فشل المؤسسات الدينية في تجديد الخطاب الديني..باحثون في الشأن الإسلامي: خيوط المشهد الديني في قبضة الجماعات السلفية

ماهر فرغلى: إخراج إصدارات جديدة للرد على الفكر المتطرف ضرورة

890

عمرو عبد المنعم: دمج العلوم الحديثة في مناهج التربية الدينية.. والاهتمام بالفن الأخلاقي

اعترف الازهر على لسان شيخه الامام أحمد الطيب بفشل مؤتمرات الخطاب الدينى إلا أنه برر هذا الفشل بالظروف التى يمر بها العالم خلال السنوات الاخيرة،الامر الذى اثار حفيظة المهتمين والباحثين حول كيفية مواجهة الفكر المتطرف وتنقية الكتب الفقهية  والتراثية للوصول إلى خطاب دينى جديد يتماشى وطبيعة العصر فكان هذا التحقيق   

من جانبه أكد وليد البرش الباحث في شئون الحركات الإسلامية، أن فكرة اعتراف الإمام الأكبر بفشل المؤتمرات التي كانت تقوم بها المؤسسات الدينية لعملية تجديد الخطاب الديني خطوة رائعة ويتبعها خطوات أخرى، لافتًا إلى أن تحديد مصطلح تجديد الخطاب الديني يعني أن هناك ممارسات فقهية كثيرة تمت في العصور السابقة، ثم ثبت خلال هذه الأيام أن تلك الممارسات كانت خاطئة، مؤكدًا أننا نريد تنقية الدين من هذه الممارسات الخاطئة التي ظنها الناس أنها دين وتعايشوا معها؛ فترسخت عبر القرون لدي المجتمعات أنها الدين الإسلامي نفسه.

وأضاف البرش للاهالي، أن هناك قضايا جديدة لم يدل الأزهر والبحوث الإسلامية بدلوهم فيها، وإنما أدى فيها جماعات إرهابية رأيهم كمسألة الإنتماء الوطني والإنتماء الديني، وهل يقاتل الكافر لكفره أم لمحاربته؟، وهل الجزية موجودة في الوقت الراهن لوجود نظام المواطنة، وكثيرًا من القضايا التي يجب أن تجيب عليها المؤسسات الدينية.

وقال: الباحث في الشئون الإسلامية، إن رياح التغيير سوف تهب من الشرق، وأراهن على تجديد المملكة العربية السعودية للخطاب الديني أولًا ثم يتبعها بعد ذلك تجديد مصر والدول الأخرى للخطاب، خاصة أن خيوط المشهد الديني في السعودية في يد القادة، عكس ما يحدث في مصر من تماسك الجماعات السلفية وانصار السنة والإخوان للخيوط الدينية.

وأوضح أن هناك عددا كبيرا من المساجد خارج سيطرة الأوقاف رغم إعلان الوزارة ضم المساجد والزوايا تحت قبضتها بعد ثورة يونيو؛ إلى جانب العجز الكبير في الآئمة، مؤكدا أن الدعوة السلفية في الاسكندرية والمنصورة ومطروح تعمل بشكل كبير، إلى جانب عرقلة قانون الإفتاء وعدم خروجه للنور حتى الآن.

وفي السياق ذاته قال سامح عيد الباحث في شأن الحركات الإسلامية، إن الإعتراف بفشل المؤتمرات التي كانت تقوم بها المؤسسات الدينية من قبل لعملية تجديد الخطاب الديني خطوة جيدة، ولكن تأخر كثيرًا، خاصة بعدما اعترف الإمام محمد عبده بهذا الحديث من قبل بسبب فشل عملية التجديد، الأمر الذي جعله ينشأ “مدرسة القضاء الشرعي” وهي مدرسة مستقلة عن الأزهر ولكنه توفي في عام 1905 قبل انطلاقها، ما جعل سعد زغلول ينفذها عام 1907، وجعلها تتبع وزارة المعارف حتى لا تقع تحت إشراف الأزهر وسيطرته، وكانت مناهجها قائمة على الفلسفة واللغة الإنجليزية، والترجمة وقراءة الأفكار الغربية، وتخرج منها أمين الخولي وأبو زهرة ، واستمرت حتى عام 1930 رغم مهاجمة الأزهر لها طوال هذه السنوات، وبعد وفاة سعد زغلول تم إلغاء هذه الأفكار وغلق مدرسة القضاء الشرعي.

وأضاف سامح عيد، أن الأزهر مناهض لأي عملية تجديد، خاصة أنه مخترق من قبل الجماعات، ومناهجهه محل شك.

