أمينة النقاش تكتب :يد الله فوق يد الجماعة

126

ضد التيار

يد الله فوق يد الجماعة

*بقلم أمينة النقاش
كان المفكر السياسى الكبير «محمد سيد أحمد» احد مؤسسى حزب التجمع، ومن بين أبرز قادته، من أظرف الشخصيات وأخفها ظلا، وأكثرها سرعة بديهة وذكاء حادا. وفى أحد الانتخابات التنظيمية داخل التجمع، عبر محمد سيد احمد عن دهشته، وهو يضرب كفا بكف ويقول بفطنة لاتخلو من سخرية: هناك وجوه فى هذه القاعة لاتدخل مقر حزب التجمع إلا كلما جرت الانتخابات على المواقع الحزبية، تأتى فتمارس بصراع لا يخلو من عنف، حقها فى الفوز بتلك المواقع، ثم بعد الفوز تختفى والأغلب أنها تذهب إلى المنزل و«تشد اللحاف وتنام»، لحين جولة جديدة من المعارك على نفس المواقع الحزبية وبنفس الطريقة، فلا الموقع الحزبى يتقدم ولا العضو يكف عن المحاولة والصراع!
هذه العبثية التى تنطوى على خفة فى التعامل مع العمل الحزبى بوصفه وجاهة اجتماعية، تستنفد طاقته فى معارك تفضى إلى أن يبقى محلك سر، هى بالضبط ماكان يسخر منها «محمد سيد أحمد» لأن الأصل يُلزم من يحوز موقعا حزبيا لاسيما إذا كان بالانتخاب، أن يقوم بمهامه بجدية واخلاص، أو فليتركه لمن يستطيع أن يفعل ذلك.
تذكرت تلك الواقعة من حكايات العمل الحزبى التى لاتنضب ولا تخلو من دروس وعبر، خلال متابعتى باهتمام، للانتخابات الأخيرة فى حزب الوفد، التى انتهت بفوز المحامى الدكتور «عبد السند يمامة» برئاسته،على منافسه المستشار «بهاء الدين أبو شقة».
لا يستطيع أحد ان ينكر أن مثل تلك المعارك الانتخابية تترك بعض الجروح، وتنشئ خصومات، وتحيى صداقات قديمة، فذلك هو منطق الأشياء، وطبيعة البشر التى يؤثر فى سلوكها الانتقال من الفوز إلى الخسارة والتأرجح بين النجاح والفشل، وتحكمها آنذاك المشاعر، لا المنطق والعقل الموضوعى، حتى وهى تؤدى عملا عاما تطوعيا، يحتاج لإنجازه، بعض التضحيات .لكن لا نستطيع أن نتجاهل كذلك أن الحياة الحزبية المرتبكة فى الأصل، والمهمشة على المستوى الرسمى، ليس بمقدورها أن تتحمل انقسامات وتكتلات يناهض بعضها البعض الآخر داخل حزب الوفد، الذى يعد واحدا من أهم الأحزاب المصرية.
لهذا ولغيره، تلقيت بتفاؤل، تصريحات رئيس الوفد الجديد الدكتور «يمامة» عقب فوزه، فى الانتخابات الذى تعهد فيها بفتح صفحة جديدة لكى يعود حزب الوفد، الذى قاد فى تاريخ مصر المعاصر الحركة الوطنية لتحقيق الاستقلال وتحويل نظامها إلى ملكية دستورية، بيتا للجميع، ونبذ سياسة الإقصاء والقبول بالخلاف فى الرأى، وعدم التفرقة بين عضو وأخر سوى بالجهد والعمل الذى يبذله لتحقيق أهداف الوفد. وهو تعهد بات الدكتور يمامة ملزما به، ليس فقط أمام أعضاء حزب الوفد، بل أيضا أمام الرأى العام.
لكن المؤكد أن الطريق لتحقيق ذلك ليس مفروشا بالورود. فهو يتطلب من قيادة حزب الوفد الجديدة سياسة حكيمة للم الشمل، تجذب الخصوم قبل الأنصار والمؤيدين، وتجعل الاحتشاد ليس فقط فى المواسم الانتخابية، لانجاح هذا واسقاط ذاك، وتفتيت الحزب وشرذمة هيئاته بين من يؤيدون ومن يعارضون، بل حشد الجميع للنهوض بالعمل الحزبى والارتقاء به ليصبح رقما مؤثرا فى الحياة السياسية.
ومن الجلى أن اجراء الانتخابات هو وجه واحد من أوجه العملية الديمقراطية، اما بقيتها فتكمن فى التفاصيل التى تعقبها، والتى تبقى مرهونة فى كل موقع بسلوك القيادة وكفاءتها فى إحداث التوازن المطلوب. فلتكن شرعية القيادة الجديدة فى حزب الوفد شرعية مزدوجة، مستمدة ليس فقط من صندوق الانتخاب، بل أيضا من لم الشمل والنجاح فى تحييد المعارضيين بعدم ابعادهم عن سلطة القرار الحزبى، وخوض معركة تكون محلا للاقتداء، لتخليص العمل الحزبى من أمراض مزمنة عرقلت مسيرته وحجبت تأثيره. وتظل سياسة تصفية الحسابات والمناورات، وتشكيل جماعات مصالح لايجمع بينها سوى المنافع الخاصة، واضفاء مشروعية على عضويات حزبية زائفة، وفتح المجال للدسائس واللعب بالحقائق وتشجيع مظاهر السلوك العدوانى والشللى النفعى، هى وصفات سحرية نحو الفشل.
ونهوض القيادة الجديدة فى حزب الوفد بتلك المهام، والبحث عن المشترك بين كل فرقائه ،سيدعم شرعيتها وتأثيرها الايجابى، وكفيل أن يعيد الاعتبار إلى العمل التطوعى والعمل الجماعى، الذى يعد شرطا لكى تكون يد الله فوق يد الجماعة.

التعليقات متوقفه