أمينة النقاش تكتب:أسئلة الحوار السياسى المشروعة

79

ضد التيار
أسئلة الحوار السياسى المشروعة

أمينة النقاش

بات جليا الآن أن النقاط الثلاث عشرة التى انطوى عليها خطاب الرئيس السيسى، فى حفل إفطار الأسرة المصرية، هى لتعزيز مشاركة القطاع الخاص فى الأنشطة الاقتصادية المملوكة للدولة، لا سيما الأنشطة التى يشرف عليها الجيش، استجابة لعدد من مطالب صندوق النقد الدولى. وكانت مصر قد ظلت سنوات تتحاشى الاستجابة لمثل تلك المطالب تجنبا لأضرارها الجانبية، حتى فاقمت الأزمة الأوكرانية ومن قبلها جائحة كورونا وربما التوجهات الاقتصادية غير المحسوبة التى تمت من التحديات الاقتصادية للبلاد، فاضطرت للقبول بها. وهى موضوعات تحتاج لعقد مؤتمر اقتصادى لبحث الحلول الواقعية للتعافى من آثار الأزمة الاقتصادية.
ومعنى ذلك أن تلك النقاط ليست مطروحة للنقاش فى دعوة الرئيس للحوار السياسى حول أولويات العمل الوطنى فى المرحلة الراهنة، بل هى فقط للإعلام بها، وهى موجهة للسلطات المعنية بتنفيذها، وأنها أخذت طريقها الفعلى للتنفيذ. والدليل بدء عمل التشكيل الجديد للجنة العفو الرئاسى والافراج عن دفعات جديدة من المحبوسين السياسيين فى قضايا الرأى، واتخاذ خطوات فعلية لإنهاء حبس الغارمات، وغير ذلك من إجراءات.
وربما كان من الأفضل أن يتم الفصل بين تلك القرارات، وبين دعوة الرئيس للحوار السياسى للتوصل لمشتركات بين الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية حول أولويات العمل الوطنى التى بالضرورة ترسم خطوات مصر نحو المستقبل.
كان الظن أن تتم قرارات العفو الرئاسى عن العقوبة أو تخفيفها طبقا للمادة 155 من الدستور، بناء على ما تقترحه اللجنة المعنية بذلك، لكن زميلى “عبدالناصر قنديل” مسئول الملف البرلمانى فى التجمع، لفت نظرى لنشر الجريدة الرسمية قرارا رئاسيا بالعفو عن واحد فقط من بين هؤلاء، فى اليوم التالى مباشرة لخطاب الرئيس، دون انتظار لنتائج عمل اللجنة، ودون القاء الضوء على أسباب هذا النوع من الاصطفاء لفرد واحد دون غيره من المحبوسين، على الأقل، لتعزيز الثقة فى عمل اللجنة الجديدة، ومن أجل طمأنة أسر من لايزال أبناؤهم رهن الحبس فى قضايا الرأى، والذي يفترض أن تعكف اللجنة على دراسة ملفاتهم المتراكمة!
يبقى منطقيا التساؤل عن ما هى القضايا الأساسية التى ينتظر أن تشملها مائدة الحوار الوطنى؟ ومن يحددها؟ وما هى الجهة التى ستديره؟ ومن هى القوى المدعوة للمشاركة به؟ ومن المنوط به اختيارها؟ وما هو التفسير الحقيقى لقول الرئيس السيسى فى خطابه كل القوى دون إقصاء أو استبعاد أحد ؟، وهل هدف الحوار هو مجرد إجرائه بلم الشامى على المغربى، أم الإلتزام بما يتم التوافق عليه بين المشاركين به؟
ولكى لا ندور فى حلقة مفرغة، أبدأ بضم صوتى إلى الدكتور عبدالمنعم سعيد بأن يكون مجلس الشيوخ هو الجهة التى تشرف على الحوار، وعلى وضع قوائم المشاركين فيه وبرنامج عمله ومدته المحددة، بالتنسيق مع الرئاسة. إذ لا معنى لهيئة غير حزبية هى المؤتمر الوطنى للشباب، أن تدير حوارا مع قوى سياسية وحزبية لا تنتمى إليها ولا تعرفها، ويكفى أن تكون طرفا من الأطراف المدعوة للحوار. هذا فضلا عن أن تلك هى المهمة التى تحددها المادة 248ا من الدستور لمجلس الشيوخ، بجعله مختصا بترسيخ دعائم الديمقراطية، وتعميق النظام الديمقراطى وتوسيع مجالاته، ودعم الحقوق والحريات والواجبات العامة.
ولأن الدنيا من حولنا وفى العالم تتغير، وباتت الدول تحنى رأسها للأعاصير لتعزز من مصالحها، فعلينا بالاعتراف أن النظام السياسى الراهن المأزوم لم يعد صالحا للبقاء لمواجهة تلك المتغيرات. وإحداث انفراجة فى المشهد السياسى العام بات ضرورة لا مفر منها لوضع الأسس للجمهورية الجديدة ولحفز الملايين الصامتة من المواطنين على المشاركة فى بناء مستقبل وطنهم.

ولهذا فلتنحصر هذه الجولة من الحوار الوطنى حول النقاش عن سبل تطوير الحياة السياسية والحزبية على المستويات التشريعية والتنفيذية والإعلامية، ووضع تصور الرئيس السيسى عن مدنية الدولة وديمقراطيتها وحداثتها موضع التنفيذ، بمراجعة غير انتقائية، للمواد الدستورية التى تتعارض مع ذلك التصور. والعمل على إحداث توازن حقيقى وفعال بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبين رفع القيود الثقيلة عن حريات الرأى والتعبي، وبين مواصلة التصدى لدحر جحافل الإرهاب. بالاضافة إلى العمل على تحصين الآليات الديمقرطية ضد محاولات العصف بسياسات المكاشفة والشفافية والمساواة المتكافئة التى تضمنها حقوق المواطنة الدستورية، ضد من تضيق صدورهم بالكشف عن الحقائق، وبالمخالفين فى الرأى والدين والمذهب. وهو ما يعنى أنه حوار نحو أفق المستقبل، ينبغى أن يكون خارجه كل من يسعون لتسلق منصته لفتح ثغرة به لإعادة عجلة التاريخ لما قبل 30 يونيو 2013.

التعليقات متوقفه