تصريح وزير الخارجية الروسى أعاد القضية إلى المربع الأول..أيهما الأول: الاعتراف الياباني بالسيادة الروسية أم اتفاق السلام؟

297

بقلم د.نبيل رشوان        

من جديد تطفو مشكلة جزر الكوريل على السطح بعد تصريحات متعلقة بهذه الجزر للرئيس الروسى فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجى لافروف، فقد أشار الوزير الروسى إلى أنه على اليابان بأن تعترف أولاً بالسيادة الروسية على الجزء الجنوبى من جزر الكوريل لكى يتم توقيع اتفاق سلام بين البلدين، كان لافروف يرد على تصريحات للسكرتير العام لمجلس الوزراء اليابانى يسيخندى سوجى. وكان سوجى قد صرح بأنه لكى يتم عقد اتفاق سلام مع روسيا يجب فى البداية حل المشاكل الحدودية بين البلدين فى إشارة إلى حل مشكلة جزر الكوريل.

أشار لافروف كذلك إلى أنه يسترشد بالاتفاق الذى تم بين قيادتى البلدين والذى تم الاتفاق عليه بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى، حيث اتفقا على مناقشة قضية الكوريل على أساس إعلان عام 1956، حيث تنص هذه الوثيقة على أن تعترف البلدان بوحدة وسلامة أراضي الدولة الأخرى وسيادة روسيا على كافة أراضيها، بما فى ذلك جزر الكوريل، معترفة بذلك بنتائج الحرب العالمية الثانية. تجدر الإشارة إلى أن مشكلة الكوريل مازالت عالقة بين البلدين منذ 70 عاماً، خاصة وأن البلدين لم توقعا على اتفاقية سلام تنهى حالة الحرب بينهما حتى الآن، مابين البلدين حتى الآن هو مجرد هدنة.

وكان الرئيس الروسى قد أعلن فى وقت سابق أنه بالرغم من مطالب اليابان بحقوق على جزر الكوريل، إلا أن بلاده سوف تستمر فى تنفيذ برنامج تنمية هذه المناطق (جزر الكوريل)، وأعرب الرئيس بوتين عن رغبته فى عقد اتفاق سلام مع اليابان، إلا أنه أشار إلى أن ما يعقد الأمر فى هذا الاتجاه هو التعاون العسكرى اليابانى ـ الأمريكى.

الجدل الحدودى الروسى ـ اليابانى مستمر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث تحاول اليابان إثبات أحقيتها فى بعض الأراضى وهى جزر الكوريل والتى تحمل أسماء إيتوروب وكوناشير وشيكوتان بالإضافة إلى أرخبيل صغير يطلق عليه خابوماى. لا يعترف الجانب الروسى بالجدل مع اليابان حول هذه الجزر الأربع، وهو ما يعتبر عائقا رئيسا لتسوية وإقامة علاقات طبيعية بين اليابان وروسيا، فلم يوقع اتفاق سلام بينهما بعد الحرب العالمية الثانية، وكل ما بينهما هو مجرد هدنة، بالإضافة إلى أن الجانب اليابانى لا يترك أى فرصة أو لقاء مع الجانب الروسى وفى أى مناسبة إلا ويثير قضية الأرض التى يعتقد أنها يابانية، ويؤكد على ضرورة استعادتها قبل توقيع أى اتفاق سلام، وهو ما يحدث فى الوقت الحالى بالفعل.

