شعبان يوسف لـ”الأهالي” في ذكرى رحيل “المشاغب”: صلاح عيسي أديب وصحفي ومناضل سياسي كبير

724

منذ أيام قليلة حلت الذكري الثانية علي رحيل المناضل والمفكر والمثقف الموسوعي المصري الكاتب الكبير المشاغب صلاح عيسي، ولا يمكن أن نترك هذه الذكري تمر دون أن ننشر نبذات مختصرة عن أهم المحطات في حياته السياسية والأدبية والفكرية يلخصها لنا الشاعر والناقد الأدبي شعبان يوسف الذي عمل معه فترة كبيرة من حياته ..الى تفاصيل الحوار.

حوار أمل خليفة

  • كيف كانت بدياته الثقافية؟

تأثر في بدياته بقراءات أدبية متعددة، قرأ لنجيب محفوظ، وكان يراسل وهو فتي صغير في المدرسة مجلة” الرسالة الجديدة” التي كانت تصدر في مصر في الخمسينات، وكتب فيها رسائل صغيرة، بعد تخرجه عمل في مجلة “المجتمع العربي” وقام بعمل تحقيقات مهمة جدا. وكان أحياناً ينحو ناحية الأدب فكتب مجموعة من القصص القصيرة نشر بعضها في مجلة الآداب في أوائل الستينيات. ثم بدأ ينشر في مجلة أسمها “الحرية” ببيروت.

صلاح عيسي  كان مثقف مشتبك، فهو لم يكن كاتب قصة قصيرة وحسب بل كتب  سيناريوهات  لبعض التمثليات والحلقات في الإذاعة تقريباً في عام 70 أو 71 و ظل يكتب القصة القصيرة لفترة طويلة جدا حتي السبعينيات.

  • كيف تشكلت قناعاته الفكرية ؟

أرتبط بمجموعة من المثقفين اليسارين، في فترة قوة المد اليساري، وكان من أبرز أصدقائه  إبراهيم فتحي غالب هلسا ومحمد عبد الرسول ومجموعة كبيرة من الأدباء الذين كانوا نجوم آنذاك مثل جمال الغيطاني وصبري حافظ ومجموعة من المثقفين اليساريين الكبار الذين كان لديهم قدر كبير جدا الأحتجاج بشكل ما علي سياسات الدولة.

صلاح عيسي كان عبارة عن أديب وصحفي ومناضل سياسي وهذه السمة كانت سمة متأصلة فيه وفي هذا الجيل مثل إبراهيم فتحي.

  • متي أتجه صلاح عيسي إلي التأريخ ودمجه بالأدب ؟

بعدما أصدر أول كتبه “الثورة العرابية” عام 1979م،  ولقد لعب دوراً كبيراً جدا مع زملائه في إقرائهم فكرة التاريخ. كان صلاح عيسي وعبد الرحمن الأبنودي من نجوم هذا الجيل وكانوا مثقفون وقراء الكبار رفيعي المستوي في هذا الجيل ولكن كلهم يعترفوا بإن صلاح عيسي كان له مساحة خاصة جدا به”لدي كتاب من جمال الغيطاني كان مُهدي إلي صلاح عيسي هذا الكتاب عليه إهداء لصلاح عيسي من جمال الغيطاني” وبيعترف فيه جمال الغيطاني إن صلاح عيسي هو الذي علمه كيف يقرأ “إبن إياس” له  أيضاً في التاريخ كتابات كثيرة جداً وله أكتشافات وكتب فارقة من ضمنها “كتاب دستور في القمامة” الذي صدر في الثمانينات، ولهذا الكتاب حكاية طريفة، حيث عثر فعلاً صلاح عيسي علي دستور 1954 الذي تم إعداده ثم أهُمل، وعندما عثر عليه قام بنشره وعمل حوله دراسة. كما نشر أيضاً محاكمة فؤاد سراج الدين التي كانت عام 1952 وعمل أيضا دراسة حولها، بالأضافة إلي ذلك دراساته الأدبية مثل دراسة “السمان والخريف” لنجيب محفوظ.

  • متي كان أول صراع له مع السلطة؟

عند تصارع الأجهزة في ذلك الوقت، تم القبض عليه في 10 أكتوبر عام 66 ومعه سيد خميس وغالب هلسا و صبري حافظ وسيد حجاب و عبد الرحمن الأبنودي وجمال أحمد الغيطاني. فكان هذا أول صدام له ولكثير من المجموعة مع  السلطة، و ظل بعد خروجه من السجن  مقاوماً ومقاتلاً في سبيل القضايا الأساسية التي كانت تشغل باله مثل قضية الحريات وقضية الوطنية، لأن بعد خروجه من السجن حدثت كارثة 67 التي ألهبت مشاعره  وكتاباته فدخل السجن مرة أخري في عام 68، ولكنه كان يعرف كيف يتأقلم مع الظروف، فكان هو الراعي أو شبه المسئول عن كل زملائه في السجن حيث إنه كان يعرف كيف يتعامل مع الإدارة إلي حداً ما.

