د. عبد الفتاح مطاوع خبير المياه يكتب:سد النهضة فى مجلس الأمن..قراءة سريعة في المذكرة الأثيوبية

1٬969

عندما تلقيت من أصدقائي من كل أنحاء المعمورة، كل من مذكرة التفاهم المصرية لرئيس مجلس الأمن بتاريخ الأول من مايو ٢٠٢٠، و كذلك الرد عليها بمذكرة التفاهم الإثيوبية بتاريخ الرابع عشر من مايو ٢٠٢٠، و قرأتهما بلغتهما الأصلية، تكونت لدى العديد من الملاحظات، أعرضها في السطور القادمة .
بالنسبة للمذكرة المصرية، و لأنني أعتقد أننى كنت طرفاً فى فكرتها منذ عدة سنوات، ولكن لأني لم أكن طرفاً في صياغتها، أظن أن من حقي أن يكون لدى بعض الملاحظات عليها – وكما يقول السادة الحقوقيون و القانونيون – شكلاً و موضوعاً، ولكنني سأكتفي بهذه الإشارة الآن، وربما فيما بعد، وفي مقال آخر قد أتناولها بالشرح والتعليق…و لأن ما يهمنى الآن، هو ما جاء بالرد الأثيوبي على مذكرتنا بمذكرة لمجلس الأمن، فها هي بعض ملاحظاتي وتعليقاتي الأولية على ما جاء بها من أخطاء فادحة ومغالطات وأغلاط وتزييف للحقائق، تؤكد على ما قلناه و نقوله بأن السيناريو الأسود على سد النهضة مؤكد، وأعتقد أن كثيراً من المهتمين والمهمومين منكبون الآن على دراسة النص الأثيوبي للرد عليه.

تواريخ متضاربة بالمذكرة الإثيوبية:
بعد قراءة الجزء الأول من مذكرة التفاهم الإثيوبية المرسلة لأعضاء مجلس الأمن رداً على المذكرة المصرية، والتى تحتوى على ٦٥ بنداً، وعلى الأخص ما جاء بالبند الأول منها الذي يقول : ستعطى هذه المذكرة البيانات و المعلومات الدقيقة ……الخ البند، كذلك ما جاء بالبند الثاني منها ونصه الذى يقول: “إن مشروع سد النهضة الأثيوبي العظيم هو مشروع إثيوبي وطني تحت الإنشاء، بمصادر الشعب الأثيوبي والحكومة الإثيوبية، و بعد إطلاق المشروع (فى عام ٢٠١٠)، دعت إثيوبيا كل من مصر و السودان للمشاورات و بادرت بمجموعة من اللقاءات. و مع هذا فإن التقدم فى المفاوضات تم إعاقته من مصر بأكوام من المعوقات” .
كنت مازلت بالبند الثاني الذى ذكر به خطأ فادح وهو أن تاريخ إطلاق المشروع فى عام ٢٠١٠ وهو ما لم يحدث، و حقيقة الأمر أن هذا الإطلاق حدث فى عام ٢٠١١ وكنت شاهداً على ذلك، فقد كنت المسئول المباشر عن إدارة ملف التعاون مع إثيوبيا و دول حوض النيل و مبادرة حوض النيل و اتفاقية عنتيبى المنقوصة – و التي جاء ذكرهم بمذكرة التفاهم – عندما شرفت برئاسة قطاع مياه النيل لقرابة عشر سنوات انتهت فى الرابع من إبريل ٢٠١١، بعد هجمة إخوانية شرسة لإزاحتي واحتلال المنصب، والإتيان بهشام قنديل وتمكينه من إدارة الملف، بل عفواً تمكينه من تدمير الملف مع من هم على شاكلته قبل وبعد هذا التاريخ، فكيف لمذكرة التفاهم الإثيوبية الرسمية التى تم تقديمها لمجلس الأمن لا تعرف تحديداً ميعاد إطلاق المشروع؟…

أول القصيدة كفر:عندها تذكرت قول المثل المصري الشعبي الشائع “(أول القصيدة كفر)” ، بعدها كنت على وشك إلقاء مذكرة التفاهم الإثيوبية في سلة المهملات، و لكنني قررت الاستمرار في القراءة حتى وصولي للبند الخامس، الذى جاء به أن سد النهضة هو مشروع لتوليد الطاقة الكهربية، وأن بداية عملية الإنشاء كانت خلال شهر ديسمبر ٢٠١٠، و هذا لم يحدث أيضا .
و أثناء مروري على البنود بنداً بنداً ، وجدت سيلاً من المغالطات وعدم الدقة واللياقة فى ذكر المذكرة لبعض الأحداث، وعدم ذكر أحداث أخرى حدثت على مرأى ومسمع من عيون وآذان و كاميرات و ميكروفونات وإعلام العالم، ومن بين ما استرعى انتباهي، عدم وجود أى ذكر للقاء الوفود الثلاثة، ومن بينها الوفد الإثيوبي، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء مباحثات واشنطن، و لقائه مرتين مع وزراء الخارجية ووزراء موارد المياه بدول مصر و السودان و إثيوبيا، و على خلاف لما تناقلته وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية و وسائل التواصل الاجتماعي، والأدهى من ذلك هو عدم اعتراف إثيوبيا بنتائج مباحثات واشنطن ونتائجها، و كأنها ذهبت للنزهة والدردشة والفرفشة، ثم غابت عن اجتماع التوقيع، و بناء عليه فإن ما حدث هى غير ملتزمة به.