وإذا عدنا تاريخياً للخلف قليلاً، سنجد أن هذه الجزر تأرجحتا بين البلدين مثل كرة المضرب فهى تارة تابعة لروسيا وأخرى لليابان، فعلى سبيل المثال تم الاعتراف بهذه الأراضى روسية منذ حوالى 230 عاما، وقبل ظهور الجدل الروسى ـ اليابانى حول هذه الجزر، كان يسكنها قبائل الإين (الإين والكوريليين) أى لا الروس ولا اليابانيين، وكما يقول التاريخ اليابانى تعتبر هذه القبائل هى المالكة الأصلية للجزر التى توجد عليها الدولة اليابانية حالياً. من يعيش فوق جزر الكوريل حالياً، كما تقول الموسوعات عام 2018، يعيش فوق الجزر حوالى 20,5 ألف نسمة، يمثل الروس 80% منهم، كما توجد قوميات أخرة مثل روسيا البيضاء والأوكرانيين وبعض التتار والبشكيريين. أول ذكر لهذه الجزر كجزء من روسيا جاء فى تقرير بعثة جغرافية عن طريق القازاق نيخوروشكو إيفان عام 1646، وفى عام 1786 أصدرت الإمبراطورة الروسية حينها إيكاتيرينا الثانية مرسوماً يقضى بالاحتفاظ بحقوق روسيا على هذه الأراضى التى أطلقت عليها “الأرض المكتشفة بواسطة البحارة الروس”، منذ ذلك الوقت لم تثر أى دولة أى جدل حول سيادة روسيا على هذه الجزر.

التغيرات التى حدثت على الحدود جاءت فى فبراير عام 1855، بعد توقيع روسيا واليابان ما عرف حينها بتفسير سيمودسكى، الذى حصلت بمقتضاه اليابان على جزر إيتوروب وكوناشير وشيكوتان وخابوماى. استمر هذا الوضع إلى عام 1875، وحتى توقيع اتفاق، عندما أعطت روسيا بمقتضاه اليابان على كافة جزر الكوريل، وحصلت فى المقابل الجزء الجنوبى من سخالين. حدث تغير فى هذا الوضع عام 1905، عندما حصلت اليابان على الجزء الجنوبى من سخالين نتيجة حرب بين اليابان وروسيا، حصلت اليابان بمتضى اتفاق بورتسمود، على جنوب سخالين مرة أخرى. ثم فى عام 1925، فى ذلك الوقت كان الاتحاد السوفيتى قد ظهر للوجود، تم توقيع اتفاق جديد مع اليابان، اعتراف فيه بحدود 1905، لكن الاتحاد السوفيتى لم يعترف “بمسئوليته السياسية” عن الوثيقة السابقة، أى اتفاق 1905 الموقع نتيجة الحرب.

بعد الحرب العالمية الثانية وكنتيجة لها، وقعت كل من بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى على اتفاقية فى يالطا عام 1945، بمقتضى هذه الاتفاقية أن الاتحاد السوفيتى يجب أن يدخل الحرب ضد اليابان قبل ثلاثة أشهر من الانتصار على المانيا النازية، فى المقابل يتم إعادة جزر الكوريل والجزء الجنوبى من سخالين إليه (الاتحاد السوفيتى)، نتيجة الحرب استسلمت اليابان، وفى عام 1946، وقع القائد الأعلى لقوات الحلفاء الجنرال دوجلاس ماكاتور على وثيقة الاستسلام مع اليابانيين، على أساس هذه الوثيقة تم إعطاء السوفيت خابوماى وشيكوتان وجنوب سخالين. مرت ستة أعوام وفى عام 1951 وفى سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، جرى توقيع اتفاق سلام بين اليابان من ناحية ودول الحلفاء، حينها تنازلت اليابان عن الأراضى التى حصلت عليها كنتيجة للحرب مع روسيا عام 1905، واتفاق بورتسمود فى نفس العام.

تلى ذلك ما حدث عام 1956، حيث أعلنت اليابات والاتحاد السوفيتى من خلال وثيقة وقعت بين البلدين تنص على وقف الحرب بينهما وإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء، هذه الوثيقة تسمى حتى الآن “الوثيقة الخاصة بالكوريل”، بمقتضى هذه الوثيقة وافق الاتحاد السوفيتى على إعطاء اليابان كل من شيوتان وخابوماى، بعد توقيع اتفاق سلام بين البلدين، بعد ذلك رفضت اليابان توقيع هذا الاتفاق، تحت تهديد أمريكى، فقد هددت واشنطن حينها اليابان بعدم إعادة أرخبيل ريكوكيو إلى اليابان الذى تسيطر عليه الولايات المتحدة، إذا تخلت اليابان عن حقوقها فى بقية جزر الكوريل وهى كوناشير وإتوروب، وأصبح الأمر معلقاً بين البلدين منذ ذلك الوقت.

