قصة قصيرة ..وقائع اختفاء وظهور ميكروباص الساحل ورفع علم فوكلاند على أرض مصر..اشرف الصباغ

يسر جريدة الأهالي أن تقدم لقرائها صفحة إبداعات تواكب الحركة الأدبية المعاصرة في مصر و العالم العربي و الترجمات العالمية ..وترحب بأعمال المبدعين و المفكرين لإثراء المشهد الأدبي و الانفتاح على تجاربهم الابداعية..يشرف على الصفحة الكاتبة و الشاعرة/ أمل جمال . تستقبل الجريدة الأعمال الابداعية على الايميل التالي: Ahalylitrature@Gmail.Com

222

قصة قصير

وقائع اختفاء وظهور ميكروباص الساحل ورفع علم فوكلاند على أرض مصر

أشرف الصباغ

حسم عيد ابن خالتي النقاش بتهويشة من ذراعه كادت تطيح بحوض السمك الذي اشتراه مؤخرا بدلا من هواية صيد السمك التي لم تعد تفيده أو تشغله عن التفكير في عبثية هذا العالم، على اعتبار أنه سيد العاقلين والمنطقيين في وسط هذا العالم المجنون. كانت هذه التهويشة الصارمة والغاضبة، من واقع معرفتي بابن خالتي طوال عشرات السنين التي نعيشها معا، تفيد بأنه مصمم على أن هناك علاقة بين حادثة اختفاء سيارة الميكروباص على كوبري الساحل وبين تصرفات المشير عبد الحكيم عامر في أيامه الأخيرة قبل الاختفاء.

كان عيد حادا وحانقا، ولولا فارق السن البسيط بيننا لأطلق لسانه السليط بما لذ وطاب من توصيفات. لكنه اكتفى بأن أشاح بوجهه غاضبا وهو يلوِّح بذراعه ناهيا الحوار الذي استمر لأكثر من ساعة وهو يريد أن يقنعني بأن السر كله في مثلث برمودا. وأنه قرأ أن الأحداث مرتبطة ارتباطا عضويا، نظرا لتقدم العلوم وتطور العقل البشري الذي أصبح بإمكانه أن يربط بين الأشياء التي لم يكن يستطيع أحد أن يربط بينها في الأزمنة السابقة.

كان الأمر قد اتسع لدرجة أن وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية والفضائيات ومحطات التلفزيون الأرضية وسائقي سيارات التاكسي وركاب المواصلات العامة ورواد المقاهي يتحدثون حول ما سمعوه أو رأوه من تفاصيل تتعلق بحادثة اختفاء سيارة ميكروباص بها حوالي خمسة عشر راكبا إضافة إلى السائق حطمت سور كوبري الساحل وقفزت إلى مياه نهر النيل، واختفت تماما في لحظة واحدة. كانت هناك سيارات على الكوبري، وكان هناك مشاة فوق الكوبري، وكان هناك أشخاص غامضون بنظارات سوداء يقرأون الصحف تحت الكوبري، وكان هناك صيادون بطول الجزء الممتد تحت الكوبري، وكان هناك أطفال شوارع تحت الكوبري، وكانت هناك كائنات غريبة بثياب أكثر غرابة وكأنها تعاطت مخدرات العالم كله تنام تحت الكوبري. لكن لا أحد رأى بالضبط سيارة الميكروباص وهي تقفز من فوق الكوبري، ولا أحد رآها وهي تسقط في مياه نهر النيل، ولا أحد يمكنه أن يحدد لونها أو عدد ركابها. وعلى الرغم من ذلك كانوا كلهم متأكدين من أنها سيارة ميكروباص بها خمسة عشر راكبا إضافة إلى السائق. بل وواثقون تماما بما تردده وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وقنوات التلفزيون الفضائية والأرضية والناس في الشوارع والعمال في المصانع والفلاحون في الغيطان والجزارون في المجازر والسلخانات واللحامون في ورش السمكرة والحطابون في الغابات وعلى قمم الجبال، بأن السيارة حطمت سور الكوبري في البداية، ثم قفزت وطارت وحلقت حتى وصلت إلى المياه واختفت في لحظة واحدة من دون حتى أن تصدر تلك البقاليل التي تصدرها عادة الأشياء التي تغرق في المياه أو الأشخاص الذين يجري تنشيط ذاكرتهم في أقسام الشرطة والسجون وأماكن التوقيف السرية.

