ملف الغاز في شرق البحر المتوسط تحت المجهر ..فشلت محاولات أردوغان للضغط على أوربا ومصر.. فلجأ إلى ليبيا

تركيا تستخدم «السراج» للأعمال القذرة لإثارة الفوضى بين دول البحر المتوسط

602

بقلم: عبد الستار حتيتة

تشير بيانات ومواقف صادرة من العديد من القوى الليبية أخيرا، إلى أن فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي، أثبت أنه مجرد “ورقة” يستخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للأعمال القذرة في منطقة البحر المتوسط.
يذكر أن أردوغان، دخل بيدين عاريتين لكي يشارك في مطبخ الغاز الطبيعي في البحر المتوسط. فأمامه دول رئيسية لديها مصالح وخطط وحقوق في استكشاف الغاز وبيعه للمستهلكين في أوربا.
فوجئ الرئيس التركي بأنه أصبح، عمليا، خارج أي ترتيبات تخص مخزون الغاز الضخم الموجود تحت مياه البحر المتوسط. بعدما فشلت محاولاته السابقة لممارسة الضغوط على أوربا وعلى مصر.
لم يجد أردوغان إلا السراج – منزوع الصلاحية – لكي يستخدمه على أمل أن يساعد في إثارة الفوضى بين دول البحر المتوسط.
باختصار.. لم يقدر الرئيس التركي على مد يديه للملفات الساخنة في هذا الشق الاقتصادي الاستراتيجي المتعلق بمستقبل الغاز الطبيعي، فاستعان برئيس المجلس الرئاسي الليبي.
قضية الغاز في البحر المتوسط أكبر من السراج. وأكبر من أردوغان أيضا. فمنذ عقود رسمت مصر واليونان وقبرص مستقبل الغاز وفقا للمواثيق والمعاهدات الدولية. وتم وضع البنية التحتية لاستغلال هذه الثروة بحيث يتم تصديرها مستقبلا إلى أوربا.
هذا كان، في السابق، مجرد حلم، لكنه تحوَّل إلى حقيقة الآن، وتحوَّل إلى أمل لتحسين الوضع الاقتصادي لمصر واليونان وقبرص، من خلال توفير الطاقة لأوربا.
توجد دول معنية بقضية الغاز في شرق البحر المتوسط، على رأسها مصر.. فمصر التي كانت مستوردا للغاز حتى عام 2016، قلبت الأمور رأسا على عقب، من خلال اكتشافها لحقل “ظُهر” وهو أكبر حقل في البحر المتوسط، وذلك بالتعاون مع شركة إيني الإيطالية.
في ذلك الوقت كان أردوغان يملأ الدنيا صراخا وهو يهاجم مصر لصالح التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، الإرهابي، ومن خلال مده للإرهابيين بالأسلحة والدعم، في محاولة يائسة منه لوقف القطار المصري من التحرك إلى الأمام.
في الشهور الماضية تأكد لدى المصريين، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، قدرتهم على إطلاق أكثر من عشرة مشروعات جديدة للغاز. وبهذا أثبتت مصر عمليا أنها تتحول بإرادة المصريين إلى مركز إقليمي لتجارة وتوزيع الغاز على المستوى الدولي، مع توقعات بجني مليارات الدولارات لخزينة الدولة قريبا.
أما الدولتان الثانية والثالثة الموجودتان في أجندة غاز شرق البحر المتوسط، فهما قبرص واليونان. وفي الأعوام الأخيرة أثمر التعاون بينهما عن سلسلة اكتشافات عملاقة للغاز، خاصة في حقول “إكسون موبيل” و”كاليبسو”، مع استمرار استثمارات لعملاقي الغاز، “إيني”، والفرنسية “توتال”.
بدأت قبرص واليونان في التعاون مع القاهرة لضخ الغاز إلى أوربا عبر محطات التخزين المصرية الضخمة خاصة من خلال محطة إدكو. وهذا من شأنه أن يحقق إيرادات للجانب القبرصي اليوناني فقط، يزيد قدرها عن 9 مليارات دولار خلال الـ18 سنة المقبلة، ناهيك عن المكاسب المصرية، اقتصاديا وسياسيا.
مشروعات مصر مع قبرص واليونان، لمد الغاز إلى أوربا، من شأنها أن تسحب البساط من تحت أقدام أنابيب الغاز التركية الروسية، التي تغذي أوربا سلفاً.
للعلم، تعد قبرص دولة مقسمة لشطرين، بين تركيا واليونان، منذ سبعينات القرن الماضي. لكن لا يوجد اعتراف دولي بحكومة الجانب القبرصي التركي، بينما يعترف العالم بالجانب القبرصي اليوناني.
فشل أردوغان في النصب والاحتيال على الدول الغربية فيما يتعلق بملف قبرص، وفشل في ألاعيبه لاستثمار موضوع قبرص التركية، في التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، حيث وقف ضده الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة.
وجدت تركيا نفسها خارج هذه الترتيبات العملاقة وخارج الحسابات الاقتصادية والسياسية المرتبطة بها. فاستدعت السراج لكي تلف به يديها، وتبدأ في العبث من جديد.
تركيا هي رابع دولة في معادلة الغاز في شرق المتوسط. وموقفها ضعيف للغاية، لأنها لم تتوصل إلى أي اكتشافات ذات شأن في الجزء التركي من ساحل البحر. أما خامس القوى المعنية بملف الغاز في هذه المنطقة فهي “إسرائيل”.