منذ ذلك الوقت أثير موضوع جزر الكوريل عدة مرات، بل زادت اليابان من مطالبها، وأضافت لمطالبها الخاصة بالكوريل سلسلة جزر جديدة، وأعلنت عن أحقيتها فى كل الجزر بمنطقة الكوريل، غير أن كل المباحثات المتعلقة بجزر الكوريل انتهت بالنسبة لليابان بلا نتيجة. غير أن اعتراف ميخائيل جورباتشوف عام 1991 بوجود هذه المشكلة أحيا آمال اليابان من جديد، وأظهرت اليابان نشاطا كبيرا فى اتجاه استعادة الجزر. وفى عام 1993 حققت اليابان نجاحاً كبيراً، وكان ذلك نتيجة أنه عندما وقعت روسيا وثيقة طوكيو، اعترفت روسيا كوريثة للاتحاد السوفيتى بأنه توجد مشكلة حدودية مع اليابان، وأن الجانبين سيسعيان لحلها.

وقبل تصريحات وزير الخارجية الروسى، كان هناك عام 2018، عودة يابانية للجدل حول جزر الكوريل، وحينها ثار الحديث، بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى عن قيام الطرفين بالعمل بنشاط لتوقيع اتفاق سلام، وأنه سيوقع على أساس شروط جيدة لليابانيين، حينها أعلن اليابانيون عن عودة جزء مما يعرف بالكوريل الصغيرة، حينها اعتبرت روسيا هذا الأمر على أنه محاولة للتصعيد من جانب اليابان ومحاولة لفرض الشروط على الجانب الروسى.

تمثل الجزر جزءا هاما فى الاستراتيجية الدفاعية لروسيا للدفاع عن حدودها الشرقية، خاصة مع وجود قواعد أمريكية فى اليابان، وتخشى روسيا حتى لو منحت جزءا من الجزر لليابان أن تتحول إلى قواعد أمريكية تهدد أمنها القومى، ومن ثم ربما كانت الشروط التعجيزية التى تحدث عنها وزير الخارجية الروسى والتى يطالب فيها باعتراف اليابان بسيادة روسيا على جزر الكوريل، قبل أى تفاوض حولها وهو الأمر الذى ترفضه اليابان جملة وتفصيلاً. وربما تكون تصريحات لافروف هى للرد على سكرتير عام الحكومة اليابانية فقط، أو لإحياء عملية تفاوض من جديد، خاصة أن الرئيس بوتين كان قد صرح من قبل أنه على استعداد للتفاوض على أساس وثيقة 1956، وهو ما يمنح اليابان السيادة على جزيرتين، ومن ثم توقيع اتفاق سلام، وهو ما ترفضه روسيا لأنها تخشى استمرار اليابان فى المطالبة ببقية الجزر، وهو ما يتوقعه المراقبون.

من هذا المنطلق تريد روسيا توقيع اتفاق سلام، وهو يعنى اعتراف اليابان بنتائج الحرب العالمية الثانية بما فى ذلك تبعية الجزر لروسيا، لماذا التفاوض إذاً؟! كما أن روسيا فى حال تركها للجزر تريد الحصول على مكاسب عسكرية مثل تصفية القواعد العسكرية الأمريكية فى اليابان حتى ولو جزئياً.

فى الوقت الحالى هناك تخفيف من جانب روسيا قد يسمح لليابانيين بزيارة الجزر دون تأشيرة، كما تستمر روسيا حالياً فى القيام بعمليات تنمية للجزر، بما يجعل المواطنين يشعرون بتواجد الدولة الروسية، ويتمسكون بالإنتماء لبلدهم روسيا، بما يعطى موسكو ورقة ضغط وغلبه فى أى مفاوضات قادمة، ترغب روسيا كذلك فى ضخ استثمارات يابانية ضخمة مقابل أن تتخلى عن جزء من الجزر، وهو أمر مستعدة اليابان له لكنها تريد أن ترى نتيجة واقعية على الأرض.

التعليقات متوقفه