#هاشتاج: التحولات الكبرى

119

أتذكر منذ سنوات قليلة مضت أن حلم العديدين منا كان اقتناء جهاز كومبيوتر مكتبى، ثم ارتفعت سقوف أحلامنا إلى اقتناء جهاز لاب توب. وكان حلما أيضا لدى العديدين اقتناء جهاز موبايل “القبقاب”؟!، ثم تسارعت وتطورت وتيرة أحلامنا وارتفعت سقوف توقعاتنا حتى وصلنا إلى اقتناء الهواتف الذكية متعددة الوظائف، والمهام، لدرجة أننا بتنا نتندر فى جلساتنا على أنفسنا، ونحن نتذكر الأيام التى كنا نقتنى فيها موبايلات لا تتمتع سوى بأقل القليل من الإمكانات المتاحة اليوم فى أى هاتف ذكى تقليدى.
ومن الواضح أن الثورة المعلوماتية التى نعيشها باتت تقفز قفزات أكبر، وأوسع من تخيلاتنا، لدرجة أننا نقف مذهولين أمام الحقائق الثورية، والواقع الجديد الذى نعيشه بشكل يومى، ونحن نرى العالم يتغير من حولنا، ويغير من أنفسنا، ومن عاداتنا وتقاليدنا الثقافية والاجتماعية.
وقد كشفت احصائية حديثة أجرتها “أدوبى” عن الكم الهائل من المتغيرات التى طرأت على حياتنا واستخداماتنا للهواتف الذكية، فقد ظهر أن نحو 73 % من حاملى الهواتف الذكية يستخدمونها للتعرف على الاتجاهات من خلال تطبيقات الخرائط بنظام تحديد المواقع العالمى، و 70 % لإرسال واستقبال البريد الإلكترونى، و 65 % لاستخدامات مواقع التواصل الاجتماعى، و 61 % لقراءة المقالات والأخبار، و 59 % لمشاهدة مقاطع الفيديو والأفلام، و 58 % للبحث عن أشياء تهمهم على الإنترنت، و 54 % للتصوير الفوتوغرافى، و 47 % للاستماع لموسيقاهم المفضلة، و 45 % للتسوق، و 41 % للألعاب.
ومن الواضح أن ما تشير إليه الأرقام أعلاه، يمكن أن يثير دهشة الكثيرين، حيث أن هناك اعتمادا متزايدا على الهواتف الذكية فى عشرات الخدمات (ما عدا خدمات الاتصال الصوتى)، بحيث أنها باتت، وبحق جزءا لا يتجزأ من حياتنا، وثقافتنا. وأعرف شخصيا العشرات ممن باتوا لا يشاركون بشكل شخصى فى حفلات الزفاف أو أعياد الميلاد، أو واجبات العزاء أو غيرها من المناسبات الاجتماعية مكتفين بالقيام بالواجب عن طريق رسالة نصية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
ما فهمته من الأرقام أعلاه أيضا أن تزايد الاعتماد على الموبايل، بات يثير علامات استفهام كبيرة بشأن مستقبل الكومبيوتر المكتبى، أو اللاب توب، وحتى التاب أو الأيباد، فيبدو أن مصير هذه الأجهزة مهدد بالفناء، والانقراض يوما بعد يوم، وقد يأتى قريبا اليوم الذى نتندر فيه على الأوقات التى كنا نمتلك فيها هذه الأجهزة. تماما كما هو الحال بالنسبة لخدمات الاتصال الصوتى التى بدأت مؤشراتها فى الهبوط، مع تزايد الاعتماد على الداتا فى التواصل بين البشر.
الاستخدامات التى شملتها الدراسة تعتبر مجرد أمثلة، فاستخدامات الهواتف الذكية باتت اليوم أوسع وأشمل بكثير، فهناك استخدامات الهواتف الذكية للقيام بتعاملات بنكية، وهناك تطبيقات صحية، ورياضية، وأمنية، وغيرها، إلا أن المجال ما زال مفتوحا للمزيد من الابتكارات فى هذا الحقل، فماذا لو تم تعميم تطبيقات لا تسمح بتشغيل السيارة إلا بالهاتف الذكى، أو تطبيقات لا تسمح لك بالدخول إلى المنزل إلا عبر الهاتف الذكى، بحيث يصبح الهاتف عنصرا أساسيا فى كل تفاصيل الحياة.
إن مفاهيم الذكاء الاصطناعى، وإنترنت الأشياء تعدنا بالكثير من التطبيقات التى تقوم بوظائف لم تخطر يوما على بالنا، ولا حتى راودتنا فى أشد أحلامنا غرابة.
إلا أن دهشتنا من التقدم الذى يتم إحرازه كل يوم يدفعنا دفعا لتساؤل أساسى حول مدى جاهزيتنا للمشاركة فى هذه التحولات الكبرى، والتحول إلى عنصر فاعل مشارك، لا مجرد متلقى منبهر مستهلك للتقنيات؟
أعتقد أننا بحاجة للكثير من جلسات التأمل والعصف الذهنى لكى نستكشف لأنفسنا مكانا، ونشق لأنفسنا طريقا وسط هذا الكم الهائل من المتغيرات. واعتقادى أننا نمتلك من العقول والمهارات والكفاءات ما يسمح لنا بتحقيق مثل هذه النقلة، فقط بقليل من التركيز، والتخطيط.

التعليقات متوقفه