محمود الدسوقي يكتب :دعوة لحوار مجتمعي حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية

44

تمثل القوانين الأساسية أو ما يطلق عليها (المكملة للدستور) أحد مصادر القاعدة الدستورية، ولذلك تحظى بأهمية بالغة عن باقي القوانين الأخرى، سواء فيما يتعلق بشروط إقرارها وطريقة التصويت عليها داخل المجالس النيابية، أو طرق إعدادها والتداول حول نصوصها، التي لولا الحاجة لتعديلها لتواكب المتغيرات الناتجة عن تطور المجتمع، لتم وضعها في النص الدستوري ذاته .

وقد سار على هذا النهج الدستور المصري في مادته 121، والتي فرقت بين القوانين العادية التي تصدر بالأغلبية المطلقة للحاضرين من مجلس النواب، وبين القوانين المكملة للدستور والتي لا تصدر إلا بموافقة ثلثي أعضاء المجلس .

كما أكدت المادة 249 من الدستور على إضفاء الأهمية والخصوصية للقوانين المكملة، حينما حددت اختصاصات مجلس الشيوخ ونصت على أخذ رأيه في مشروعات القوانين والقوانين المكملة للدستور، والتي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وتأتي أهمية التفرقة من خلال النص بين القوانين العادية والمكملة للدستور لكون الأخيرة متعلقة بموضوعات مكملة للنظام الدستوري في الدولة، وتنظم حقوقاً وردت في الدستور بشكل صريح .

وبرغم هذه الخصوصية التي اتبعها المشرع الدستوري فيما يتعلق بالقوانين المكملة، إلا أنه قد وضع قيداً آخر لضمان عدم تقييد أي من الحقوق اللصيقة بالشخص، ونص في المادة 92 من الدستور على عدم جواز تقييد ممارسة الحقوق والحريات بما يمس أصلها وجوهرها من خلال القوانين .

وتأتي أهمية قانون الإجراءات الجنائية باعتباره من القوانين المكملة، حيث يتناول تنظيم ممارسة الأشخاص لبعض الحقوق والحريات اللصيقة بهم والواردة في الدستور والتي لا يجوز تقييدها، ومنها: الحرية الشخصية والأمان الشخصي، التنقل والسفر، سلامة الجسد وحق الدفاع وحقوق المتهم أثناء التحقيق والمحاكمة، وحرمة الحياة الخاصة والمنازل، وكثير من الحقوق الأخرى والحريات العامة التي يُعد الاعتداء عليها جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية فيها بالتقادم وفقاً لنص المادة 99 من الدستور .

وإذا كان تصدي مجلس النواب منفرداً لبحث وإعداد وإقرار مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية برغم كونه من القوانين المكملة للدستور، هو إجراء صحيح حُكماً، ولا يمثل خرقاً لأي نصوص دستورية أو قانونية، إلا أن ذلك يعبر عن اقتصار رؤية المجلس لسلطاته باعتباره يؤدي دورا وظيفيا، وينفي عنه الدور الشامل للمؤسسة التشريعية باعتبارها أحد السلطات الرئيسية في النظام الدستوري، والتي تمتلك العديد من الآليات شديدة الخصوصية والكفاءة ومنها إحالة مشروع القانون لمجلس الشيوخ وعمل جلسات استماع، لتحديد فلسفة واحدة وشاملة لكل نصوص مشروع القانون ومدى علاقتها بالفلسفة العقابية المطبقة من خلال قانون العقوبات الحالي، وتحديد الأهداف التي يجب تحقيقها من التشريع الجديد، ومعرفة الكُلفة الإقتصادية التي تترتب على تطبيقه، وكل هذا لن يتحقق إلا من خلال دراسات الأثر التشريعي، وهي الآلية التي يمتلكها مجلسا النواب والشيوخ وفقاً للوائحهم الداخلية .

كما أن موافقة الحكومة على مشروع القانون دون عرضه على اللجنة العليا للإصلاح التشريعي بمجلس الوزراء لبحثه ودراسته ومعرفة رؤية اللجنة حول مدى تطابق نصوص المشروع مع الدستور ومع أهدف الإصلاح التشريعي من عدمه، يُهدر فرصة لم تتحقق منذ صدور قانون الإجراءات الجنائية قبل أربعة وسبعين عاماً، خاصة أن ” اللجنة العليا ” وفقاً للقرار الجمهوري المنشيء لها تختص ” ببحث ودراسة ومراجعة مشروعات القوانين الرئيسية والمكملة للدستور ” ، وللجنة في سبيل تحقيق أهدافها أن تشكل لجانا فرعية تتولى إجراء حوار مجتمعي بشأن مشروعات القوانين والقرارات، وتعد هذه اللجان مشروعاً نهائياً متضمناً نتائج الحوار، وتقييم الأثر التشريعي للمشروع المقترح، وهو ما نحن في أمس الحاجة إليه مع قانون يمثل الضامن الرئيسي لتحقيق العدالة الجنائية .

وإذا كان تبني الحكومة لمسودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي أعدته اللجنة الخاصة بمجلس النواب، ومعه أداء لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالمجلس، قد عبرا عن التسرع غير المبرر في الانتهاء من إقرار مشروع القانون، فإن البيان الأخير لمجلس النواب قد يفتح الباب أمام إمكانية استكمال الحوار لتحقيق التوافق الوطني حول المشروع، من خلال الحوار المجتمعي حول مسودته، وعرضه على أمانة الحوار الوطني، أملاً في الوصول لما تم نقله على لسان المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب من تطلعه وثقته بأن يكون مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد هو بمثابة دستور ثانٍ للحريات في مصر، وهذا ما نتطلع إليه .

*محمود الدسوقى

التعليقات متوقفه