ضد التيار..أمينة النقاش تكتب : فى محبة رفقة الطريق المشترك

111

شكل الانضمام إلى عضوية حزب التجمع منذ تأسيسه، اختيارا شاقا لمن يقدمون عليه. فالتجمع  حزب يسارى معارض، يرأسه “خالد محيى الدين” أحد قادة ثورة يوليو، ويشارك فى تأسيسه وفى قيادته اثنان من الضباط الأحرار وهما “لطفى واكد” و”كمال رفعت”, وعدد من قادة الحركة اليسارية، وقيادات منظمة الشباب والتنظيم الطليعى، الذى تم تشكيله سرًا داخل الاتحاد الإشتراكى، ووصفه أحد قادة الحزب الدكتور “إبراهيم سعد الدين” بأنه تنظيم علنى للحكومة، وسرى على الجماهير.

وكانت تشكيلة التجمع فى قياداته العليا والوسطى، تعنى أنه سيغدو حزبا صداميا مع سياسات الرئيس “السادات” التى كانت الاحتجاجات الطلابية والشعبية قد تصاعدت ضدها. وقد وضع ذلك  من ينضمون إليه بين اختيارين كلاهما مؤلم، إذ كان على العضو أن يفاضل بين أن يحافظ على مصالحه الشخصية المباشرة، ويبتعد عن وجع الدماغ الذى تسببه له السلطات المحلية بأوامر من سلطات عليا، فتحرمه من الترقى الوظيفى، أو تنقله من مكان عمله إلى موقع آخر فى مدينة نائية، ليصبح مغتربا، قبل أن تلفق له قضايا من عينة تشكيل تنظيم لقلب نظام الحكم تبرر اعتقاله وحتى فصله من العمل، وبين أن يقبل التضحية بالاستقرار الوظيفى بالإنضمام لحزب معارض، يعبر عن رؤاه وأفكاره للدفاع عن مصالح الجموع من أبناء الوطن الذى أحبه، وسالت دماء أجداده وأبنائه للدفاع عن حريته واستقلاله وأمنه وتقدمه، وتعهد بالدفاع  عن مصالح الجماهير، ومواصلة الدعوة للحفاظ على المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى حققتها للشعب المصرى ثورة 23 يوليو، وبدا واضحا أن السياسات القائمة تطيح بها واحدا تلو الآخر.

ولعله من المفيد هنا استدعاء التاريخ المعاصر. ففى مؤتمر المبعوثين، الذى تم عقده فى  الإسكندرية فى أغسطس عام 1966 سُئل الرئيس عبد الناصر عن أسباب تشكيل تنظيم سياسى سرى داخل الاتحاد الأشتراكى. وكان السؤال بطبيعة الحال عن التنظيم الطليعى الذى شكله ناصر عام 1963 فأجاب: إن الهدف هو منع الانتهازيين من اختراق صفوفه، وغلق المجال أمام القوى الرجعية للإساءة وتشويه أعضائه. وهو هدف لم يتحقق لانعدام الخبرة التنظيمية والسياسية لبعض من تولوا مسئولية تشكيله ثم قيادته، ولافتقاد كثيرين منهم للإيمان بالمبادئ الإشتراكية التى أرسى عبد الناصر قواعدها فى ميثاق العمل الوطنى، التى يفترض أن يتولى أول تنظيم سرى لثورة عبد الناصر، تنفيذها وتحويلها إلى واقع عملى.

فى الجزء الثانى من كتابه عن ثورة يوليو ينقل “أحمد حمروش”، شهادة عضو مجلس قيادة الثورة وأحد قادتها الأقوياء ومن أخلص المقربين من عبدالناصر، حتى بعد تركه السلطة، ورحيل ناصرعام 1970″ زكريا محيى الدين” (1918-2012) وكان  يشغل آنذاك موقع رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وهى شهادة قد تفسر أسباب فشل التنظيم السرى فى أداء مهمته. وفى شهادته يذكر “زكريا محيى الدين” أنه بحكم موقعه فى الجهاز كان يرفع تقارير إلى عبد الناصر مثيرة للقلق ومستوجبة للحذر والحيطة والمساءلة، لكنها بعد تحويلها إلى رئيس الوزراء وقتئذ “على صبرى”، والمدير السابق لمكتب عبد الناصر، تصبح بلا أى صدى، لأن صبرى كان  ببساطة يحولها بدوره إلى الجهة المسئولة عن الانحراف. ومن الطبيعى – والكلام من عندى- أن تحمى  تلك الجهات نفسها من المحاسبة، وتختفى التقارير من الوجود ضمانا لذلك.

وكان على صبرى قد تولى بعد صدور تلك التقارير من أكبر جهاز رقابى فى مصر، موقع الأمين العام للاتحاد الإشتراكى، وعضو اللجنة  المشكلة لقيادة التنظيم الطليعى، وتولى أمانته مع وزير الداخلية “شعراوى جمعة”!

وتمنح تجربة  التنظيم الطليعى دورسًا لمن يريد أن يتعلم ويتعظ . فقد فشل التنظيم وهو فى سدة الحكم، لأنه افتقد للنزاهة والاستقامة والإخلاص للمبدأ، فضلا عن غيبة الخبرات التنظيمية والسياسية عن إدارته.  ومع اقترابنا من العيد الخمسين لحزب التجمع، علينا ألا  ننسى مسيرة انطوت على  انتصارات واخفاقات، وأفراح وأحزان وضحكات ودموع، وإستقامات ومكائد، ولكنها كانت بالنسبة لى ولزملاء الطريق ممن رافقتهم فى تلك الرحلة، رحلة شاقة وممتعة. وخلال تلك السنوات نجحنا فى التعايش على المستويين الشخصى والسياسى، مع اختلافاتنا فى المواقف وافتراقنا فى الصفات الشخصية، وتعدد مستوياتنا الثقافية والمعرفية، وتقاربت خطواتنا فى  اتجاه التكامل فيما بيننا فى مختلف المجالات، بما يخدم تلك الأهداف المشتركة. أدركنا جميعا طوال هذا العمر أنه من العصى  علينا أن ننعم بالراحة فى مجتمع يحفل بالشقاء والفقر والعوز، وأن العمل معا لكى يكون الوطن محلا للسعادة المشتركة بين أبنائه، كما كان يحلم رفاعة الطهطاوى، هو طموحنا المشترك لتحقيق العدالة الاجتماعية التى تضمن الكرامة الحقيقية لجموع المصريين.

توصلنا  بشكل عملى إلى أن العمل الجماعى داخل النقابات والاتحادات الجماهيرية والأحزاب أكثر إثمارا من العمل الفردى، و هو أقصر الطرق الموصلة لتحقيق أهداف التجمع ومبادئه. بعدما أصبح التشجيع على مجتمع الاستهلاك بديلا رسميا لمجتمع التنمية والانتاج، وأصبحت الواسطة بديلا للكفاءة. وخلال أشهر تمر فى نهر التجمع خمسين عاما، تتغير الظروف والأحداث داخل الوطن وخارجه، ويظل التجمع واقفا فى نفس الخندق، دفاعا عن مصالح الشعب والوطن، بفضل تماسك عضويته القابضة بحق على الجمر لتبقى راية التجمع خفاقة فى سماء الحالمين بالحرية والتقدم والعدل الاجتماعى .

التعليقات متوقفه

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

Privacy & Cookies Policy