وأكد أن عملية تجديد الخطاب الديني تبدأ بإلغاء التعليم ما قبل الجامعي، وتوحيد المناهج في المرحلة الثانوية، خاصة في ظل غياب عملية الفرز التي تتم في المرحلة الإعدادية مقارنة بالتعليم العام، الأمر الذي يجعل طالب الــ 50%، يلتحق بكلية دراسات إسلامية وأصول دين ويتخرج شيخًا، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات، فكيف يكون للطلاب الأقل تحصيلًا في الدرجات وغير المؤهلين، بتصدر المشهد الديني، والإفتاء بغير علم ومخاطبة الجمهور والصعود للمنبر.

هذا إلى جانب نسب الرسوب العالية، وتحويل أعداد كبيرة من الأزهري إلى العام.

وتابع أن من أولى خطوات تجديد الخطاب الديني أيضًا تنقية الصف الأزهري من الجماعات الإخوانية والسلفيين، مشددًا على ضرورة دراسة الأزهر للعلوم الإنسانية بجانب العلوم الدينية، كالفلسفة واللغة وعلم نفس ومقارنة الأديان، فضلًا عن وجود لجنة لمراجعة المناهج بشكل دوري تحت إشراف مفكرين وفلاسفة وعلماء نفس واجتماع، حيث تشمل اللجنة جميع التخصصات لخروج المناهج بشكل سليم، فضلًا عن تأهيل المعيدين والمدرسين أنفسهم لهذه المناهج، من خلال دورات تأهيلية ومتابعتهم بشكل دوري.

وذكر الباحث في الشئون الإسلامية، ضرورة السماح للمسيحيين والا دينيين واللاهوت الدراسة في الأزهر، كنوع من أنواع عملية التجديد، خاصة أن هناك أعدادا كبيرة من الغربيين يريدون دراسة الدراسات الدينية، مما يؤثر بشكل كبير على الذين يُدرسون للطلاب في جميع الكليات الأزهرية، حتى نخرج أجيالا لديها عقلية نقدية.

الأزهر والفكر المتجمد

بينما أكد ماهر فرغلي الباحث في الشئون الإسلامية، أن الأزهر يحاول أن يبعد المشكلات الخاصة بفشل المؤتمرات عنه ، ويؤكد عدم قدرته على الحل، وملامسته للمشكلات الخاصة بالمجتمع والتي من المفترض أن تنحل من قبل المؤسسات الدينية.

وقال فرغلي: “إن الإمام الطيب قال ولم يقل شيئًا”، حيث قال عن التجديد ولم يفعل أي شئ، ولكنه برر فكرة عدم التجديد فقط، ولم يقل أي شيئًا ذا قيمة في عملية تجديد الخطاب الديني.

وأضاف: أن الأزهر يمتلك مزانية ضخمة تتعدى المليارات؛ فهي تفوق ميزانية التعليم والصحة معًا، بجانب امتلاكه هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، ورئاسة لجنة حكماء المسلمين في الإمارات، كما يمتلك كل المؤسسات الدينية في العالم، ورغم ذلك لم يفعل شيئًا واحدًا يجدد به الخطاب الديني، موضحًا أن أولى الخطوات هي تطوير التعليم الأزهري، وإخرج إصدارات جديدة للرد على الفكر المتطرف وداعش.

متسائلًا: هل تطوير الفقه الديني وتجديده وإلغاء أحاديث الآحاد والأحاديث الموضوعة تحتاج إلى ملامسة المشكلات الخاصة بالمجتمع، كما أشار الطيب؟. لافتا إلى أن الأزهر ليس لديه خيال للتطوير ولكنه يجمل فكرا متجمدا للحالة.

وشدد على ضرورة إصلاح المؤسسات الدينية، وإعادة كتابة السيرة النبوية بشكل صحيح، علاوة على إخراج انتاجات فكرية كثيرة.

التعريف بعملية تجديد الخطاب

أما عمرو عبد المنعم الباحث في الشؤون الحركات الإسلامية، قال إن هناك طبقة من رجال الدين لديها جمود في التصرف مع قضايا واقع المسلمين، وفي المقابل هناك تيار من رجال الفكر والثقافة يرى عدم وجود دور لرجال الدين من الأساس، ومن هنا يتحفز كل منهما على لرأيه .

ولفت إلى أن أي مؤتمر لتجديد الخطاب الديني يعتبره رجال الدين الأصوليون تبديدا، ويعتبره المثقفون والمفكرون تحديثا، وما بين التحديث والتجديد ، وبين التبديد والرفض تظل معركة المجددين والمحافظين قائمة منذ قرن من الزمان.

وشدد عبد المنعم على ضرورة معرفة ما هو التجديد، ومن ثم ما هو المطلوب في عملية تجديد الخطاب الديني، خاصة في ظل عدم الإفصاح بتلك التعريفات والمصطلحات المهمة.

