أمريكا تحرض الدول الغربية على الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني

311

مازال دونالد ترامب ينفرد بالعزف على أوتار التهديدات بصفته البلطجي الأوحد فى العالم، فمنذ اليوم الأول لفترة رئاسته وهو غير راض عن الإتفاق النووي الإيراني المعروف دوليًا بمعاهدة «5+1» وكنا نعتقد فى البداية ان سر عدم رضا ترامب عن المعاهدة هو إنها ابرمت فى نهاية فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما، ولكن بعدما تعرفنا على منهجه فى ادارة السياسة الخارجية الأمريكية « منهج البلطجة والعنف السياسي»فهمنا جيدا إنه يبتز إيران مرة بالتهديد بالانسحاب من الاتفاق ومرات بفرض عقوبات اقتصادية.
ولكن مع اقتراب موعد القرار الاخير12 مايو حول الاتفاق اتضحت مساعي ترامب تجاه باقي الحلفاء فى الاتفاق للضغط على ايران، فهل ينجح «ترامب» فى ظل المساعي الايرانية لعقد تفاهمات وتكتلات مع دول الخليج وتصريحات مسئوليها فى الفترة الأخيرة بإنها ليست حريصة على استمرار هذا الاتفاق، وانها على استعداد للوصول إلى تفاهمات مع المملكة العربية السعودية!

قال دكتور يسري أبو شادي، كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا «إن ترامب يتحدث بإصرار شديد حول الإنسحاب من هذا الإتفاق، ولكن فيما يبدو إن بقية الدول الموقعة على الاتفاق تريد الاستمرار فيه وهذا يتضح من محاولات الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية باقناع ترامب بفائدة الاتفاق لكل دول العالم، ولكن يبدوا إنهم فشلوا فى إقناعه.و إذا لا حظنا برنامج ترامب فى شهر مايو سنجده برنامجا فى غاية العدوانية ففى يوم 12 مايو قد يصدر قرار ضد إيران وفى يوم 14 مايو سيقوم بافتتاح السفارة الأمريكية فى القدس المحتلة وبعدها بأيام قليلة سيلتقي رئيس كوريا الشمالية.
وأضاف أبو شادي قائلا: هناك احتمال آخر بعدم اتخاذ قرار حيال الاتفاق يوم 12 مايو وتأجيل البت فيه إلى وقت آخر، ومن الواضح أن ترامب لا يهتم بتداعيات القرارات التي يتخذها بدليل اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وذلك بعدما تحدث مع كل الرؤساء العرب، ومن المؤكد رفض كل الرؤساء العرب هذا القرار ومع ذلك اتخذه وسار فيه قدما.
«سياسة الكاوبوي»
وأكد أبو شادي أن امريكا تتصرف على إنها دولة «الكاوبوي»ويحق لها إن تفعل ما تشاء مثلما قامت بضرب العراق، وخاصة فى الحرب الثانية اثناء فترة حكم «بوش» رغم اعتراض معظم دول العالم وقرارات مجلس الأمن. ومع ذلك وجهت ضرباتها للعراق بناء على ادعائها بوجود أسلحة دمار شامل، فقامت باحتلال العراق لسنوات وفقدت كثيرا من قواتها هناك.وكذلك دخلت سوريا ونفذت مؤامرة الربيع العربي، أو ما تدعيه لضرب منطقة الشرق الأوسط كلها.
وأضاف ابو شادي قائلا: واضح أن أمريكا لا تحترم أحدا، والانسحاب من الاتفاقية سيكون ضربة شديدة جدا لأن هذا الاتفاق النووي الايراني فى الواقع يصب فى صالح العالم.و إذا قام الآن بإلغاء الاتفاق، سيرحل المفتشون الموجودون هناك، وستقوم ايران بتطوير برنامج تخصيب الـ 20%، وسيصبح لديها قدرات نووية أكبر، وهي بالفعل تملك قدرات عالية ولكن بمجرد إلغاء هذه الاتفاقية ستستطيع ايران انتاج قنبلة ذرية كل ثلاثة أشهر فى الوقت الحالي، وبعد عام ستتمكن من انتاجها اسبوعيا، فهل هذا هو ما تريده أمريكا وتهدف إليه؟!ان تصبح ايران هي «البعبع» فى منطقة الشرق الأوسط بعدما كانت إسرائيل هي البعبع يصبح هناك ايران وإسرائيل؟ فتصرفات امريكا كلها غير ملتزمة وليست تصرفات دولة كبري.
