العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا … الموقف يتجه نحو إطالة أمد الصراع

الرئيس بوتين لا يمانع فى قبول متطوعين للحرب إلى جانب روسيا..ووزير الدفاع تلقينا 16 ألف طلب تطوع معظمها من الشرق الأوسط

164

يبدو أن العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا ستطول وقد تتحول لحرب مزمنة، فقد أطلقت القيادة الروسية عليها عملية نظراً لأنها كان من المفترض أن تكون خاطفة، تقوم القوات الروسية باحتلال العاصمة الأوكرانية كييف فى أيام معدودة، ثم الجلوس لطاولة المفاوضات وتتمكن روسيا من تحقيق أهدافها من العملية أو إجبار الجانب الأوكرانى على ذلك، من خلال فرض الشروط التى حددها الرئيس بوتين مع انطلاق العملية، وهى: الاعتراف بسيادة روسيا على القرم،  نزع سلاح أوكرانيا، الاعتراف بجمهوريتى دنيتسك ولوجانسك الشعبيتين، وتعديل الدستور الأوكرانى بحيث يتم تجريم التيارات القومية المتطرفة أو الفاشيين الجدد كما أسماهم الرئيس بوتين، وحياد أوكرانيا وعدم انضمامها لحلف الناتو، وهناك شرط يتعلق بالكنيسة الأرثوذكسية وضرورة عودتها لتبعية الكنيسة الأم فى موسكو.

د. نبيل رشوان

لو سارت العملية كما كان مخططا لها، وهى السرعة ربما تحققت الشروط الروسية بأسرع ما يمكن، وهدأت الأمور ولما تفاقمت العقوبات الغربية التى وصلت إلى مقاطعة المحروقات الروسية من نفط وغاز، رغم الأزمة التى يشهدها العالم فى ظل جائحة كورونا، ولكان لدى القيادة الروسية فسحة من الوقت والظروف لمعالجة الموقف مع الغرب بصفة عامة والناتو والولايات المتحدة بصفة خاصة فى إطار عملية سياسية دبلوماسية. لكن على يبدو أن نقصاً فى المعلومات أو عدم تقدير للموقف هو ما جعل العملية تتعثر وتطول.

صدام.. غير مرغوب

هذا من ناحية، لكن من ناحية أخرى، وكما يبدو من سير العمليات، على ما يبدو أن القوات الروسية لا تريد أن تتوغل فى عمق الأراضى الأوكرانية حتى لا تبتعد كثيراً عن خطوط إمداداتها وهى تقاتل فقط فى المناطق التى لها حدود مشتركة مع روسيا أو بيلاروسيا، فهى لن تقاتل فى غرب أوكرانيا المحاط بدول حلف الناتو حتى لا يحدث صدام مع الحلف، فروسيا فى غنى عنه الآن، خاصة أن الولايات المتحدة تدعم حالياً دول الحلف، ولا ترغب روسيا ولا الحلف فى صدام كهذا، كما أن صدام مثل هذا سيطلق يد الحلف لمساعدة أوكرانيا ويمكن الدخول إلى جوارها للحرب، بشكل مباشر وليس على استحياء كما يحدث الآن.

سياسة داخلية وخارجية

روسيا من خلال عمليتها فى أوكرانيا كما يقول بعض المراقبين من داخل روسيا تريد إعادة أوكرانيا إلى سياسة داخلية وخارجية مستقلة وبما لا يضر بأمن وسلامة جيرانها أى أمن أوكرانيا يجب أن يكون من أمن جيرانها وعلى رأسهم روسيا، صاحبة أطول حدود معها، وأشارت وسائل الإعلام الروسية إلى أن واشنطن لم تحدد ماذا تريد من أوكرانيا وأشارت إلى تعليق نائب رئيس مجلس الفيدرالية الروسى، كونستنتين كوساتشيف، على خطاب الرئيس بايدن الذى أعلن فيه عن مقاطعة بلاده لاستيراد النفط والغاز الروسيين كنوع من العقوبات، والذى قال فيه إن روسيا تريد أن تسيطر على أوكرانيا ونفى ذلك بشدة، وأرجع هذا إلى ظاهرة عدم الثقة التى أصبحت مزمنة بين موسكو وواشنطن.