كانت وسائل الإعلام مزدحمة بشكل عجيب بالروايات التي تتردد طول الوقت على لسان شهود العيان الذين سمعوا من أشخاص يثقون فيهم، أو رأوا صورا على الفيسبووك وتويتر تؤكد ما يقولونه. بينما كانت الهيئات والأجهزة الأمنية تحاول طمأنة المواطنين بأن هناك عشرة أوناش ضخمة وخمس رافعات هائلة الضخامة تبحث جميعها في أعمق أعماق نهر النيل لانتشال السيارة الميكروباص التي كانت تقل خمسة عشر راكبا إضافة إلى السائق. في حين تصدر بيانات رسمية من وزارة الداخلية بأن كاميرات المراقبة لم ترصد أي سيارة ميكروباص، لكن كاميرا واحدة فقط استطاعت أن ترصد جسما أبيض اللون كان يسير على الكوبري ثم اختفى.

نفى قائد سيارة ملاكي وقوع أي حادث بالأساس، مستندا إلى مشاهدته لحظة اصطدام مركبة “توك توك” بالسور الحديدي في الواحدة من صباح اليوم الذي سبق الإعلان عن الحادث. أي قبل الإبلاغ عن الحادث بنحو 13 ساعة. وخرج شخص ثان برواية قريبة من الرواية السابقة أشار فيها إلى وقوع حادث تصادم بين دراجتين قبل يومين من الإبلاغ عن الحادث ما نتج عنها إصابة شخصين. وأفادت رواية ثالثة جاءت على لسان ربة منزل قالت إنها مرت بموقع الحادث في السابعة صباحا وكان هناك زجاج سيارة محطم ومنثور على الكوبري وجزء من الدعامة الجانبية قد انهار وسقط.

وعلى الرغم من اختلاف هذه الروايات الثلاث، فقد أجمع أصحابها على أمر واحد وهو سقوط جزء من السور الحديدي أعلى كوبري الساحل، وأن هذا السقوط ليس وليد يوم الحادث، بل يعود إلى ساعات وربما أيام سبقت الحادث الذي لا يعرف عنه أحد أي شيء ولم يره أحد ولم يبلغ أي أحد عن أشخاص أو ميكروباصات مفقودين.

أما الرواية الرابعة التي جاءت على لسان الصيادين المتواجدين أسفل الكوبري مباشرة ودوما وباستمرار، فقد أكدت أنهم لم يروا أي شيء قد سقط. بينما قال أحد عمال حديقة مطلة على الكوبري أن لا شيء قد سقط من أعلى الكوبري إطلاقا.

وكانت الرواية الخامسة أو السابعة أو التاسعة هي رواية عيد ابن خالتي والتي تتضمن عدة روايات متداخلة. فهو يرى أن لمثلث برمودا دخل، وأن الأمر يشبه اختفاء المشير عبد الحكيم عامر. ويرى في الوقت نفسه أن المسألة قد يكون لها علاقة بالأمن القومي وبأجهزة أمنية سرية وعمليات لا يمكن أن يفهمها الشعب. وفي النهاية، يهز رأسه في حكمة مؤكدا في شك أنه من الممكن ألا يكون هناك أي ميكروباص ولا ركاب ولا سقوط، وأن الأمر فعلا مرتبط بأمور مهمة وخطيرة تتعلق بأمن الوطن والمواطن، ولا يمكن للدولة أن تطلع الناس على الأسرار الدقيقة لعملياتها حتى لا تتسرب المعلومات إلى الأعداء والمتآمرين والمتربصين.