تحاول إسرائيل اللحاق بالقطار المصري القبرصي اليوناني، في مشروعات الغاز الإقليمية. لكن إمكاناتها، منفردة، مازالت تواجه مشاكل، حيث أنها تحاول استخدام موضوع الغاز الطبيعي لتحقيق أهداف جيوسياسية، كدولة محتلة وككيان مهدد لجيرانه.
القوة الخامسة في معادلة الغاز في شرق البحر المتوسط هي جزيرة كريت اليونانية. وهي منطقة جغرافية تحول عمليا دون أي تواصل بحري بين تركيا وليبيا. فوجود هذه الجزيرة ينسف أي اتفاقيات بين أنقرة وطرابلس الغرب، فيما يتعلق بأي حديث عن حدود بحرية بين البلدين.
إذن لا يوجد منافس حقيقي لمصر في غاز البحر المتوسط إلا إسرائيل. ومع ذلك يبدو أن إسرائيل تعلم أن الجانب المصري تمكَّن من وضع بنية أساسية جاهزة لتجميع غاز شرق المتوسط والعمل على ضخه إلى أوربا.
لهذا لجأت إسرائيل إلى أصدقاء مصر، اليونان وقبرص، في محاولة منها للاستفادة من المشروعات الجديدة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ودخلت للاستثمار في مد أنابيب بقيمة 7 مليارات دولار، من حقول الغاز التي تسيطر عليها، إلى قبرص واليونان وإيطاليا، عبر جزيرة كريت، حيث تأمل إسرائيل في الحصول على نصيب من السوق الأوربي في مجال الغاز.
إذن لم يتبق لتركيا أي حلفاء أو أصدقاء في ملف الغاز بشرق البحر المتوسط. ويبدو أنها كانت ترى هذا المصير البائس لها منذ سنوات. فقد حاولت خلط الأوراق عدة مرات. ليس في موضوع قبرص فقط، ولكن – لو تتذكرون، مثلا – دفعت أبواق جماعة الإخوان، إلى ترويج مزاعم لتشويه النشاط المصري في استكشافات الغاز، من خلال ربط هذا الموضوع بإسرائيل.
إذن فايز السراج ظهر في الصراع، ليس كطرف رئيسي، بل كـ”فوطة” للاستخدام لا أكثر. لأن موضوع الغاز في شرق البحر المتوسط أكبر من إمكانياته. كما إنه غير مخول له عقد أي اتفاقيات، إلا بموافقة جميع أعضاء المجلس الرئاسي. ومعلوم أن نحو نصف أعضاء المجلس إما استقالوا أو علقوا عضويتهم فيه احتجاجا على ممارساته المريبة داخليا وخارجيا.
بالإضافة إلى أن حكومة السراج لم تحظ بتصديق البرلمان عليها منذ بدء علمها في مطلع 2016 حتى اليوم. فتحركات السراج لمؤازرة أردوغان لا تخرج عن خانة “التحرك الفردي”، وهو أمر لا يعترف به لا البرلمان الليبي، ولا أي برلمان في العالم.
مصر من جانبها تدرك أن هناك ملفات لا زالت تحتاج إلى علاج، وهي ملفات استراتيجية وقومية، تفوق قدرة أردوغان والسراج معا، منها قضية مخزون الغاز على السواحل اللبنانية والسورية، وعلى سواحل غزة أيضا، وعلاقة إسرائيل بمستقبل ترسيم الحدود البحرية في هذه المناطق العربية الحيوية، والدور الذي يمكن أن تلعبه الأمم المتحدة في ذلك.
أردوغان لا يعنيه العرب ولا المسلمين.. ولا يعنيه فلسطين ولا ليبيا. ما يعنيه فقط هو المصالح التركية. لهذا أصبح مثل الثور الهائج بعد أن فشلت خططه لإثارة الفوضى في مصر. وبعد أن فشل رهانه على لي ذراع قبرص واليونان والأوربيين.
لم يأت استخدم أردغان للسراج كـ”فوطة” من فراغ. فهو نفسه – أردوغان – كان قد تحول إلى “فوطة” في يد الروس.. حتى لو كان الروس أصدقاء لمصر أو لبعض الدول الأخرى المهمة في المنطقة، إلا أن الاقتصاد يفرض نفسه، ويؤثر على التحالفات شئنا أم أبينا.
روسيا في الحقيقة تشعر هي الأخرى بقلق يمكن أن يكون أكبر من القلق التركي فيما يتعلق بمستقبل مشروعات الغاز العملاقة في البحر المتوسط. الشركة الروسية العملاقة “غازبروم” تمد أوربا بحوالي 37 في المائة من حاجتها من الطاقة. كما أن موسكو تظل ممسكة بخناق أوربا، وتحقق من ورائها مصالح اقتصادية وسياسية، طالما كانت هي المهيمن الرئيسي على تدفئة شتاء أوربا القارص.
لم تدخل روسيا بشكل مباشر في معركة الغاز في شرق البحر المتوسط. فهي بعيدة عن المنطقة. لذا وجدت في الرئيس التركي بوقاً قادراً على إثارة الفوضى، وفرصة أيضا لبيع معدات عسكرية له، منها “النظام الروسي المضاد للطائرات”.
المشكلة بطبيعة الحال ستظل معقدة، بالنظر إلى كون تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي الناتو، وهو حلف غربي بالأساس، ولكونها كذلك ذات باع طويل في التعاون العسكري مع إسرائيل.
وضعَ أردوغان بلاده في موقف صعب: إذا ظلت داخل الحلف الغربي فهي تخسر، وإذا خرجت منه، فهي تخسر أيضا.
رغم ذلك يواصل الرئيس التركي الألاعيب القذرة والمكشوفة. ومن جانبه أصبح الغرب يدرك أن أردوغان يتحول رويدا رويدا إلى “فوطة” في يد الروس. وهو كان يطبق هذه النظرية حين استدعى السراج، قبل أيام، ليستخدمه كـ”فوطة” أيضا، لكن بشكل مثير للسخرية والاشمئزاز.

التعليقات متوقفه