عملية وقائية

وكشفت وسائل إعلام روسية، عن أن العملية العسكرية الروسية، كانت عملية وقائية، لأن القيادة الأوكرانية قررت الهجوم واجتياح الدونباس فى مارس الجارى، معتبرة أن العملية العسكرية الروسية الحالية ما هى إلا عملية وقائية لحماية المواطنين الروس والناطقين بالروسية فى الدونباس، وكشفت وزارة الدفاع الروسية عن وثائق تثبت أقوالها مؤكدة قولها، وأشارت وسائل الإعلام إلى قول الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، إيجور كوناشينكوف، أن الوثائق المتعلقة بهذا هى فى حوزة القوات الروسية وحصلت عليها أثناء العملية العسكرية التى تقوم بها موسكو حالياً فى أوكرانيا، من بعض المواقع الأوكرانية المتاخمة للدونباس.

أبحاث بيولوجية

تحدث الجانب الروسى كذلك عن معامل أمريكية خاصة بأبحاث بيولوجية الهدف منها نشر أمراض وبائية خطيرة على الجانب الروسى من الحدود، وكما ذكرت السلطات الروسية إنها حصلت على هذه المعلومات من أشخاص كانوا يعملون فى هذه المعامل، وكما ذكر الجانب الروسى الهدف من هذه المعامل هو نشر أمراض عن طريق الطيور والزواحف والخفافيش والطيور بصفة عامة، هذه بالطبع أنباء خطيرة إذا استخدمت كذلك ضد القوات الروسية الموجودة حالياً فى أوكرانيا، وليس بعيداً عن أسلحة الدمار الشامل كذلك هو الموقف فى محطة تشيرنوبل النووية، حيث تحدث الجانب الأوكرانى عن انقطاع الكهرباء عن أماكن حفظ النفايات النووية، ومن ثم وسائل تبريد هذه المخازن مما قد يؤدى إلى انبعاثات إشعاعية ستكون ضارة لأوكرانيا وروسيا وأوروبا بصفة عامة، واتهمت روسيا القوميين الأوكران بتوجيه ضربات للمحطة المغلق أحد مفاعلاتها منذ عام 1986.

مفاوضات.. ولكن

لكن أهم حدث على طريق الحل الدبلوماسى للأزمة الأوكرانية الروسية، كان اجتماع أنطاليا بين وزيرى خارجية روسيا سيرجى لافروف ونظيره الأوكراني دميترو كوليبا، لكن الاجتماع لم يتمخض عن نتائج جوهرية تساعد على حلحلة الأزمة، وزير الخارجية الأوكرانى فى مؤتمره الصحفى أشار إلى أن روسيا تريد استسلام بلاده لشروطها، وأوكرانيا تريد التفاوض من أجل التوصل إلى حل متوازن حسب قوله، بينما أعرب لافروف عن رغبة بلاده فى رؤية أوكرانيا دولة مسالمة منزوعة السلاح ولا تنضم لأى أحلاف وحريصة على أمن روسيا، على أى حال اتفق الطرفان فقط حول الممرات الآمنة للسكان المدنيين، وحتى فى ذلك لافروف قرر الرجوع لقيادته فى موسكو، وتبين فيما بعد أن روسيا قررت فتح ممرات بشكل يومى من العاشرة صباحاً حتى وقت متأخر من النهار لكنها تؤدى إلى روسيا هو ما أثار حفيظة الجانب الأوكرانى، لكن تم على ما يبدو تجاوز هذا الخلاف.

وحول حادث قصف مستشفى ولادة فى مايريوبل قال وزير الخارجية الروسى إن المعلومات التى كانت لدى القوات الروسية أن مستشفى الولادة يحتلها ما يعرف “بفيلق الأوزف” المكون من قوميين أوكران متشددين. وربما كانت النتيجة الإيجابية الوحيدة لهذا الاجتماع هى اتفاق الطرفان على استمرار الاجتماعات سواء على مستوى مجموعة العمل فى بيلاروسيا أو على مستوى وزيرى الخارجية. تشير الأنباء كذلك إلى نشاط صينى فى محاولة لوقف العمليات العسكرية، رغم انضمام الصين جزئيا للعقوبات الغربية برفضها بيع روسيا قطع غيار طائرات (بوينج وأيرباص)، وهو ما يوحى بأن بكين ربما تكون متحفظة على العملية العسكرية الروسية.