وفي تطور ملفت، ذكرت مواقع تابعة للأجهزة الأمنية والمخابرات من جهة، ولضاربي الودع والمبرشمين من جهة أخر، أن تفاصيل جديدة ظهرت في “حادث سقوط سيارة ميكروباص تقل خمسة عشر راكبا بالإضافة إلى السائق من أعلى كوبري الساحل، حيث قالت إن فريق بحث من ضباط مديرية أمن الجيزة توصل إلى كاميرا مراقبة رصدت تفاصيل سقوط جسم أبيض يشتبه في كونه طبقا طائرا أو ما يشبه سفينة الفضاء الصغيرة في الأفلام الأمريكية أو جسم شفاف على شكل إنسان له عيون جاحظة يحمل بعض الركاب من أعلى كوبري الساحل، إلى مياه نهر النيل التي زغردت بمجرد رؤيتها تحليق الجسم وهو يرفرف مقبلا نحوها عن قناعة ويقين وبمحض إرادته من دون أن يدفعه أحد أو يجبره على التحليق والسقوط.

واستبعدت الأجهزة الأمنية وقارئو الفنجان وضاربو الطبل والودع والمشعوذون والهبِّيدة وأبناء “أحمس المصري” أن يكون للجسم علاقة بالمسبار الإماراتي، نظرا لأن المسبار موجود الآن على أرض المريخ لإجراء أبحاث خطيرة لاكتشاف الأوكسيجين. ورجحت هذه الجهات أن يكون الجسم الأبيض إما تابع لوكالة “ناسا” أو لهيئة النقل العام المصرية فرع الأميرية والسواح.

نفضتُ رأسي من عيد ابن خالتي الذي خرج غاضبا وحانقا، وتذكرتُ أننا في نهاية ستينيات القرن العشرين، ربما بعد النكسة بعامين أو ثلاثة تقريبا، استيقظنا في باكوس على ضجة هائلة في الراديوهات، ما لبثت أن انتقلت إلى جميع الحوارات في الشوارع والحارات والميادين والمواصلات العامة والمصالح الحكومية وعلى الكورنيش وفي سيارات التاكسي وعبر الهواتف بأن شارع جمال عبد الناصر شهد حادثتين غامضتين للغاية. الأولى، انشقاق الأرض أمام أحد المطاعم أثناء مرور عريس وعروسة وحشد من أقاربهما، واختفاء العريس والعروس وبعض المعازيم. والحادثة الثانية أن الأرض انشقت أمام مسرح سيد درويش وابتلعت تاكسي كان ينتظر زبونا، وأتوبيس نقل عام كان يمر بالصدفة من هذا المكان.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فبحلول ساعات العصر وعودة الموظفين من أماكن عملهم، وارتفاع وتيرة الحركة في الإسكندرية، علمنا أيضا من بعض الجيران الذين سمعوا حديثا يدور بين شخصين في محطة الرمل بأن الأرض انشقت أمام إحدى دور السينما وابتلعت مجموعة شباب كانوا قد اشتروا تذاكر للتو، وبعد قليل حدثت هزة خفيفة لم يشعر بها أحد وانشقت الأرض وابتلعت فتاتين كانتا تسيران بالقرب من ميدان سعد زغلول باشا.

في هذه الأيام كنا في الإسكندرية لا نسمع من مطربينا المحبوبين إلا عفاف راضي وأم كلثوم وجمال عبد الناصر، خاصة وأن الأخير كان يعوضنا دوما عن غياب المشير عبد الحكيم عامر الذي أكد بعض جيراننا أنهم سمعوا بعض الأجانب في جليم يتحدثون عن أنه كان البطل الوحيد لحرب 67، بينما أكد آخرون أنهم سمعوا أثناء جلوسهم على جبل الرمل في أبو قير أنهم جميعا كانوا في سهرة حمراء قبل الحرب بيوم واحد، وخرجوا منها ليصلوا الفجر حاضرا.