وقال: إن هناك إشكالية كبيرة تتلامس مع المجتمعات المختلفة خاصة في ظل عدم التعريف بعملية التجديد نفسها؛ وهل هي في الأصول أم في الخطاب الدعوي، مؤكدًا أن الجماعات المتطرفة نجحت بشكل كبير في الخطاب بصناعة المتلقي.

وشدد على ضرورة دمج العلوم الحديثة في مناهج التربية الدينية، والعلوم الاجتماعية وعلم الاقتصاد والقانون، وعلم الاجتماع والنفس،  بالإضافة إلى الفلسفة واللغات الأخرى، إلى جانب الفن والدراما بمعناها الراقي والأخلاقي.

تعليق
  1. الديوانى يقول

    فشل المؤسسة الدينية (الأزهر) فى “تجديد الخطاب الديني” يعنى انه حاول ولكنه فشل ! الحقيقة ان الازهر لم يري من البداية ان الخطاب الديني يحتاج الى “تجديد”. الارثوذكسية تعتبر فى صميم كيان الموسسات الدينية (فى جميع الاديان والملل والذي يفسر الانشقاقات الطايفية فى جميع الاديان). الكنيسة الكاثوليكية ربما تكون افضل مثال على تجديد الخطاب الديني ولكن الفرق ان “التجديد” حدث استجابة للتغييرات فى المجتمع على مر العصور. بمنتهى الوضوح ان الفاتيكان لم يقود المجتمعات التى تواجد بها نحو التغيير بل على العكس ، التغيرات فى المجتمعات الاوروبية فى “عصر النهضة” فرضت نفسها على الفاتيكان ودفع الكنيسة الكاثوليكية الى التغاضي عن كثير من ممارست اثناء العصور الوسطي. على سبيل المثال حارب الفاتيكان البروتوستانتينة نتيجة اعتراضها على صكوك الغفران واعتراضها على ترجمة الانجيل من اللاتينية الى اللغات المحلية. فى النهاية تراجعت الكنيسة الكاثوليكية عن تلك الممارسات ولكن الدافع لم يكن القناعة بخطأ تلك الممارسات فى حينها. الدافع الرييسي كان المحافظة على نفسها كموسسة دينية بعد التصدعات التى ظهرت واستمرت منذ بداية عصر النهضة. الخلاصة انه من السذاجة الاعتقاد ان الموسسة الدينية هى التى ستقود المجتمع الى التغيير نحو مجتمع بعيدا عن التطرف الديني (ناهيك عن التعصب الديني). قد يتذكر البعض تصريحات وزير اوقاف سابق وصف فيها الاقباط (المسيحيين بصفة عامة) انهم “كفرة” ولم يتراجع او يعتذر عن تلك التصريحات. الحقيقة ان السيد الوزير لا يحتاج ان يعتذر عن شيء فى صميم معتقداته وتفسيراته للمراجع الدينية التى أفتى بها علماء الدين على مر العصور. بالطبع هناك دايما خطر الانزلاق الى الحوار الديني-الديني او حتى الديني-العلمانى (الذي يمكن وصفه بحوار الصم والبكم). الاصلاح لن يكون ب “تجديد الخطاب الديني” ولكن الاعتراف بانه يحق لاي فرد ان يعتقد ما يعتقد طالما انه لا يخالف القانون مثل التحريض على العنف. على سبيل المثال عندما يصعد احد أئمة الازهر الى المنبر اثناء صلاة الجمعة ليعلن على الملاء ان احد الاعلاميين “مرتد” كان يجب محاكمته بتهمة التحريض على العنف (نفس التهمة التى وجهت الى الشيخ الضرير عبد الرحمن فى نيويورك وحكم عليه بالسجن). بالمثل كان يجب محاكمة الشيخ الغزالى بنفس التهمة عندما ادلى بشهادته فى دفاعه عن قتلة الكاتب فرج فودة بانه فى حالة تخاذل الدولة عن القيام بهمته يحق للمؤمن ان ياخذ الامر بأيديه بقتل المرتد. لا جدوي من الجدل حول مصداقية الشرع فى “حل دم المرتد” ؛ يحق لكل فرد او جماعة ان تؤمن ما تؤمن به. القانون لا يعتد بما يؤمن به الفرد ولكن ما يرتكبه. القتل تحت اي مزاعم دينية او غير دينية ضد القانون فى جميع دول العالم. بعض الحقيقة ان بعض دول العالم تشدد العقوبات اذا كانت الجريمة نتيجة ل “الكراهية” او ما تسمي Hate Crime.