 وتواترت أنباء كذلك عن مواصلة كل من المستشار شولتز والرئيس ماكرون الاتصالات مع الرئيس بوتين، فيما تحدث البعض عن وساطة من المستشار الألمانى الأسبق جيرهارد شرودر، عضو مجلس إدارة شركة غاز يروم عملاق الغاز الروسى، وتشير الأنباء إلى اجتماعه فى موسكو بالرئيس بوتين.

تطور العمليات

فى تطور جديد للعملية العسكرية، تعرض مطار عسكرى أوكرانى للقصف لأول مرة بصواريخ روسية عن بعد فى أقصى غرب أوكرانيا وبالتحديد فى مدينة أيفانوفرانكوفسك، ومطار عسكرى آخر فى مدينة لوتسك فى نفس المنطقة، وفى تصور الخبراء قصف هذا المطار قد يكون فى إطار توجيه إنذار شديد اللهجة لحلف الناتو والدول الداعمة لأوكرانيا بعدم إرسال متطوعين أو معدات عسكرية لأوكرانيا عن طريق مطارات هذه المنطقة الغربية الهادئة نسبياً ولم تطالها العمليات العسكرية، لأن روسيا ربما أرادت أن تعطى فسحة لخروج اللاجئين الأوكران لدول الجوار وكما قلت لا تريد فى الوقت الحالى توسيع الجبهة.

الموقف بصفة عامة هو سيطرة روسيا بالكامل على مدينة خيرسون، والتفت حول خاركوف ثانى أكبر المدن، مع حصارها وقصفها المستمر وهناك مخاوف من أزمة نووية فيها نظراً لوجود معهد أبحاث نووية قد تكون به بعض النظائر المشعة، وتعمقت القوات الروسية فى مدينة ماريوبل لمسافات قليلة وهى المدينة المحاصرة منذ أثنى عشر يوما، والواقعة على بحر الأزوف وهى ميناء ومدينة صناعية هامة، وتأتى فى إطار محاولة روسيا السيطرة على الساحل الجنوبى وصولاً إلى شبه جزيرة بطريق برى.

اجتماع مصغر

  على الجانب الروسى وفى اجتماع مصغر للحكومة الروسية، حذر الرئيس بوتين من تضخم قادم، وارتفاع لأسعار المواد الغذائية ليس فى روسيا وحدها ولكن فى العالم ووعد بمحاولة تخطى العقوبات الروسية وأشار إلى أن خط الغاز المار عبر الأراضى الأوكرانية يعمل بكامل طاقته، وانه ممتلئ بنسبة 100%، وفيما يتعلق بتوقف الولايات المتحدة عن شراء النفط  والغاز الروسيين، وقلل الرئيس بوتين من أهمية ذلك بقوله إن الولايات المتحدة لا تستورد سوى 2% فقط من صادرات النفط الروسية، وحذر الرئيس بوتين من ارتفاع أسعار الأسمدة التى تعتبر روسيا وحليفتها بيلاروسيا من أكبر مصدريها فى العالم، وفى إطار الإشارة إلى صحة قراره ببدء العملية العسكرية قال الرئيس الروسى إنه سواء قام بالعملية العسكرية أم لا كانت ستفرض هذه العقوبات على روسيا وذلك فى رد على من يقولون إن العملية العسكرية تسببت فى عقوبات قاسية على بلاده.

تطور جديد

أما التطور الجديد وعلى خلفية إعلان الكرملين عن أنه من غير المستبعد أن يلتقى الرئيس بوتين نظيره الأوكرانى زيلينسكى، نجد أنه وبعد أن أعلن هذا الأخير عن استعداد بلاده لاستقبال متطوعين من مختلف دول العالم لقتال القوات الروسية فيما أطلق عليه “الفيلق الدولى”، أعلن الرئيس بوتين عن أنه مستعد أيضاً لقبول متطوعين من دول العالم وخاصة من سوريا، على أن يكونوا متطوعين وليس مقابل أموال، فى نفس الوقت تقريباً أعلن وزير الدفاع الروسى، وفى السياق نفسه أن بلاده تلقت 16 ألف طلب للتطوع للقتال إلى جانب الجيش الروسى للقتال فى أوكرانيا، معظمهم من الشرق الأوسط. على أى حال على الأرض لم يظهر أى شئ حتى الآن.

 

التعليقات متوقفه