  • لماذا لم يصدر له سوي مجموعة قصصية واحدة ” بيان مشترك ضد الزمن”؟

بالفعل لم يصدر له سوي مجموعة قصصية وحيدة رغم إنه كتب كثير من القصص القصيرة، ولكن للأسف بعضاً منها لم ينشر في مجلات وهناك كثير أيضاً لم ينشر في كتاب، وذلك بسبب إنه كان يسير علي أكثر من وتيرة في الأدب والسياسة والصحافة هذا بجانب التأريخ، وظلت هذه السمة موجودة طوال حياته. فهو أمتداد لمدرسة أحمد بهاء الدين، صاحب كتاب  أيام لها تاريخ الذي فتح المجال لكثير من الكُتاب و علي رأسهم طبعاً صلاح عيسي ، وأيضاً دكتور حسين فوزي الذي كتب ” سندباد مصري” فهذه  الكتابات كانت موحية لعمنا صلاح عيسي. الذي كان متيم جداً بنجيب محفوظ، وغالباً ما نجد صلاح عيسي يستخدم عبارات أو فقرات أدبية في تقديم كتاباته المتعددة التاريخية أو السياسية  أو الفكرية.

  • كتاب أزمة التفاوض تحكمه نظرية غاية في الجرأة،كيف تحللها؟

صلاح عيسي كانت لديه نظرية إن المفكرين المصريين بيبدأوا ثواراً ثم ينتهوا إلي متهادنين أو متواطئين أو متقاعدين ويمكن كتب عن طه حسين وكتب عن العقاد وكتب عن أكثر من مفكر. وضم هذه الدراسات في كتاب أسمه “الكارثة التي تهددنا” وهذا صدر عن دار “مدبولي” للنشر في أوائل الثمانينات، بالإضافة لذلك في كتابه السياسي “أزمة التفاوض” يري أن القيادات المصرية لها أيضاً إنكسارات وعلي رأسها سعد زغلول عندما كان يفاوض الإنجليز وهذه كانت فكرة قديمة ولكن صلاح عيسي  أخترق هذا الباب وأستطاع أن يؤطر له في كتاب أزمة التفاوض.

  • أثبتت المستندات التي أفرج عنها مؤخرا صحة رؤيته نحو” ريا وسكينة، كيف كان ذلك؟

لأنه أعتمد في كتابته  لرواية “ريا وسكينة” علي وقائع ممتزجة بخيالات واقعية  تكاد تكون إستنتاجات منطقية تشبه المعادلات لحياة ريا وسكينة، وأستطاع أيضاً من خلال هذه التخيلات  أن يرصد العلاقات الاجتماعية التي كانت موجودة في فترة ثورة 19 وفي العشرينات.

وفي كتاب حكايات من دفتر الوطن استطاع أيضاً ان يضع يده علي حكايات كثيرة جدا من ضمنها حكاية ما أسماه جلاد دنشواي، وحكاية إبراهيم الورداني الذي كان متهم بأغتيال رئيس الوزراء في أوائل القرن وله أيضا كتاب مذكرات فتوة والبرنسيسة والأفندي. صلاح عيسي أستطاع علي مدي أكثر من خمسون  عاما علي خمس عقود ظل يمد الحياة الثقافية والسياسية بالأفكار والأعمال المميزة.

  • ماذا أضاف للحياة الثقافية لليسار المصري؟
  • صلاح عيسى

ترأس تحرير جريدة الأهالي في فترة التسعينات وكان رئيس تحرير سلسلة كتاب الأهالي أيضا وأصدر سلسلة كتب في غاية الأهمية للطفي الخولي ولفؤاد مرسي ولأحمد الخميسي ومحمد عبد السلام الزيات، أصدر مجموعة كتب تعتبر فعلاً حتي الآن علامة من علامات الثقافة المصرية والكتب السياسية المصرية أيضاً..وهو أيضا كصحفي يُعد في حد ذاته مدرسة وطنية طليعية مهمة، ولقد عملت معه عن قرب في جريدة القاهرة فكان صحفي من طراز أول وكان قادر علي مد الجريدة بمقالات متنوعة، وقلما عارض أو صادر موضوع، وكان فاتح الجريدة منبر للجميع في مجالات متنوعة.

ويجب أن لا ننسي إنه أصدر في أوائل الثمانينات  مجلة الثقافة الوطنية مع فريد زهران وكانت تضم موضوعات متنوعة، وعمل كمراسل أيضاً لبعض الصحف والمجلات  الثقافية العراقية في ذلك الوقت وأستكتب عددا كبيرا من الكتاب والمفكرين والأدباء والشعراء المصريين وقدم من خلالها كتاب لعز الدين نجيب صدر بتقديم له.

كما أجري دراسة مبكرة هامة جداً عن الأخوان المسلمين وثورة يوليو وقدم أيضاً كتاب مترجم لمني أنيس عن الأخوان المسلمين،فلقد كان يتنقل بسهولة ويسر بين الدراسات شبه الأكاديمية والدراسات الصحفية المطورة ، فهو مدرسة في الكتابة وكان بينحو نحو التحقق العلمي الدقيق و يغوص في أعماق الأشياء، فهو لم يكن يؤرخ من الكتب ولكن كان يذهب إلي التاريخ في مصادره الجغرافية. ويتأكد من الوثائق والمستندات التي كانت موجودة في الحقبة التي يتناولها بالدراسة بحيث يخرج بأفضل النتائج ، لذلك هناك بعض الكتابات التي تميل إلي شبه الأدبية أو الصحفية التي تتضمن دراسات شبه أكاديمية عندما تتطلب ذلك ولكنه كان يتمتع بأسلوب ممتع في الكتابة  والأبداع حتي وإن نحي منحي أكاديمي..فالأستاذ صلاح عيسي سيظل من أهم الصحفيين والكتاب والمفكرين السياسين الكبار في مصر و العالم العربي أيضاً.

 

التعليقات متوقفه