  2. الديوانى يقول

    بدلا من محاولة “تجديد الخطاب الديني” يكون بالاحري للحكومة …
    وقف تغلغل الموسسات الدينية الى نظام التعليم فى جميع مراحله. هذا ما حدث فى باكستان وافغانستان عندما قامت السعودية بتمويل التعليم الديني “المدرسة” حيث يقوم التلاميذ حفظ القران منذ نعومة الاظافر حتى بدون فهم اي شيء (تستعمل باكستان الحروف العربية لكتابة اللغة الاوردية). بالطبع النخبة الحاكمة فى باكستان لم تأبه بتبعيات التعليم الديني وربما رحبت به طالما ان هناك من سيتحمل نفقاته (السعودية). “الدين” فى كثير من المجتمعات والعصور استخدم مثل الأفيون لتخدير الشعوب لتحمل معاناتهم (وكورة القدم لغير المتدينين). فى مصر اليوم هناك ما يقرب من ٢٢٠٠ معهد أزهري الغالبية العظمي ترسل ابناؤها الى تلك المدارس لتلقى تعليم أولى يضمن شهادة جامعية (خارج منظومة التعليم الميري). بالطبع الغالبية العظمي من خريجي المعاهد الازهرية اشخاص عاديين ولكن هذه المعاهد توفر ايضا التربة الخصبة والمناخ لتفريخ اقلية من الافراد مشحونين بالتعصب الديني والتطرف. كما اقترح احد الباحثين فى المقال يجب ان تتبع تلك المعاهد اداريا لوزارة التربية والتعليم وجامعة الازهر لوزارة التعليم العالى (ربما باستثناء دراسات الفقه).

  3. الديوانى يقول

    هل اصبح الأزهر “دولة داخل دولة” ؟
    فى الاونة الاخيرة ، ربما بسبب الجائحة ، توقفت زيارات شيخ الازهر الى العواصم الاوروبية وكثير من دول العام مثل دول الخليج حيث استقبل فيها كرييس دولة. ولكن هذا لم يمنع الازهر من اصدار بيانات سياسية يحاول فيها موازنة موقف الازهر مع موقف الحكومة المصرية تجاه تلك الاحداث. على سبيل المثال تعامل الصين مع الاقلية المسلمة تستنكرها العواصم الاوروبية بصفة دايمة كخروقات لحقوق الانسان (حتى ولو كانت لاعتبارات سياسية فى المكان الاول). وبالمثل استنكار الفظايع التى ارتكبتها الحكومة العسكرية فى ميانمار ضد الاقلية المسلمة. لم نجد فى عناوين الصحف استنكار من الازهر يتناسب مع تلك الاحداث. بالمقارنة استنكر الازهر بشدة قرار الحكومة الفرنسية بوضع ضوابط حول الاجانب الذين ترسلهم جهات اجنبية للتدريس فى المعاهد الاسلامية فى فرنسا حتى لا تصبح فى المستقبل معامل تفريخ للارهاب كما يحدث فى باكستان وافغانسان. بالطبع عناوين الصحف فى مصر تحكمه الحكومة وبالتالى لا يعكس بالضرورة موقف الازهر تجاه الاحداث العالمية ولكن يمكن القول بصفة عامة انخراط الازهر فى العمل السياسي على عكس معظم الموسسات الدينية حول العالم (مثل الفاتيكان والكنيسة القبطية) التى تتحاشي بقدر الامكان الانخراط فى العمل السياسي. بمعنى اخر الالتزام بمبدا فصل الدين عن الدولة. الجدير بالدراسة كيف تحولت مصر من دولة علمانية الى دولة دينية فى العقود الاخيرة واذا كان هذا التحول عن عمد او نتيجة لغفلة النظام الحاكم ؟

  4. الديوانى يقول

    ايعاز جميع المشاكل الى “قبضة الجماعات السلفية” تعتبر محاولة يائسة لخلق اطياف داخل “الاسلام السياسي” او بمعنى اخر حصر المشكلة الى جماعة او جماعات تتيح لبعضها استخدام اصطلاحات مثل “الوسطي” او “الاعتدال” لوصف نفسها. على سبيل المثال لفترة طويلة كانت “القاعدة” تمثل التطرف الاسلامي حتى ظهور “القاعدة فى العراق” التى اعتبرتها حتى القاعدة متطرفين. فى سوريا وبعد مقتل ابو مصعب الزرقاوي انقسمت الجماعات الاسلامية التى دعمتها السعودية وتركيا الى داعش (دولة الخلافة الاسلامية فى العراق والشام) التى قامت بغزو واحتلال شمال شرق سوريا وغرب العراق (ومن ضمنها الموصل) و “المعتدلين” تحت عدة مسميات مثل “النصرة” وغيرها والتى فى النهاية تمثل القاعدة. الخلاصة ان هناك علاقات وثيقة داخل الاسلام السياسي تشجع التطرف حتى يمكن للبعض وصف انفسهم بالمعتدلين (مثل الاخوان المسلمين).

التعليقات متوقفه