الطفل بين نيران الرؤية والحضانة!..مقترحات تعديل قانون الأحوال الشخصية.. تثير الجدل

*عزة سليمان: القانون الحالى لا ينظر لمصلحة الطفل..*هدى بدران: تعديل ترتيب من لهم حق الحضانة..*هدى زكريا: أطفال الطلاق يعانون من الصراعات والعنف

1٬287

تحقيق:نجوى ابراهيم

تجدد الحديث عن مقترحات بتعديلات على قانون الأحوال الشخصية لما يتناسب مع التغييرات التى طرأت على المجتمع، والذى يضمن تحقيق العدل والمساواة لكل أفراد الأسرة والحفاظ على حقوقهم, ومن أبرز التعديلات المطروحة استضافة الصغير باعتبارها حقا أصيلا للأب وأسرته، وسن الحضانة وترتيب الاب فى الحضانة.. وهو الامر الذى تسبب فى حالة من الفزع تنتاب أغلب الامهات الحاضنات و المطلقات بمجرد سماع كلمة استضافة.. فتلك الكلمة تذكرهن بأن الحرب بينهن وبين الرجال لا تزال مستمرة, وانها السلاح الجديد الذى سوف يستخدمه الرجال لمساومتهن على بقية القضايا التى ينظرها القضاء كالنفقة.

من ناحية اخرى تعالت اصوات الآف الرجال الذين يطالبون بحقهم فى حضانة ابنائهم وضرورة اعادة النظر فى قانون الرؤية الذى لا يجيز لهم سوى رؤية اطفالهم ثلاث ساعات اسبوعيا..

وكشف اعضاء حملة “تمرد ضد قانون الاسرة “عن وجود نحو 10 ملايين طفل يتربون بعيدا عن الأب وأهله، بعد أن تم سلب ولاية الأب على تربية الطفل.ولذلك طالبت الحملة بتغيير قانون الرؤية واستبداله بالاصطحاب (الاستضافة) ومعايشة الابن للأب يومين أسبوعياً، واقتسام الأعياد والإجازات السنوية بين الأم والأب، وتعديل سن الحضانة ليصبح سبع سنوات للولد وتسعا للبنت وهذا ما كان معمولا به من قبل.

مفهوم الحضانة والرؤية

ومن جانبه اوضح د.”محمد الشحات الجندى” استاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الاسلامية , انه يقصد بالحضانة الاهتمام بالطفل ورعايته فى الفترة الاولى من حياته, والاصل أن الأم هى الأحق بحضانة الطفل من غيرها, وتابع د.”الجندى”: أن الحضانة تكون عادة للنساء خاصة فى فترة الصغر, فاذا كبر بحيث يستغنى عن خدمة النساء جاز تخييره بين والدته ووالده , ويقترح ضرورة تقديم الاب بجعل حقه بحضانة الصغير بعد الأم.

اما بالنسبة لسن الحضانة فاشار الى أن آراء الفقهاء تميل إلى أن الطفل الصغير قبل سن التمييز يكون مع أمه، لأنه فى هذه الفترة أكثر احتياجا لها من حيث الحنان والعطف، والفقهاء ذهبوا إلى ان يبلغ الصغير سن التمييز، والتى يحدد لها تقريبا ما بين السابعة والعاشرة، والمسألة هنا اجتهادية وليس فيها نص .

واضاف، ان مجمع البحوث الاسلامية رأى انه من الافضل بقاء سن الحضانة كما هو حاليا بالنسبة للأنثى حتى سن الزواج، والذكر حتى 15 سنة يخير بعدها حرصا على مصلحة الطفل, بدلا من تعديل سن الحضانة.

ويرى د.”الجندى” ضرورة تعديل مادة الرؤية فى القانون الحالى التى تقصر حق الأب غير الحاضن أن يرى طفله ثلاث ساعات فقط أسبوعيا، مؤكدا أن هذه المدة غير كافية لرعايته وتربيته، ولا تعطى للأجداد من الأب حق الرؤية إلا عند عدم وجود الأب، وهو ما يشكل ثغرة ونقيصة فى هذه المادة، والحل الشرعى أو الفقهى الذى قال به بعض الفقهاء، هو الاصطحاب، وهو حق للأب وليس منة ولا تفضلا من الأم، وهو ما يدل عليه قوله تعالى: (لا تضار والدة بولدها، ولا مولود له بولده). ومن ثم فإن الاصطحاب يتم بتشريع من مجلس النواب بأن يصطحب الأب الطفل يومى الخميس والجمعة أسبوعيا، وفى أيام العطلات الرسمية، وينبغى أن يحاط هذا التشريع ببعض الضوابط والضمانات حتى لا تحرم الأم من طفلها بسبب تصرفات بعض الآباء الذين قد يستغلون ذلك للهرب بالطفل.

