قصة قصيرة ..”لولو”..فخرى أبوشليب

يسر جريدة الأهالي أن تقدم لقرائها صفحة إبداعات تواكب الحركة الأدبية المعاصرة في مصر و العالم العربي و الترجمات العالمية ..وترحب بأعمال المبدعين و المفكرين لإثراء المشهد الأدبي و الانفتاح على تجاربهم الابداعية..يشرف على الصفحة الكاتبة و الشاعرة/ أمل جمال . تستقبل الجريدة الأعمال الابداعية على الايميل التالي: Ahalylitrature@Gmail.Com

139

قصة قصيرة

“لولو”

       فخرى أبوشليب

بدأت صداقتى بكلبىَّ الأستاذ شكرى — ساكن الشقة المقابلة لشقتى —عندما لاحظت أنهما ينبحان بطريقة واحدة عند دخولى وخروجى كما يفعلان عند دخوله وخروجه ، ويصمتان أحياناً عندما يحدثنى عند بسطة السلم . ولما نتج عن زواجهما خمسة جراء من نوع اللولو وضاقت بهم الشقة أراد أن يهدينى واحداً ، لكنى اعتذرت بخجل فزوجتى لا تحب الكلاب وتزعم أنها تنقض الوضوء.

نظر إلى جارى مستغرباً وعلى وجهه شئ من الأسى ، ثم وزع الجراء على أقاربه وكاد لا يفعل ، ولم يستبق سوى الأم وإحدى الإناث .

لا أعرف السبب الذى جعله يهوى اقتناء الكلاب غير أنه أعزب وحيد بالمعاش ونادراً مايزوره أولاد أخيه عندما تعتل صحته ، يجيئون وبيد أحدهم علبة شيكولاتة وينصرفون بعد وقت قصير .

أصحو فى السابعة صباحاً على زمجرة الخلاط الذى يشبه صوت موتور عربة فى التسخين والذى يحضر فيه طعامهما ، تلى هذا فترة صمت فى شقته حتى آذان الظهر ، ثم يخرج إلى السوق ليشتري احتياجاته . أما نباح الاستقبال الطويل الذى تؤديه الكلبتان فلا يكون إلا عند عودته من المقهى فى المساء حتى أنى بمرور الوقت استطعت أن أميز بين نباح الاستقبال ونباح الاشتراك معنا فى الحديث أحياناً عند بسطة السلم . عندما يسافر لزيارة أخته بالإسكندرية يوصنى بإطعامهما فى مواعيد محددة ويصر على أن يترك من النقود مايكفى لشراء هياكل الدجاج والخبز والحليب ، وعندما يعود من السفر يطول نباح الاستقبال ويشى بكثير من العتاب .

في المساء يجلس الأستاذ شكرى بينهما فى ردهة الشقة ليشاهد التلفاز تاركاً شراعة الباب مفتوحة ، وتتنافسان على الجلوس فى حجره ولعق وجهه

بعد أن قَلَتْ حركته صار لا يذهب إلى المقهى فى المساء ، ثم صار لا يقوى على الذهاب إلى السوق فى الصباح . أبديت استعدادى لشراء مايلزمه فأنا أذهب إلى السوق يوماً بعد يوم على أى حال ، وكان كل مرة يعطنى قائمة باحتياجاته على رأسها هياكل الدجاج والخبز والحليب ، وكنت أساعده أحيانا فى بعض الأعمال المنزلية إلا أنه كان يصر على إعداد طعام لولو وميمى بنفسه

في اليوم الذى صمتنا فيه وقبعتا بجوار سريره ولم تقدرا على لعق وجهه المغطى كباقى جسده المسجى ربما كانتا تنصتان لتلاوة القرآن بينما كان أولاد أخيه يتهامسون .

عَرَضْتُ عليهم أن يبقياهما في الشقة وأن أعتنى بهما حتى يأتى ساكن جديد فوافقوا بامتنان . صامت الأم عن الطعام حتى لحقت بالأستاذ شكرى بعد أسبوع ، وظلت لولو الصغيرة زاهدة فى الطعام تكاد لا تصيب منه شيئاً لعدة أيام . وفى اليوم الذى خلت فيه الشقة من الأثاث تأكدت أن للكلاب لغة يفهمها بعض البشر وليست مجرد دوافع الغريزة و أفعالها أو تنويعات من مقطع صوتى واحد .

كانت لولو واقفة عند بسطة السلم تنظر إلينا وهى تنبح نباحاً هادئاً متقطعاً وحزيناً ، وببدو أنها أقنعت زوجتى بما فَشَلْتُ فى إقناعها به ، فقد انحنت لتربت رأس الصغيرة ثم حملتها إلى شقتنا.

التعليقات متوقفه