تطورات سد إكس:
عند وصولي للبند رقم ٢٥ من المذكرة وجدته يقول:
بعد عملية الإطلاق الرسمي للمشروع (في إبريل ٢٠١١) اقترحت إثيوبيا تشكيل لجنة ثلاثية، و التي قادت الى تشكيل لجنة الخبراء الدوليين فيما بعد .
هنا يبدو أن مذكرة التفاهم تم إعداد أجزائها و مكوناتها من خلال عدة مجموعات عمل منفصلة من الصقور لا علاقة بينها، ثم انتهت بعملية قص و لزق و لم يتم مراجعة الأجزاء بعد تجميعها مرة أخرى من مجموعات العمل.
فعلى الرغم من صحة تاريخ إبريل ٢٠١١ الوارد هنا بالمذكرة، إلا أن ذاكرة المعدين لها أشبه بذاكرة السمكة، حيث لم يذكروا أن رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل ميليس زيناوي، كان قد أعلن عن إنشاء سد إكس بتاريخ ٢٨ فبراير ٢٠١١، و تلى ذلك الإعلان عن تسمية جديدة في مايو ٢٠١١ – فى أعقاب الاحتفال بذكرى التوقيع على اتفاقية عنتيبى المنقوصة – كسد بوردر أو سد الحدود ثم سد النهضة ثم سد النهضة الأثيوبي العظيم، و مع كل تسمية جديدة فى عام ٢٠١١ كان يتم الزيادة فى حجم السد و سعته التخزينية للمياه.
وعلى عكس ما جاء بالمذكرة فى بندها السادس، أن الزيادة فى حجم السد و حجم السعة التخزينية كانت مبنية على أساس تعظيم توليد الطاقة و هيدرولوجيا النهر و التغيرات المناخية، و أن مصر وافقت على سعة ٧٤ مليار م٣ فى عام ٢٠١٣ – ولم تذكر أثيوبيا الحقيقة في أن هذه التوسعات تمت دون دراسات كافية، ودون تشاور، الأمر الذي دفع اللجنة الوطنية الثلاثية (المصرية السودانية الإثيوبية) إلى المطالبة باللجوء للجنة خبراء دولية، تلك التي ظلت تتدارس وضع السد أعوام ٢٠١١ و ٢٠١٢، وأصدرت تقريرها الخطير في مايو ٢٠١٣ الذي يقر بنقص الدراسات وأن التوسعات تمت دون دراسات كافية، وأن الدراسات الخاصة بالتغيرات البيئية بعد إنشاء السد لم تتم، والخاصة بأمان السد بعد إنشائه وتشغيله، وكيف أنها (إثيوبيا) ظلت ترفض تقارير ودراسات اللجان والخبراء بعد ذلك، وتعرقل بكل الطرق إمكانية وصول المفاوضات لنقاط التقاء عادلة، تحمي مصالح دول المصب، وتحافظ على تدفق مياه النيل من جهة وتحافظ على أمان السد من جهة أخرى.

مذكرة إثيوبيا تريد البدء من الصفر:
ومع استمراري في قراءة باقى بنود المذكرة الإثيوبية، وجدت العديد من الأغلاط و التجني على مصر، و لكن ما استرعى انتباهي هو ما ذكر بنهاية المذكرة فى بندها الخامس و الستين، ففيها تطلب إثيوبيا من المجتمع الدولي تشجيع مصر على العودة لمائدة المفاوضات، بينما ما تم ذكره بنهاية مذكرة مصر لرئيس مجلس الأمن في بندها الثامن و الثلاثين، كان طلب مصر من المجتمع الدولي تشجيع إثيوبيا على إعادة النظر فى موقفها، و أن تقبل باتفاق واشنطن لملء وتشغيل السد، والذي يمثل آخر مشوار طويل من المفاوضات، ووصل إلى نقاط اتفاق في موضوعات الملء الأول والتشغيل وفقاً لحالة المطر والفيضان وحالات الجفاف والجفاف الممتد، والذي تم أمام العالم، وتهربت إثيوبيا من التوقيع عليه.
تريد أثيوبيا أن تقنع العالم بأنها لم تعرقل المفاوضات، وأن مصر هي التي كانت تعرقل عملية الوصول لاتفاق، فهل تستطيع؟ وتريد أن تقنع العالم أن اتفاق واشنطن لا لزوم له، فهل تستطيع؟
والسؤال العملي هو:
بعد إرسال كل من مصر وأثيوبيا بالمذكرات إلى مجلس الأمن، هل بمقدور إثيوبيا أن تتجاهل العالم؟ وأن تبدأ عملية الملء الأول لبحيرة السد دون اتفاق؟
هل تستطيع؟
*بقلم: الدكتور عبد الفتاح مطاوع خبير المياه

التعليقات متوقفه