د. جودة عبدالخالق يكتب:أكتوبر في ذاكرة الأجيال الصاعدة

205

لقطات
أكتوبر في ذاكرة الأجيال الصاعدة
جودة عبد الخالق
الذاكرة بوصلة الانسان. والانسان هو بانى الأوطان. ومن هنا فإن موضوع ذاكرة الأمة يجب أن يكون شغلنا الشاغل. أقول ذلك وأنا ألاحظ أن ذاكرة الأجيال الصاعدة، تتعرض للكثير من “عوامل التعرية” بمفعول عوامل شتى. على سبيل المثال، إسأل أي طفل الآن عن الفريق عبد المنعم رياض. الأرجح أنه لن يعرف، او ربما يقول لك أنه الميدان الذى يقع تحت كوبرى 6 اكتوبر خلف المتحف المصرى! ثم اسأله عن ترتيب الفِرَق وأسماء اللاعبين فى دورى كرة القدم فى بلاد مثل انجلترا أو أسبانيا. سيجيبك على الفور. هناك إذن مشكلة فى ذاكرة الأجيال الجديدة بالفعل. وهذا يهدد أمننا القومى. ومن قبيل النقش في ذاكرة الأجيال الصاعدة، أطرح السؤال الآتى: هل تعلمون أن شهر أكتوبر هذا العام حافل بالعديد من المناسبات المهمة؟ حسنا. إن كنتم لا تعرفون، فإليكم هذه التواريخ: 6 أكتوبر، 14 أكتوبر، 19 أكتوبر، 21 أكتوبر، و 24 أكتوبر. نعم، إنها خمس مناسبات عظيمة تحل ذكراها هذا الشهر. ففى أسبوعه الأول هلت علينا الذكرى 48 لحرب أكتوبر المجيدة. وفى أسبوعه الأخير حلت ذكرى نجاح شعب السويس في صد الهجوم الإسرائيلى على مدينتهم الباسلة يوم 24 أكتوبر 1973 (الذى أصبح عيد محافظة السويس). وبين هذه وتلك، هلت مناسبات عدة. أولاها ذكرى معركة المنصورة الجوية، في 14 أكتوبر1973 (الذى أصبح عيد القوات الجوية المصرية). وثانيتها ذكرى المولد النبوى يوم الثلاثاء الثانى عشر من ربيع الأول عام 1443 للهجرة، الموافق 19 أكتوبر. وثالثتها ذكرى قيام لنش الصواريخ “أسيوط” بتفجير وإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات داخل المياه الإقليمية المصرية على بعد 11 ميلا بحريا شمال شرق بورسعيد يوم 21 أكتوبر1967 (الذى أصبح عيد القوات البحرية المصرية). إذن في هذا الشهر تتعانق بشكل مدهش خمس مناسبات وطنية ودينية خالدة.

وقد كتبت من قبل عن تجربتى الشخصية فى كندا يوم 6 أكتوبر 1973، وعن معركة المنصورة الجوية. وسأكتب اليوم عن ملحمة السويس، عندما تعانقت السمسمية مع البندقية. كنا وقتها في كندا، في المراحل الأخيرة لإنجاز متطلبات درجة الدكتوراه. تصادف أننا (زوجتى كريمة كريم وأنا) ذهبنا لقضاء الأيام الأخيرة من إجازة الصيف في خيمتنا بإحدى الغابات في شمال شرقى كندا. وقرب الغروب جاء في المذياع (الراديو) نبأ عاجل مفاده أن جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في طريقها إلى السويس لتتسلم مفتاح المدينة من محافظها. كان لهذا الخبر المرَوِّع وقع الصاعقة علينا. وساد صمت رهيب، مُحَمَّل بأصوات القنابل ورائحة البارود. وكأننا نشارك بالفعل في معركة السويس من مسافة آلاف الأميال. ليلتها جافانا النوم، وظللنا نقلب مؤشر المذياع بين المحطات نتابع التطورات. وفجأة جاء النبأ العظيم: لقد ردت المقاومة الشعبية المصرية قوات جيش الدفاع الاسرائيلى المهاجِمَة على أعقابها. وحولت حلم جولدا مائير بدخول مدينة السويس الى سراب. بعدها كان بوسعنا أن نخلد إلى النوم العميق.

ومن المناسبات العامة الى الهم الشخصى. ففي هذ الشهر، يكون قد مرت أربعة شهور منذ خضوعى لجراحة في ركبتى اليمنى لتصحيح خطأ في تغيير مفصلها منذ عام. ورغم أننى خضعت في أواخر عام 2019 لجراحة حساسة فى فقرات العنق وفقرات الظهر فى جلسة واحدة، سبقتها جراحة أخرى على الفقرات القطنية عام 2012. وبالمناسبة، فإن سلوكى المندفع أحيانا هو المسئول مباشرة عن تدهور حالة الركبتين وحالة العمود الفقرى. لكن الجراحة الأخيرة نتج عنها اصابتى بأنيميا حادة. وكنت أتصور أن الأنيميا مجرد ضعف وهزال سرعان ما تزول بمفعول الدواء المقرر وبالتغذية المناسبة. ولكنى اكتشفت أنها حالة شديدة الخطورة، يكاد يعجز فيها الشخص عن الحركة تماما. وبلغ من وطأتها أننى في أحد الأيام نطقت الشهادتين، ظنًا منى أن هذه هي النهاية. وبعد أن تعافيت، رُحْت أتأمل بِأَسىً شديد إعلان منظمة الصحة العالمية أن حوالى ربع سكان العالم يعانون من الأنيميا، وأن النسبة عندنا في مصر أعلى بكثير.

*حكمة اليوم: (لأمير الشعراء أحمد شوقى، بمناسبة مولد النبى)..وُلِدَ الهدى فالكائنات ضياء … وفَمُ الزمان تَبَسُّمٌ و سناء

 

التعليقات متوقفه