د. جودة عبدالخالق يكتب :الحوار الوطنى ملاذنا الأخير للإصلاح

43

بعد مضى أكثر من عامين منذ انطلاق الدعوة للحوار الوطنى، تثار التكهنات حول مدى نجاحه والنتائج التي حققها على أرض الواقع. كما تثار التساؤلات حول مدى تناسب النتائج التي حققها مع التوقعات العالية منه، أو حتى مع الجهد الذى بذل فيه حتى الآن. وقد كتبت منذ أسابيع في هذه الزاوية أن الحوار الذى بدأناه تجربة جديدة علينا. منطقة المقاربة، وليس المغالبة. وأطرافه القوى الوطنية، ولا مكان فيه لغير هؤلاء. وغايته إصلاح حال البلاد والعباد. وأتمنى أن نستكمله بنجاح، بجهودنا جميعًا ولخيرنا جميعًا. هو عملية أخذ وعطاء، تبادل للرؤى والأفكار ووجهات النظر. هو جدل كبير وخطير يتم بشكل تشاركى حول الأولويات، وليس الاستغراق في التفاصيل الكثيرة أو الانشغال بالمشكلات الصغيرة. نهايته المرتقبة أن نتحول نحن المصريين جميعًا من رعايا إلى مواطنين، وخاتمته أن يصبح الشعب المصرى هو “السيد في الوطن السيد”، كما جاء نصًا في ديباجة دستور 2014. وعليه، فإن مسار الحوار معقد وطويل.

ورغم كل دعاوى التشكيك في جدية الحوار وجدواه، فقد تحمست له منذ البداية. وأعلنت في يوليو 2022، عند قبولى عضوية مجلس أمناء الحوار، ردًا على المشككين والمتشككين، أن الحوار فرصة لا يجوز أن نضيعها وعملية يجب على كل وطنى أن يستميت لإنجاحها. وكان موقفى الايجابى هذا إيمانًا منى بأهمية الحوار في تلك اللحظة التاريخية، لتصورى أنه يمكن أن يؤدى الى حلحلة الأوضاع الصعبة والبائسة التى تعيشها المحروسة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا. ولكنى أيضًا أكدت في حينه، وأعدت التأكيد أكثر من مرة، أن هذا الموقف سيكون تحت المراجعة المستمرة، ويمكن أن يتغير في ضوء المستجدات. تحديدًا، قلتُ إنه إذا ظهرت تطورات تؤكد أن الأمر ليس جادًا، فسوف أعلن ذلك على الملأ وأنسحب آسفًا، ولكن بضمير مستريح.
واليوم، ينتابنى قلق كبير على مصير الحوار ومآله. وأجد من واجبى أن أحذر من مخاطر عديدة على طريق الحوار. فهناك من يحاول الالتفاف عليه. وهناك من يسعى لإجهاضه. وهناك من يُدَبِّر لاختطافه. لماذا يساورنى القلق الآن على مستقبل الحوار؟ السبب هو تلك الشواهد التي توحى بأن عديدًا من الأطراف المشاركة في هذا الحوار ليست حريصة بالقدر المطلوب لإنجاحه. فالحكومة من جانبها لا تهتم بمخرجات الحوار إلا من قبيل الدعاية. فهى تتخذ إجراءات على الصعيد الاقتصادى والصعيد السياسى عكس توافقات القوى الوطنية المتحاورة. فتزيد من غليان الشارع وتدفع الأمور في اتجاه اللاعودة. لكنها تدعى أنها تأخذ برأى الحوار الوطنى. ومجلس النواب أيضا يأخذ موقفا مناوئا لتوصيات الحوار. وسأكتفى هنا بذكر بعض الأمثلة: تعويم (أقصد تغطيس) الجنيه، ورفع سعر الخبز، الترحيب برؤوس الأموال الساخنة، تجاهل مشروع قانون المجالس المحلية المقدم من الحوار الوطنى، هناك مقاومة واضحة لإصلاح النظام الانتخابى بالأخذ بنظام القائمة النسبية، وإصرار على تعديلات مواد الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية بما يخالف توصيات الحوار.
فهل المقصود بالفعل هو تقزيم الحوار الوطنى بحيث يلعب دور المحلل لسياسات الحكومة وتشريعات البرلمان؟ وما هو موقف رئيس الجمهورية الداعى الى الحوار، رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية (م 139 من الدستور)؟ أعتقد مخلصا بأن الجميع عليهم أن يبذلوا أقصى جهد لإنقاذ الحوار وتفعيل مخرجاته. ومن منطلق حرصى على الحوار، بادرت بطلب عقد اجتماع لمجلس الأمناء خصيصا لمناقشة هذا الموضوع قبل التطرق الى أي موضوعات أخرى، سواء كانت قضية الدعم أو غيرها. وأعلنت تجميد مشاركتى في أي أنشطة أخرى وإرجاء إعلان انسحابى من الحوار الى أن يتم مراجعة آليات عمل الحوار وتفعيل مخرجاته. وتقرر عقد الاجتماع يوم السبت القادم. وأعتقد أنه سيكون اجتماعا حاسما. وأتمنى أن تسفر مداولاتنا عن نتيجة إيجابية. فالحوار ليس ملكا لمجلس الأمناء وحده. بل هو ملك الشعب المصرى ممثلا في قواه المختلفة من أحزاب ونقابات وجمعيات وخبراء وعموم الناس، الذين تحمسوا للحوار وشاركوا في جلساته المفتوحة والمغلقة.

التعليقات متوقفه