وقال د.”الجندى” إن دار الإفتاء المصرية، اكدت فى فتوى رسمية صادرة برقم 2071 لسنة 2008، أنه يجوز أن يحكم القاضى للطرف غير الحاضن، باستضافة أبنائه يوماً كل أسبوع، ومدة مناسبة فى الإجازة المدرسية فى نهاية ومنتصف العام وفى الأعياد والمناسبات، حسبما يراه محققاً للمصلحة والعدل فى ذلك، وأن يتم استضافة الطفل مع المحافظة على حق الحاضنة فى شعورها بالأمن على محضونها من جهة، وحق الأب من جهة فى التربية.

مصلحة الطفل

وفيما يخص سن الحضانة، الذى يتحول فى بعض الاحيان الى سيف يشهر فى وجه الطرف غير الحاضن لأبناء الطلاق قالت “عزة سليمان ” رئيس مجلس امناء مؤسسة قضايا المراة المصرية، إن القانون الحالى لم ينظر أبداً إلى مصلحة الطفل، بل جعله سلاحاً فى يد الأب للانتقام من الأم، وسلاحاً فى يد المرأة تعاقب به طليقها فى مواد أخرى متعلقة بالرؤية.. وفى موضوع الحضانة، لم يراعِ القانون أبداً مصلحة الطفل، بل ركز على ضرورة أن تتفرّغ الأم المطلّقة لتربية أبنائها، وكأن حياتها انتهت بالطلاق والعيش فقط من أجل أبنائها، لذا كان من الأفضل أن يجعل القانون مسألة الحضانة نسبية، فتنظر المحكمة فى كل قضية بصورة منفردة مشيرة الى ضرورة البقاء على سن الحضانة 15 سنة لكلٍ من الولد والبنت، وإجراء تعديلات تضمن الا يمنع زواج الأم الحاضنة من حضانة صغارها اذا كان ذلك فى مصلحة الطفل, واعادة النظر فى ترتيب الأب من حضانة الصغير ليكون ترتيبه الثانى أو الرابع بعد ام الام, وام الاب, وفيما يخص التعديلات المطلوب ادخالها على مادة الرؤية فهى النص على حق غير الحاضن فى استضافة المحضون خلال العطلات الطويلة والقصيرة مع توفير كل الضمانات لعدم استبقاء المحضون فى يد الحاضن بعد انتهاء تلك المدة، والنص على حق الاجداد والاعمام والعمات والاخوال والخالات رؤية الصغير ولو مع وجود الوالدين وبمراعاة مصلحته الفضلى.

الرعاية المشتركة

وترى المحامية “تغريد شمس الدين ” ضرورة ان يتم التعديل من منظور انسانى واجتماعى يساعد على خلق طفل سوى صحى لان هذه الفترة من اهم مراحل النمو , ولها تأثير خاص اساسى فى بناء الشخصية .

وتؤكد، اهمية تعزيز مبدأ الرعاية المشتركة للطفل فى حال حدوث الطلاق مشيرة الى ان المشكلة الاساسية فى قضايا الحضانة والرؤية التى نرصدها خلال عملنا هى انعدام الثقة بين الطرفين “الاب والام”الكل يتهم الاخر ويخشى منه على الطفل , ولذلك لابد من وجود هيئة تضم رجال دين واخصائيين تقوم بتهيئة الازواج المنفصلين لكى يهتموا بمصلحة الطفل اولا ,ويعطوا له حق ه فى الرعاية بعيدا عن الخلافات والمشاحنات حتى لا يتحول هؤلاء الاطفال رجال المستقبل الى قنابل موقوتة.

وتطالب، بالا يسمح التعديل الجديد بسفر الطفل الصادر بحقه حكم استضافة خارج البلاد الا بعد موافقة الطرف الحاضن لمنع سفر احد الوالدين بالطفل دون علم الاخر

 قانون عادل

ومن جانبها قالت د.”هدى بدران”رئيس اتحاد نساء مصر، إننا نحتاج الى قانون عادل للاسرة , لافتة الى أن الاتحاد تقدم بمسودة لتعديل قانون الاحول الشخصية تراعى المصلحة الفضلى للطفل لانه هو الضحية بعد انفصال الاب والام , وأرسلنا المسودة لوزارة العدل والمجلس القومى للمراة , ونأمل أن يتم تبنى المقترحات بها لان الاتحاد قام بعمل جلسات حوار مع الخبراء والمحامين ونائبات البرلمان اللائى تقدمن بمشروعات قوانين , وايضا الاباء والامهات وابناء الطلاق , واتفقنا على صورة نهائية تحقق مصلحة الطفل.

واوضحت “بدران” أن أهم النقاط التى نسعى لتعديلها فى قانون الاحوال الشخصية تتمثل فى: تعديل ترتيب من لهم الحق فى حضانة الصغير ليكون الأب فى الترتيب التالى مباشرة للأم , وألا يكون زواج الأم سببا لإسقاط حضانتها للأولاد مالم يثبت أن ذلك يضر بالمحضون, وألا يمنح حق الرؤية أو الاستضافة للأب الذى سبق امتناعه عن دفع نفقات الصغير ومصروفاته الدراسية, وفى حالة تحديد احد النوادى الرياضية كمكان للرؤية، يشترط أن يكون الحاضن عضوا فيه.

أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تتجاوز 1500 جنيه أى شخص لم يسلم الصغير إلى من له الحق فى طلبه، وكذلك إذا خطف أحد الوالدين أو الجدين بنفسه أو بواسطة غيره؛ ولو كان ذلك بغير تحايل أو اكراه.

ضحايا الطلاق

ومن منظور اجتماعى تؤكد د.”هدى زكريا” استاذ علم الاجتماع بجامعة الزقايق، أنه بعد فشل الحياه الزوجية ووقوع الطلاق وذهاب كل طرف”الزوج والزوجة” فى طريقه ينسى كل طرف منهما الضحية الحقيقية للطلاق وهم الاطفال الذين لا يتوقف عذابهم عند نقطة الانفصال فحسب بل يسهم قانون الحضانة والرؤية فى استمرار هذا العذاب .. لافتة الى أن الاب والام يعتقد كل منهما أن الطفل ملكية خاصة يتنافس الطرفان على انتزاعها دون النظر لمصلحة هذا الطفل ,وفى مسألة ترتيب الحضانة اشارت الى انه نتيجة تقسيم الادوار الاجتماعية بالمجتمع المصرى فالام هى المسئولة عن التربية والرعاية أما الاب فوظيفته الانفاق,ولذلك نجد أن القانون استبعد دور الاب التربوى .

واوضحت، أن كثيرا من الامهات يستعملن حق الرؤية لمساومة الطرف الاخر وذلك ضد مصلحة الصغير , لافتة الى ان ابناء الطلاق مطالبون باظهار التحيز لاحد الوالدين والتعبير عن ما يكنه كل طرف للآخر, حيث اعتادت الاطراف الحاضنة ان تراقب الكيفية التى يعبر بها الاطفال عن مشاعرهم تجاه الطرف المحروم من رؤية الاطفال لتعاقبهم ان اظهروا اللهفة او التعلق الطبيعيين.

واضافت، ان هؤلاء الاطفال معرضون للانحراف لانهم يفتقدون فى اغلب الاحيان اركان البيئة الاسرية الطبيعية التى تشعرهم انهم محبوبون ومرغوب فيهم فيتراكم عندهم الشعور بالنبذ والطرد الاجتماعى , وتابعت: كما تنتشر بينهم الامراض النفسية مثل اللجلجة والتلعثم فى الكلام والتبول اللاارادى والسرقة المرضية والتى تتحول الى سرقة جنائية فيما بعد والعنف والعصبية او الانسحابية والخجل المرضى واحلام اليقظة, كما تنشأ امراض مهمة يصعب علاجها فى الكبر ان لم تتدارك فى الصغر منها: تشوه الذات لدى الاطفال مع اضطراب الهوية وعدم القدرة على تحديد الجنس والدور نتيجة التوحد مع النمط الانثوى من جانب الذكور, كاستمرار التوحد بدور الام التى يلتصق بها الطفل الذكر فى حالة افتقاد دور الاب بعد الطلاق .. والعكس صحيح.

وشددت د.”هدى زكريا” على اهمية توعية الاسرالمصرية بان الابناء ليس ملكية خاصة تفعل بهم ما نشاء, ولكن الطفل ملك لنفسه وللمجتمع , وايذاء الطفل فى الصغر يترتب عليه فاتورة مرعبة يدفعها المجتمع, فأطفال الطلاق يعانون من الصراعات والعنف التربوى والاهمال المبالغ فيه, وهذا يؤدى الى إفراز جيل من اطفال الطلاق يسيطر عليهم السلوك العدوانى .

واكدت، اننا نحتاج الى تعديل القوانين ولكن مع الاخذ فى الاعتبار مصلحة الطفل ويتم اخذ اراء علماء النفس والاجتماع والتربية .

اما د.”سلوى عبد الباقى” استاذ علم النفس – جامعة حلوان فاوضحت ان ابناء الطلاق معرضون لتشوه نفسى نتيجة الضغوط التى يعانون منها وهم لا يزالون اصغر من أن يستوعبوا أو يقوموا, مشيرة الى أن الاطفال فى عمر 9-12 سنة يحتاجون الى التوحد النفسى مع صورة الاب, واذا كانت هذه الصورة ليست ناصعة فهنا فرصة التشوه , والبنت ايضا فى نفس السن تفتقد الى الاب لانها تعيش المرحلة الاوديبية التى تنجذب فيها البنت الى ابيها فاذا غاب الاب فهى عرضة الى تشوه بنائها النفسى.

واضافت، فى دراستها عن “التكلفة النفسية للطلاق فى مصر” أن هذا التشوه يؤدى الى نتائج كثيرة تتوقف على الظروف التى يتعرض لها الطفل , وستكون ثمرة هذه التشوهات باهظا فى المستقبل, فقد تنتج هذه التشوهات منحرفين ومجرمين, يصبون عدوانهم على المجتمع الذى حرمهم من طفولتهم , وظهور العنف والعدوان هو نتيجة طبيعية للضغوط التى تحيط بالطفل والحرمان الذى يعانيه سواء الحرمان المادى او العاطفى.

التعليقات متوقفه