وحول امكانية استقطاب امريكا لباقي الدول الموجودة فى الاتفاق اضاف ابو شادي قائلا اعتقد ان هذا صعب جدا ورغم اشتراك «ماكرون» مع امريكا فى العدوان على سوريا،( وهذا خطأ كبير ارتكبته فرنسا المعروف عنها عدم التدخل والتزام مواقف حيادية)، لكن التصريحات التي ادلي بها الرئيس الفرنسي مؤخرا بشأن الاتفاق تدل على استمراره فى الاتفاق و يختلف مع ترامب فى موقفه.ونفس الشيء بالنسبة لموقف المستشارة الألمانية «ميركل»فهي لن تتفق مع ترامب فى موقفه، وهناك اقتراح مطروح حاليا «غير بارز اعلاميا» وهو بدء المفاوضات وإضافة بنود جديدة، وليس إلغاء المعاهدة أو عقد اتفاقية أخري موازية، بحيث تحجم من قدرة إيران فى صناعة الصواريخ، ومنعها من التدخل فى شئون المنطقة العربية، وهذا ليس اتفاقا بديلا،وهذا ما تريده الدول الأوروبية وأعلنته على الملء، أما إلغاء الاتفاق وبدء مفاوضات لاتفاقية جديدة تماما، فإن ذلك لن يحدث، لأن إيران لن تقبل هذا.
«تحجيم الدور الإيراني»
واستطرد أبو شادي قائلا: الدول الأوروبية تري ان يستمر هذا الاتفاق النووي على أن تكون هناك اتفاقيات مكملة له بدعوي أن هذا الاتفاق غير كاف، وهذه حقيقة لان ايران تقوم بتطوير الصواريخ وتجربتها، ويقال إن إيران تتدخل فى اليمن وسوريا وغيرها من الدول، رغم أن أمريكا نفسها تفعل نفس الشيء.
والدول الغربية تري ان الدور الايراني لابد من تحجيمه وهذا لا يعني إلغاء الاتفاق، لانهم بالفعل وقعوا عليه وعرفوا المقابل وقيموا الثمن اي الايجابيات والسلبيات والاتفاقية بالفعل بها قدر كبير جدا من التوازن و من وجهة نظري ليس هناك دولة غربية اوروبية ستنسحب مع امريكا من الاتفاق.
وأشارت دكتورة هدي راغب عوض، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إلى أن امريكا لديها شكوك تجاه نوايا إيران، و أن إيران تستقوي فى عملية إنتاج السلاح النووي رغم ما تؤكده إيران بإنه ما زال هناك وقت أمامها، وإنها لاتستخدم برنامجها النووي فى تصنيع الاسلحة النووية وانما تسخدمه فى أغراض سلمية متعلقة بإنتاج الطاقة والتنمية، وأمريكا تهدد بالانسحاب من الاتفاق لكي تشجع حلفاءها على مواجهة إيران.
«هاجس السلاح النووي»
وأضافت الدكتورة هدى راغب: لا أعتقد أن أمريكا تعتزم الانسحاب ولكنها تريد أن يقف حلفاؤها الأوروبيون «فى اتفاقية 5+1» معها ضد إيران، و يتصدوا لها من منطلق شكوكهم تجاه إيران إنها فى سبيلها لانتاجها أسلحة نووية.
وحول قدرة ترامب فى استقطاب حلفائه فى هذه الإتفاقية أضافت راغب قائلة: نحن نري ان فرنسا وألمانيا وانجلترا دائما يتحيزون «لأمريكا» فى كثير من الأمور على سبيل المثال اشتراك فرنسا وانجلترا مع امريكا فى توجيه ضربة إلى سوريا مؤخرا بزعم استخدام النظام السوري اسلحة كيمائية ضد شعبه وبرروا الضربة بإنها ردع لنظام بشار، لكن فيما يتعلق بالإتفاقية مع إيران الأمر ليس بهذه السهولة، حيث إن اوروبا لديها مصالح مهمة مع ايران وليس بالضرورة أن يساند الحلفاء الأوروبيون كل مرة أمريكا أو يكونوا تابعين لها، وهذه المرة هم يرددون أن ايران لم يصدر منها اي مخالفة « لإتفاقية 5+1 « لكن من الممكن أن يوجهوا لإيران لهجة شديدة، إنما الإنسحاب او معاداة إيران فهذه خطوة لابد من دراستها جيدا.
واستطردت غالب قائلة: ومنذ عام تقريبا توعدت أمريكا إيران بعد اتفاقية « 5+1 « ونوهت بإنها ستقوم بطلب فرض عقوبات اقتصادية على ايران ولكن الحلفاء الأوروبيين لم يستجيبوا لهذه المطالب، وكان ردهم هو ان ايران لم ترتكب أي مخالفة للإتفاقية وفق تقارير المفتشين الموجودين فى داخل إيران للتفتيش على الاسلحة النووية،حيث جاءت تقاريرهم منافية للادعاء الامريكي مما يؤكد عدم صدور أي مخالفة من الجانب الإيراني حتي هذه اللحظة.وهذا يوضح إن الحلفاء الاوروبيين لهم رأي مخالف للرأي الامريكي وانهم ليسوا تابعا مطيعا للجانب الأمريكي فى كل الأمور وخاصة فى وجود مصالح متضاربة.
