ضد التيار
القرار كان هو الاختيار
أمينة النقاش
أما “القرار” الذى يرمى إليه صناع الجزء الثالث من مسلسل الاختيار، وضمنوه فى عنوانه، فهو موقف الجيش، الذى كان قد سلم تحت وطأة ضغوط عاتية، بفوز مشكوك فى نزاهته لمرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور ” محمد مرسى ” فى الانتخابات الرئاسية . وجاء” التسيلم “بذلك، بديلا لحرب أهلية هددت جماعة الإخوان بإشعالها فى حال الغاء نتائج الفوز، كما بدا ذلك جليا فى اللقطات التسجيلية الفريدة، التى انطوى عليها المسلسل .وقد وظف تلك اللقطات بفنية وذكاء ووعى ، جيش من الموهوبين فى الكتابة والإخراج والتمثيل والموسيقى التصويرية والتصوير ومختلف العناصر الفنية ، لتخرج أحداثه بشكل شديد التأثير والتشويق والجمال، وقبل كل هذا وبعده ، بأدلة ثابتة للإقناع .
تحمل الجيش بقيادة المشير”طنطاوى “على مدى نحو اثنى عشر شهرا، منذ تنحى الرئيس مبارك ، كذب ومرواغة ومؤمرات جماعة الإخوان ، وانتهازية بعض القوى السياسية المدنية التى تحالفت معها وباتت ذيلا لها، فساهمت فى رسم الصورة التى روجتها الجماعة عن نفسها أمام المصريين والقوى الدولية التى تدعم صعودها إلى السلطة ، باعتبارها قوى مدنية ذات مرجعية إسلامية، تسعى للمشاركة فى السلطة ، وليس احتكارها ، كما زعمت . وأكد هذا الزعم ،إعلان الجماعة أنها لن تخوض الانتخابات الرئاسية ، وأنها ستنافس فى انتخابات مجلس الشعب على ثلاثين مقعدا فقط . وجاء هذا التحالف ليخل بالموازنات السياسية فى المشهد السياسى العام ، حين ساند الجماعة فى تمسكها باجراء الانتخابات التشريعية قبل وضع الدستور ، ومكنها من الفوز بأكثر من 60% من مقاعد مجلس الشعب. وكان طبيعيا بعد ذلك أن يصاغ الدستور على مقاس الجماعة وحلفائها من بعض رموز التيار المدنى وتيار الإسلام السياسى.
وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت قبل يومين من اجراء الانتخابات الرئاسية فى 16 يونيو 2012 بعدم دستورية القانون الذى جرت على أساسه الانتخابات التشريعية لافتقاده لمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين الحزبيين ونظرائهم المستقلين وهو ما كان يقضى بحل مجلس الشعب . كما حكمت كذلك بعدم دستورية قانون العزل السياسى ، الذى كان يستهدف عزل الفريق أحمد شفيق من خوض المنافسة على الانتخابات الرئاسية .وكشف المشهد الذى يسجل لقاء المشير طنطاوى والفريق السيسى والدكتور “محمد مرسى “أن الإخوان كانوا يضغطون من أجل الغاء ذلك الحكم ، ويهددون بفوضى عارمة إذا ما تغيرت نتائج الانتخابات الرئاسية ، وحين رفض المشير طنطاوى الاستجابة لطلبهم قائلا إنه ليس قراره بل حكم المحكمة، صدر قرار الجماعة بإقالته.
وبمسئولية وطنية تجاه الشعب والوطن ، ولمنح الجماعة فرصة أخرى لكى تتوقف عن سياسات الاقصاء والاحتكار، نفذ المشير طنطاوى القرار ، ولم يذهب -وكان يستطيع – إلى الجيش الذى يحظى فيه بشعبية جارفة لاستمالته إلى جانبه فى الصراع مع الإخوان ومؤسسة الرئاسة. لكنه أهدى مصر من سوف يواصل مسيرته، ويتصدى بمهنية وعلم وحكمة وبصبر أيوب ، لجماعة لا تؤمن بالأوطان ، تتسم بنقض العهود ، وتزعم الشىء ثم تعمل على عكسه ، حتى لو أريقت فيه الدماء . تخلت الجماعة عما زعمته من سياسة المشاركة لتنتقل إلى سياسة المغالبة ، وتقود مصر بغرور القوة ، نحو تأسيس دولة طائفية تحكم بفاشية دينية وهى ترفع أسلحة التكفير والتدمير والتخريب والقتل ، وتهتف باسم الله .
سلم الجيش بهيمنة جماعة الإخوان للمرة الأولى فى تاريخها على الحكم فى البلاد ،ومنحها الفرصة تلو الأخرى لكى تحكم باسم كل المصريين ، فلم تنتهزها ، وحكمت مصر من مكتب الإرشاد . فعل ذلك المشير طنطاوى والفريق السيىسى حين حل محله وزيرا للدفاع .لكن شره الجماعة للسلطة وجشعها فى جمع الثروات، وعدم خبرتها بشئون الحكم ، دفعها لإدارة ظهرها لتلك الفرص . ولم تستجب لنداء الجيش والقوى السياسية بوقف أخونة مؤسسات الدولة، وإعادة كتابة الدستور الذى وضعته منفردة مع حلفائها من القوى السلفية، وارفقت كل ذلك بإعلان دستورى يقنن الإقصاء والاحتكار ويجعل مصير البلاد رهنا بقرار مرشد الجماعة .
“القرار” الذى يشير إليه المسلسل، هو الذى اختاره بشجاعة وإقدام ، وزير الدفاع الفريق” السيسى ” وعرض حياته لخطر فعلى ، وهو رفض التصدى للمظاهرات الغاضبة على حكم المرشد ، وانحياز الجيش إلى مطالب الشعب المصرى . كان السيسى وهو يأخذ “القرار” يدرك حجم التضحيات التى قدمها المصريون للنهوض من أجل إعادة بناء بلدهم دولة مدنية ديمقراطية حديثة ، والوصول بها إلى مكانة تستحقها على خرائط الدنيا والعصر .كما راهن على التركيبة الفريدة للجيش المصرى من أبناء العمال والفلاحين والموظفين والمهنيين، وكسب الرهان . ويظل للحديث بقية .
التعليقات متوقفه