مر شريط الذكريات أمامي طازجا وكأن كل شيء يتكرر في هدوء وبالترتيب. تذكرتُ أن كل أفراد الشعب كانوا يتداولون رواية مفادها أن المشير نزل في صباح الخامس من يونيو في ألماظة ومعه مرافقوه. ومن أجل التمويه، ركبوا تاكسي حالته سيئة للغاية وسائقه عجوز يدخن بشكل متواصل، يرتدي قبعة شتوية رمادية على رأسه رغم حرارة الطقس. وعلى الرغم من أن السائق العجوز الذي يدخن باستمرار كان يلبس نظارات طبية إلا أنه عرفهم. ومن دون أي كلمات أو توضيحات أو أوامر، اتجه بهم إلى غرفة العمليات السرية.

وفي رواية أخرى، سمعها عيد ابن خالتي الذي كان صغيرا في هذا الوقت، أن سائق التاكسي الذي كان يدخن باستمرار ويرتدي قبعة رمادية رغم حرارة الطقس وعوينات طبية، لم يتعرف على المشير ورفاقه في البداية. ولكن عندما فرقعت فردة الكاوتش في الطريق، نزل السائق لتغييرها، بينما وقف المشير ورفاقه في الشارع ينتظرونه. في هذه اللحظات بالذات تعرف عليهم السائق رغم أنهم كانوا يلبسون نظارات شمسية سوداء تخفي ملامحهم إمعانا في التمويه والتخفي. وبالتالي، حسب رواية عيد ابن خالتي، انطلق السائق مباشرة بعد أن غيَّر فردة الكاوتش، إلى مركز القيادة. وكعادة عيد ابن خالتي، فهو في غاية الدقة والإنصاف والمنطق، صمم على نفي الرواية التي كان يرددها أعداء الشعب آنذاك وأذيال أمريكا والاستعمار بأن القوات الجوية كان بإمكانها ضرب طيران العدو لكنها لم تتمكن من تنفيذ ذلك، نظرا لوجود الطائرة الوحيدة في الجو آنذاك وعلى متنها المشير ورفاقه. ومن أجل الإقناع نظر عيد ابن خالتي إلىَّ في ذكاء وتساءل: “كيف يمكن أن يكون المشير ورفاقه واقفين في الشارع في ألماظة ينتظرون أن يغير السائق فردة الكاوتش، وفي الوقت نفسه يكونوا متواجدين على متن طائرة مقاتلة في الجو؟!”. كان سؤاله منطقيا للغاية، وكانت حجته مقنعة، وخاصة عندما قال: “لو كان المشير في الجو، لقصفته طائرات العدو”. ومن أجل أن يوقف أي هلاوس أو ضلالات في رأسي قال على الفور: “لا تستمع إلى الخونة أعداء الوطن وكارهي الاشتراكية بأن طيران العدو لم يقصف الطائرة لأنه كان يعلم بأن المشير ورفاقه كانوا على متنها. لا تصدق هذا الهراء، لأن المشير ورفاقه كانوا يلبسون نظارات شمسية سوداء تغطي ملامحهم، ولم يكن بمقدور قوات العدو أن تتعرف عليهم وهم في طائرة مغلقة تحلق في الجو”…

كان سيادة المشير عبد الحكيم عامر مثل الإنترنت الذي ظهر بعد ذلك بأربعين أو خمسين عاما. كان تأثيره كبيرا وملموسا وماديا، لكنه هو نفسه غير موجود ولا يمكن الإمساك به حتى بعد أن اختفى فجأة مثل الذين اختفوا في شارع جمال عبد الناصر وفي المنشية وكوم الشقافة، وقالوا إن الأرض انشقت وابتلعتهم بثيابهم وحقائبهم وأحذيتهم ونظاراتهم وسجائرهم وولاعاتهم وأفكارهم وربما ببعض الخبز الذي كانوا يحملونه لأولاهم.

كنا نبكي ونمصمص شفاهنا ونمسح الدموع لنبكي من جديد على كل أولئك الذين تبتلعهم الأرض في جميع أنحاء الإسكندرية. وكان الجيران الذين لهم أقارب في المعمورة وأبو قير وراس التين وغيط العنب وسيدي جابر والعامرية والعصافرة وفيكتوريا وغبريال يأتون كل يوم بحكايات جديدة يحكيها لهم أقاربهم مؤكدين أنهم سمعوها من جيرانهم الذين لديهم أقارب في الملاحات وفي المندرة والمنتزه وأبو المطامير سمعوها بآذانهم التي سيأكلها الدود من ناس رأوا أحداثها بأعينهم التي سيأكلها الدود أيضا.