«التصريحات الغامضة»
وفيما يتعلق بتصريح المستشارة الألمانية «ميركل»بإن الإتفاقية ليست كافية لردع الجانب الإيراني اكدت غالب قائلة هذا التصريح غريب إلى حد ما بهذه الصيغة، ومع ذلك لابد أن نعلم جيدا أن الجميع يسعي لتحجيم إيران لانها تشكل تهديدا واضحا لإسرائيل، فوجود دولة ثانية قوية فى المنطقة ولديها أسلحة نووية يشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل، خصوصا إن ايران تساند سوريا وسوريا قريبة جدا من إسرائيل، فالعملية تعد مواجهة مباشرة.ونحن نتذكر الضربة التي وجهتها إسرائيل لمطار تي4، تخوفا من مواجهات مستقبلية فالجميع يسعي لتقييد قوة إيران النووية، ولهذا قالت «ميركل» هذا التصريح الذي يعد غريبا مع الموقف الأوروبي من الإتفاقية، وهذا التصريح به تضارب فهل هى تريد الاستمرار فى الاتفاقية أم تريد أخذ خطوات أخري للردع؟ هذه علامة استفهام.
الحقيقة أمريكا تعمل منذ وقت طويل على تقويض ايران وعزلها وفرض عقوبات اقتصادية ضدها قبل عام 2000م وكل ذلك لمصلحتها ومصلحة إسرائيل، و رغم كل هذه العقوبات استطاعت ايران أن تقوي من نفسها اقتصاديا، فالسياسات التي تنتهجها امريكا ضد ايران سواء عن طريق تجنيب ايران أو احتواء الحلفاء هذه السياسات تزيد إيران قوة، وهذا يتضح من رد الجانب الايراني الذي يؤكد إنه لا يريد هذه الاتفاقية التي ابرمت فى عهد اوباما ولم تجن منها ايران أي شيء.
«مصالحات وتفاهمات إقليمية»
وفى ذات السياق أضاف السفير إبراهيم الشويمي مساعد وزير الخارجية الأسبق قائلا: كل تحركات ترامب تصب دائما فى مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وهو يركز على هذا ولذلك هو يضغط على حلفائه من أجل تحقيق أقصي استفادة لأمريكا وتأمين دولة إسرائيل وهو ناجح فى هذا المضمارولكن ليس دائما، فضغطه على كوريا الشمالية نتج عنه اجتماع بين رئيس كوريا الجنوبية والشمالية ولقد أعلن رئيس كوريا الشمالية عن استعداده للتفاهم فيما يتعلق بالتسليح النووي.
وأضاف الشويمي قائلا قد ينجح ترامب فى ضغطه على الدول الأوروبية إلى حد ما ولكن الدول الغربية لديها مصالح اقتصادية مهمة جدا مع إيران، ولذلك لا اعتقد انه يستطيع أن ينسحب إلا بالتنسيق مع الدول الأوروبية وهو يهدد بالانسحاب ليصل إلى شروط افضل فى الإتفاق، عن ما تم الاتفاق عليه.
وحول مغازلة إيران للدول الإسلامية وتصريحها بانها على استعداد لتقريب وجهات النظر والوصول لنوع من التفاهمات مع السعودية أضاف الشويمي قائلا لابد من وجود نوع من التفاهم بين ايران وأمريكا بالنسبة لمسألة الشرق الأوسط، فايران لا تعمل من فراغ ولكنها تعمل فى اطار ما يدور فى ذهن الولايات المتحدة من أفكار ومن خطط للشرق الأوسط.وبالتالي فى حالة حدوث تقارب مع السعودية اتصور انه سيكون أمرا مهما جدا ونقلة نوعية فى التفكير ولكن يجب ان تكون الشروط واضحة ويجب ان يتوقف التدخل الإيراني فى الشأن اليمني لأن تدخلها فى اليمن ليس تدخلا شرعيا، حيث تقوم بمساعدة المعارضة المسلحة وفى تقديري لا يحق للمعارضة ان تملك دبابات وصواريخ وغيرها فهذه معارضة مخالفة للقانون الدولي الذي لا يسمح بوجود معارضة مسلحة داخل الدولة تعمل ضد الحكومة الشرعية، وايران تدعم المعارضة المسلحة فى اليمن وإذا كانت ايران تريد أن تتفاهم فعليها اولا أن تعلن توقفها عن دعم المعارضة المسلحة فى اليمن ولا تسمح لهذه المعارضة بأن توجه صواريخها إلى السعودية او إلى اي دولة فى المنطقة لأن هذا يعتبر عدوانا وفق بنود القانون الدولي، وعندها يمكن التفاهم بين السعودية وإيران.

التعليقات متوقفه