تبادل اتهامات حول صفقة إس ـ 400..تركيا تحاول ابتزاز روسيا فى معركة إدلب للحصول على تكنولوجيا تصنيع الصواريخ

لا خطة لدى موسكو لمنح أنقرة التكنولوجيا فى الوقت الحالى على الأقل

611

د.نبيل رشوان    

لعل جميعنا يتذكر صفقة صواريخ إس ـ 400، التى أقام الغرب الدنيا ولم يقعدها حول هذه الصفقة ومدى خطورتها على طيران حلف الناتو، وتوعد تركيا بالعقوبات وأخرجها من الاشتراك فى برنامج تصنيع إحدى أحدث المقاتلات الأمريكية، إف ـ 35، والتى كان من المفترض أن تشارك تركيا فى تصنيع بعض أجزائها، وهى التى تعتبر الأحدث فى سلاح الجو الأمريكى وحلف الناتو.

لكن تركيا أصرت على موقفها من الصواريخ الروسية، على أمل كما تدعى تركيا أن روسيا ستعطيها جزءًا من تكنولوجيا تصنيع هذه الصواريخ، ووردت بالفعل روسيا معدات كتيبتين من هذه الصواريخ، المضادة للطائرات والأحدث فى الترسانة العسكرية الروسية إلى تركيا، غير أنه، وكما ذكرت صحيفة “ينى أكيت” التركية، لم تكن الصفقة تتضمن تكنولوجيا تصنيع هذه الصواريخ وفق ما اتفق عليه بين طرفيها، مما أثار دهشة الصحيفة.

اتهمت الصحيفة التركية موسكو بخداع أنقرة، لأنه وفق الصحيفة التركية كان قد أعلن من قبل عن أن روسيا ستمنح جزئياً تكنولوجيا تصنيع هذه الصواريخ لتركيا، وأوردت الصحيفة النص الذى من المفترض أن تم فهمه على أنه إقرار من روسيا بإعطاء تركيا جزئياً بعض تكنولوجيا هذه الصواريخ فيما بعد. هذه المادة أثارت الكثير من التعليقات التى اعتبرها قراء الصحيفة خداعًا من روسيا لبلادهم، بينما يرى أخرون أن كثيرًا من الدول تستعد للحصول على هذه المنظومة الروسية للدفاع الجوى، ومنها على الأقل دولة كبرى مثل الهند، ورغم اعتراض الولايات المتحدة على ذلك.

أما موقع «رياتازا» ومن خلال حديث مع المعلق العسكرى، الكسندر إلين، أشار إلى أن تركيا غاضبة لأن روسيا رفضت تسليم تركيا جزءًا من تكنولوجيا صواريخ إس ـ 400، التى تنص عليها صفقة شراء هذه الصواريخ، والتى افترضت تركيا أن روسيا ستمنحها إياها ولو جزئياً.

المقال الذى نشرته صحيفة “ينى أكيت” أثار حفيظة القراء الأتراك الذين أعربوا عن غضبهم معتبرين أن روسيا تريد اقتلاع بلدهم من عضوية الناتو، فيما أبدى البعض ثقة فى قدرات تركيا على تفكيك الصواريخ وتصنيع مثلها، وأثار كذلك حفيظة بعض الخبراء الروس، فقد قال إيجور كوروتتشينكو، مدير مركز تحليل تجارة السلاح الدولية، إن إعطاء تكنولوجيا صواريخ إس ـ 400 لتركيا من الممكن فى إطار العقود التى ستوقع مع أنقرة فى المستقبل، مشيراً إلى أن هذا الأمر يجب أن يكون بالتدريج وسيعتمد على مدى استعداد الصناعات الجوية التركية للعمل مع التكنولوجيا المشابهة.

كانت بعض وسائل الإعلام التركية قد أشارت إلى إمكانية إعطاء جزئى لتكنولوجيا هذه الصواريخ لتركيا، خاصة بعد أن أقصت الولايات المتحدة أنقرة من المشاركة فى تصنيع الطائرة الأمريكية الأحدث إف ـ 35، واعتبروا أن منح روسيا لجزء من تكنولوجيا صواريخ إس ـ 400 هو مجرد تعويض عن إقصاء تركيا من المشروع الأمريكى، لكن الآن أصبح الأمر واضحاً تماماً، ليس هناك خطة لدى روسيا لمنح تركيا تكنولوجيا صواريخها الأحدث فى الوقت الحالى على الأقل، لكن من الممكن أن يحدث هذا فى المستقبل، حيث ستكون التكنولوجيا قد أصبحت من الماضى، وتكون روسيا قد طورت المنظومة بأخرى أحدث، كما تقول بعض المصادر الروسية إس ـ 500.

ويبدو أن الخلاف التركى ـ الروسى قد ترك أثره على استكمال صفقة إس ـ 400، حيث أشار موقع «لينتا رو» الروسى الإخبارى إلى أن استكمال الصفقة توقف مؤقتاً، وأن المرحلة الأولى انتهت، غير أن الموقع لم يستطع تحديد مواعيد لباقى وعدد مراحل استكمال توريدات هذه الصفقة.

على صعيد آخر، دعا المتحدث باسم البيت الأبيض فى الولايات المتحدة، أثناء مؤتمر صحفى، تركيا إلى التخلص من الأسلحة الروسية وإلا فإنها ستتعرض لعقوبات من جانب الولايات المتحدة، وذهب المسئول الأمريكى لأبعد من ذلك، مطالبا تركيا بتدمير الأسلحة الروسية، مشيراً إلى أن وسائل الدفاع الجوى الروسية تهدد طائرات الناتو.

