدينا بيانات واضحة عن خريطة الدعم، كم يتكلف؟ ومن يستفيد منه؟ وكيف يمكن حماية منظومة الدعم من الفساد؟ وما هي السياسات والأدوات التي تساعد على تخفيف أعبائه على الاقتصاد؟

ومن الضروري ثانيا تمويل الدعم بموارد مالية وعينية حقيقية دائنة، وليس بموارد مدينة مثل التمويل بالسحب على المكشوف من البنك المركزي، أو بالقروض والتسهيلات الائتمانية المحلية والخارجية. وإذا افترضنا أن الرقم الوارد بخصوص دعم السلع التموينية، الذي يبلغ 134 مليار جنيه في موازنة عام 24/25 سيتم توفيره عن طريق الاقتراض المحلي والخارجي، فإن هذا يشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد، و يؤدي عمليا إلى زيادة معدل التضخم، وزيادة أعباء خدمة الديون، وهو ما يؤثر سلبا على التنمية وإتاحة وظائف جديدة وتعزيز قوة النمو. ومن ثم فإن تمويل الدعم بموارد مدينة يزيد المشكلة تعقيدا ويؤدي إلى تكريس الاحتياج لزيادة الدعم عاما بعد آخر، لأن الآثار السلبية لذلك تعني تخفيض معدل النمو، وزيادة الفقر والبطالة، واتساع نطاق انعدام المساواة الاجتماعية بين طبقات المجتمع المختلفة.

التمويل بالاقتراض يرفع التكلفة

ومن الملاحظ أن الحكومة توسعت في اللجوء إلى تمويل استيراد السلع التموينية باستخدام تسهيلات مالية قصيرة الأجل، من المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة، التي تقدم هذه التسهيلات لمدة 12 شهرا بنظام “المرابحة”، وهو نظام  يمكن أن يصل فيه سعر الفائدة السنوي إلى ما يقرب من 10% يتم تحميلها على قيمة الدعم. كما يتم استخدام تلك التسهيلات أيضا في تمويل منظومة استيراد الوقود لصالح الهيئة العامة للبترول.

ومن الممكن تغيير نظام التمويل، بالاعتماد على أحد مصادر الدخل الحقيقي للموازنة العامة للدولة، وتخصيص إيراداته سنويا لتمويل احتياجات توفير الدعم، سواء كان نقدا أو عينا. وفي هذا المقال فإننا نقترح مصدرا من مصادر الإيرادات الضريبية الإضافية على السلع، ألا وهو بند إيرادات الضريبة على السلع جدول (1) المحلية والمستوردة. التي هي في جملتها ضريبة إضافية جائرة على سلع وخدمات أساسية للفقراء، مثل السكر والزيت والمكرونة والمنظفات والمقرمشات والشيبسي والتبغ وغيرها. وتقدر الحكومة حصيلة إيرادات الضريبة على سلع وخدمات الجدول المحلية فقط للسنة المالية الجديدة بحوالي 175 مليار جنيه. هذا المبلغ يغطي ويزيد عن احتياجات تمويل دعم السلع التموينية البالغ 134 مليار جنيه.

وفي هذه الحالة يمكن أن ينشأ صندوق لموازنة أسعار السلع الأساسية، يتم تمويله بحصيلة إيرادات ضريبة سلع الجدول رقم (1) لتمويل دعم السلع التموينية واستخدام الفائض، عند اللزوم، في شراء سلع أساسية في مواسم انخفاض أسعارها في السوق المحلي أو الخارجي. كذلك يمكن أيضا للصندوق إجراء تعاقدات مبكرة قبل الموسم، مع الفلاحين لشراء محصول القمح ومحاصيل أخرى مثل البنجر وقصب السكر والذرة، وفقا لصيغة أسعار تعاقدية مجزية، تشجع الفلاحين على توريد المحصول. هذا المصدر التمويلي المقترح لا يقتطع حصيلة إيرادات الموازنة العامة من ضريبة القيمة المضافة، ولا الضرائب الأخرى العامة على السلع، ولا ضرائب الدخل، ولا ضرائب الجمارك، ولا الدمغات، ولا رسوم تنمية الموارد، ولا غيرها من أنواع الضرائب والرسوم التي تقوم الدولة بتحصيلها. وبذلك تصبح حصيلة الضريبة على سلع الجدول رقم (1) المحلية والمستوردة هي المصدر الثابت الدائم لتمويل دعم السلع التموينية. ومع زيادة إيرادات حصيلة هذه الضريبة من عام لآخر، فإن موارد صندوق موازنة أسعار السلع التموينية سترتفع، بما يسمح بزيادة الدعم، دون دخول الحكومة في جدل ومناوشات بشأن التكلفة.