فجأة، وأنا في عمق تحليلاتي وذكرياتي، دخل عيد ابن خالتي منفعلا للغاية وعيناه حمراوان بشكل ملفت، وعلى ملامحه بعض السعادة والبهجة، وقد نسي تماما موضوع الميكروباص ومثلث برمودا والمشير عبد الحكيم عامر. قال عيد وهو يبتسم ابتسامات غريبة وذكية في نفس ذات الوقت: يعني أنا مثلا قررت أن أكون مسؤولا وأحاسب سائق توكتوك عَلَّق علم بريطانيا وقام بتشغيل فيجو الدخلاوي، بينما سبايدر مان بجلالة قدره كان متشعلقا في زلومته (زلومة التكتوك). أيوه، قررت أن أتدخل في عبثية الواقع وأضبط إيقاع الشارع المنفلت والوعي المنفلت والشعب المنفلت. وبسؤاله، إنت مش مصري؟! قال لي: “أنا من حواري شارع عشة. وبافهم على فكره”. قلتُ له: “واضح جدا. طب ليه مش معلق علم بلدك مِصْر؟!”. قال لي: “ما هو علمنا معروف في كل مكان. لكن هذا العلم غير معروف وفي نفس الوقت شكله حلو”. قلت له، آمين. قال لي، صدق الله العظيم. قلت له: “لا… لسه، الحكاية لم تنته بعد. هل تعرف أن فيه أطفال في إحدى المدارس رفعوا علم فرنسا على أنه علم مصر والدنيا اتقلبت؟!”. قال لي: “وليه تتقلب؟! عادي يعني. طيب، يا بيه انزل كده اتمشي وروح كوبري قصر النيل وهتشوف كل أعلام العالم بترفرف ولا مؤاخذة”. قولت له: “ولا مؤاخذة ليه، كلامك صح!”. قال لي: “مين بقي يحاسب هنا؟ هل هم مش عارفين إن الأعلام مش بتاعتنا؟!”. قولت له، آه، صح إنت جميل. قال لي: “وإنت يا باشا نهارك فاكك كده، شايف الصورة دي بتاعة مين؟”. قولت له، بوب مارلي. قال لي: “أيوه احنا بنشتغل بيها، بندخل الشارع يعرفوا إننا وصلنا ومعانا الكيف”. قولت له، نزلني هنا. كان عاوز يدردش بقي. فقلت له: “أي مكان بتقعد فيه أنا هنزل لك مخصوص ومعايا علم فوكلاند، إنت إنسان جميل”…

لم أرغب بإخراج عيد ابن خالتي وصديق عمري من حالة النيرڤانا العظيمة التي تلبسته، سواء خلال حكيه حكاية سائق التوكتوك، أو خلال اقتناعه بمحاولاته المستميتة والمخلصة في ضبط إيقاع الشارع وحركة المواصلات وتقليص مساحات العشوائية. فعيد ابن خالتي هو صديق عمري وأخي الذي لم تلده أمي وإنما ولدته خالتي. أجلتُ الحديث معه حول الثقوب السوداء التي من الممكن أن تكون موجودة في روض الفرج بالقرب من كوبري الساحل. ومن الممكن فعلا أن يكون أحد هذه الثقوب قد غادر مكانه أو تحرك بشكل عشوائي غير محسوب، أو يكون قد غافل رفاقه وأعوانه ولبس نظارة شمسية سوداء إمعانا في التمويه والتخفي واستطاع أن يصل إلى منطقة كوبري الساحل من دون أن يراه الصيادون تحت الكوبري والحطابون فوق الجبال وأطفال الشوارع والمبرشمون والرجال الغريبون الذين يرتدون نظارات سوداء ويقرأون الصحف القديمة تحت الكباري…

التعليقات متوقفه