بعض الخبراء يعتقدون أن إردوغان قرر شراء منظومة صواريخ إس ـ 400 بهدف عمل صورة مقلدة منها على الطريقة الصينية، ومن ثم يبدأ فى إنتاج منظومة دفاع جوى خاصة بتركيا، وكان الرئيس التركى فى أخر حديث له قد صرح بأن بلاده تقترب من إنتاج وسائل دفاع جوى من إنتاجها، تؤمن بها احتياجاتها وتبيع للدول الأخرى.

ومن المعروف أن تركيا تطور حالياً صواريخ أرض جو من طراز “سيبر”، وكما يقول بعض الخبراء إنها أقل كفاءة من نظيرتها الصواريخ الروسية. ويفسر الخبراء الزوبعة التى أثارتها وسائل الإعلام التركية حول الحصول على تكنولوجيا بأنها لاستكمال الصناعات التركية فى هذا المجال.

ورغم الجدل الروسى ـ التركى حول التكنولوجيا، فإن أنقرة تسير فى اتجاه أخر، وهو العودة إلى أحضان الحليف القديم فى الناتو ولا تريد القطيعة النهائية معه، أو وفق ما هو ظاهر إلى صفقة إف ـ 35 مع الولايات المتحدة والتى حرمت منها أنقرة بسبب شرائها إس ـ 400. فقد اقترح مستشار الرئيس التركى، إبراهيم قلن، على واشنطن تشكيل لجنة مشتركة مع تركيا لتقييم مدى خطورة الصواريخ الروسية، التى من المفترض أن تبدأ الدفعات الأولى منها العمل فى شهر أبريل المقبل، على الطائرات الأمريكية إف ـ 35، مشيراً إلى أن هذه المبادرة اقترحها الرئيس التركى.

من جانبها، أشارت بعض وسائل الإعلام الروسية إلى أن تركيا هى التى أرادت خداع روسيا بمجرد أن مد الأمريكيون يدهم لها من خلال الاتفاق المتعلق بمناطق شمال ـ شرق سوريا، مما دعا روسيا إلى عقد قمة مع تركيا لمنح تركيا حق دخول شمال ـ شرق سوريا، وهو ما جعل تركيا تؤمن نفسها بطرفى الصراع فى سوريا، وهاهى تقوم بخداع روسيا فى صواريخ إس ـ 400، وهى الصفقة التى يعتبرها الروس خاسرة ومكلفة أكثر منها مربحة، وتحدث كثيرون منهم فى برامج التوك شو، وأشاروا إلى إمكانية أن تمنح تركيا هذه الصواريخ لحلف الناتو، وحينها ستخسر روسيا الكثير من الأموال لابتكار سلاح جديد يحمى سماءها.

وتحاول تركيا الآن ابتزاز روسيا فى معركة إدلب بسوريا، ففى الوقت الذى تحارب فيه سوريا وجيشها وبمساعدة من روسيا أساطين الإرهاب فى سوريا، إذا بأنقرة تثير موضوع (غش روسى) فى صفقة إس ـ 400، فهى من ناحية إذا رضخت لها موسكو ستحصل على أسرار هذه الصواريخ المتقدمة جداً ولو جزئياً، وهذا سيضرب أى صفقات مع دول أخرى مثل إيران أو العراق أو حتى المملكة العربية السعودية فى المستقبل، ومن غير المستبعد إعطاء هذه التكنولوجيا لعدو ومنافس روسيا اللدود فى تجارة السلاح فى العالم الولايات المتحدة.

فى كل الأحوال هناك علاقة شد وجذب بين الحليفين (المؤقتين) فى الأزمة السورية، وأقول مؤقتين، لأن أزمة إدلب كشفت عن الوجه القبيح لتركيا ورئيسها فيما يتعلق بمستقبل سوريا، وكان قبل ذلك الصدام فى ليبيا، غير أن مؤتمر برلين أجل صدام الحليفين، اللذين أحدهما فى الناتو عضو أصيل كامل العضوية والثانى يعتبر الناتو هو العدو اللدود. فهل يستمر هذا التحالف غير المنطقى، أشك. فقد بدأت روسيا تتململ من تصرفات الرئيس التركى غير المنطقية، والذى أنقذته روسيا من انقلاب عام 2016، وربما لسان حالها الآن يقول ليتنى ما فعلت، ورغم علاقات روسيا الفاترة حالياً مع الأوروبيين إلا أنها تستطيع التعامل معهم، أما إردوغان لو تخلت عنه روسيا فسيفقد كل شيء، فهو من ناحية غير مقبول فى أوروبا، ومن ناحية أخرى سيفقد كل الامتيازات التى حصل عليها فى سوريا وفى ليبيا إذا تركه الرئيس بوتين فى مهب الريح وقد يورط بلاده فى حروب لا طائل من ورائها تقضى على الأخضر واليابس فى تركيا، خاصة أن الولايات المتحدة قد تفرض عقوبات عليه قريباً، لن يحتملها مع اقتصاده المهترئ، ومن هذا المنطلق يحاول الآن المناورة بين روسيا وأمريكا، يتحدث عن خداع روسى فى صفقة إس ـ 400، ويدعو لعمل لجنة مشتركة لبحث آثار الصواريخ على طائرات الناتو، أو لدراسة وتفكيك الصواريخ الروسية لإبطال مفعولها.

التعليقات متوقفه