كذلك فإن زيادة هذه الموارد يسمح للقائمين على وضع السياسة المالية بمرونة أكبر في تقرير سياسة الدعم الملائمة وتقدير مخصصات الدعم بلا ضغوط من هنا أو هناك. كما يمكن أيضا إجراء مفاضلة بين الدعم النقدي والدعم العيني بالنسبة لسلع أو بنود معينة، بما يأخذ في الاعتبار المعايير المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تحقق العائد الأمثل للمستهلك المستفيد.

زيادة الإنتاج وتخفيض أعداد الفقراء

وفي هذا السياق فإن السياسة الاقتصادية يجب أن تتبنى نهجا دقيقيا لتخفيض أعداد الفقراء وغير القادرين، وهي الوسيلة الأمثل لتخفيض عدد المحتاجين للدعم. كما يجب العمل على زيادة الإنتاج المحلي من السلع التموينية الأساسية، وتوسيع نظام الزراعة التعاقدية للمحاصيل الغذائية، بحيث يتضمن حوافز حقيقية للمزارعين، وترتيبات تسويقية وتخزينية ولوجستية أفضل، لتحقيق أعلى كفاءة ممكنة في المنظومة بأكملها.

وبافتراض بقاء المعطيات على حالها، فإن أحد شروط كفاءة نظام الدعم كما هو عليه الآن، أن يزيد سنويا بمعدل زيادة التضخم، وأن يتسع سنويا ليضم كل المواليد الجدد للفقراء وغير القادرين. ويستحق توفير الاحتياجات الأساسية للأطفال عناية بالغة، سواء قبل وصول الطفل إلى سن الدراسة أو بعد الإلتحاق بالمدارس. ومن الضروري أن يكون هناك نظام واضح لدعم تغذية الأطفال. وإذا كان جزء من هذا الدعم يتم تنظيمه في إطار منظومة “التغذية المدرسية” فإن هذه المنظومة أصبحت في حاجة شديدة إلى المراجعة والإصلاح، لكثرة ما يشوبها من فساد. أما بالنسبة لدعم تغذية الأطفال الذين لم يبلغوا سن الالتحاق بالمدارس، فإن هذه معضلة تحتاج إلى حل سليم، لضمان المحافظة على المستوى الضروري من الصحة البدنية والنفسية للأطفال تحت سن الالتحاق بالمدارس.

وفي هذا السياق فإننا نحذر من الانتقال بمنظومة دعم السلع التموينية خصوصا الخبز من نظام الدعم العيني إلى نظام الدعم النقدي. لأننا في هذه الحالة سنضع النقود في جيب رب الأسرة، الذي قد ينفق نقود الدعم على أوجه إنفاق غير رشيدة، مما يسفر عن حرمان أفراد الأسرة كلها من الدعم. وفي كل الأحوال، فإنه في الحالات التي يتم فيها الاستقرار على أن الدعم النقدي أكثر كفاءة لمصلحة الأسر المستفيدة، فإن شروط التحول من العيني إلى النقدي يجب أن تتضمن تمويل الدعم بموارد حقيقية غير مدينة، وزيادة الدعم النقدي سنويا بما يعادل معدل التضخم على الأقل وأعباء تكلفة المعيشة.

التعليقات متوقفه