ماجدة موريس تكتب:الضاحك الباكي.. بين الفن والحقيقة

2

علي شاشة تليفزيون CBC رأيت مسلسل (الضاحك الباكي )عن حياة نجيب الريحاني، للكاتب محمد الغيطي، والمخرج محمد فاضل ،وعلي صفحات  الفيسبوك  قرأت كتاب (مذكرات نجيب الريحاني ) الذي كتبه الريحاني عن قصة حياته، وصدر عن مطبوعات مؤسسة دار الهلال عام ١٩٥٩، بعد عشرة اعوام من وفاته، أي اننا، مشاهدو المسلسل ، كنا علي مسافة ٧٣عاما من رحيل هذا المبدع الكبير، وأكثر من قرن من الزمان علي بزوغه كفنان اصبح ظاهرة .، وهذا الفارق الزمني الكبير هو المشكلة الاكبر في تقديم هذا العمل الدرامي في زمن السوشيال ميديا المغري بالتعليق علي أي عمل ، من اللحظات الاولي لعرضه بدلا من رؤيته للنهاية وفقا للقاعدة العادلة للحكم علي اي عمل فني ،أو الانصراف عنه ، ومن هنا جاءت هذه الضجة الكبيرة حوله ،والتي قد تكون قد اضافت له مشاهدين من أجيال جديدة سمعت عن الريحاني او أعجبتها مشاهد من فيلمه الاكثر شهرة وعرضا (غزل البنات )،خاصة مشهد  سخريته من الباشا سليمان نجيب الذي ذهب الي قصره ليعمل مدرسا لابنته ليلي مراد ، ومشهد النهاية واكتشافه انه اصبح عزولا بين حبيبته وحبيبها (ليلي مراد وانور وجدي ) ،انهما المشهدان الاهم، واللذان جعلا هذا الفنان الكبير يستمر بيننا بفنه حتي اليوم فمسرحياته انتهي زمنها، لكن افلامه القليلة جدا،هي التي مررته للقرن العشرين كنجم من نجوم السينما المصرية برغم أن كل محبته واهتمامه كان للمسرح الذي شغف به منذ كان طفلا في المدرسة، وحتي تركها ليعيش حياة صعبة ومرهقة تنقل فيها بين وظائف حكومية وقطاع خاص، فقط من اجل ان يحصل علي اموال تفي بحياته وحياة الاسرة وبعدها ينطلق بحثا عن المسرح، وهو ما كتبه الريحاني في مذكراته، وما قدمه المسلسل أيضا، بالطبع القضية هنا ليست اجراء تطابق بين الكتاب، وبين العمل الدرامي، ولكن الواضح هنا ان ما كتبه الغيطي حافظ بدرجة كبيرة علي خطوات حياة الريحاني كما كتبها في مذكراته، وان اطال في اجزاء منها مثل الطفولة والشباب وفقر العائلة بعد موت الاب وضياع ارثه ،(وحكايات ابنة الخال سعاد والاشقاء الثلاثة الاكبر القاسي والاصغر الضعيف) ومن الطبيعي ان يختلف المسلسل عن الكتاب، لكنه هنا كمؤلف للعمل الدرامي، اضاف الكثير في مواضع عديدة تخص حياة بطله، واولها بداياته وحياته مع العائلة منذ كان طفلا، ليقفز بعدها به الي الشباب في الحلقة الثانية ، ومع ذلك يظل مستمرا في نفس القصة التي اضافت الكثير للعائلة ،الأم والاشقاء، وكرر هذا مع أن ازمة البطل المأزوم بسبب الفقر والعوز كانت في الصدارة لكنه اكد علي ازمة اخري أعمق بين حبه للفن واحتقار امه له برغم انه ينفق علي الاسرة إلي ان اعترفت به الام بعد معرفتها بنجاحه وشهرته فذهبت اليه في المسرح،(وكانت حكاية الريحاني  في مذكراته عن اعتراف الام به اقوي مما قدمها المسلسل ) .

لماذا يضحك ولماذا يبكي؟

استطاع المخرج  القدير محمد فاضل ادخالنا في زمن الريحاني، وتاريخ عشناه مع المسلسل من خلال الاطار اللوني للعمل، والصورة  الشاحبة، والاماكن، بداية من الشارع الرمادي بما احتواه من لمحات مثيرة للشجن بكل ما فيها ومن فيها. إلي كل اماكن التصوير مع موسيقي مؤثرة ملائمة تماما لهذا الزمن وذكرياته وضعها (اسلام المصري) الذي أرى اسمه لاول مرة علي تيتر مسلسل وألحانه، وجاءت اختيارات الممثلين مهمة، خاصة الريحاني ومجموعة اصدقاء العمل (محمد سليمان ورامي الطومباري وياسر الطوبجي واسامة عبد الله وطارق جلال وياسين التهامي ومصطفي شوقي  ) وبالطبع فإن عمرو عبد الجليل قام بدور الريحاني بمهارة فائقة، وحافظ علي الخط الاساسي للشخصية التي تهوي الاداء الدرامي، لكن الجمهور يأخذها إلي الكوميديا وهي مفارقة الشخصية الاكثر اهمية ، لكن اختيار الادوار النسائية لم  يكن بنفس الدرجة من التوفيق ،بدءا من الممثلة الكبيرة فردوس عبد الحميد التي ظلمها دورها، أما رزان المغربي فقد ظلمت هي الدور بأداء باهت لدور بديعة مصابني، وهناك صبا الرافعي ودارين حداد وعدد من الممثلات الجديدات في أدوار صغيرة  قدمنها بجدية برغم انها غير مؤثرة ، ولكن معبرة في اغلبها عن جاذبية الريحاني للنساء ولكنها لم تضف للعمل كثيرا .

الفن والوطن

ويدخلنا المسلسل في بعد مهم هو علاقة البطل بالوطن من خلال مشاهد عديدة رأينا فيها هذا النموذج المهم لفنان قدم من خلال الكوميديا ما يدفع جمهوره للثورة علي الاحتلال الانجليزي ودعم الثورة المصرية وزعيمها سعد زغلول، وجاء بالمغني الجديد وقتها (سيد درويش الذي قام بدوره مصطفي شوقي) ليلحن ويغني أغنيات الثورة ، وهو ما شعر به الثوار والباحثون عن استرداد هوية مصر وقتها مثل الزعيم سعد زغلول نفسه، وطلعت حرب، وهدي شعراوي وغيرهم  وهو ما رأينا بعضه في المسلسل، وكيف ضايقه الانجليز وحاولوا حصاره، بل والايقاع بينه وبين جمهوره (وهو ما اوضحه صديق عمره الكاتب بديع خيري في تقديمه للكتاب )، انه عمل درامي ممتع، كان يحتاج للمزيد من الامكانيات الانتاجية، لكن من حق منتجه (شادي ابو شادي ) ان يفخر بأنه أول أعماله، ومن حق صناعة هذا

 

 

 

التعليقات متوقفه