12 سنة ثورة ..ومازال الشعب يتطلع إلى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية

جودة عبد الخالق: الحكومة تتبع مجموعة من السياسات تؤدى إلى مزيد من إفقار المواطنين

5

هانى الحسينى: مواجهة تزايد معدلات الفقر تتطلب برامج عدالة اجتماعية
نادر نور الدين: الدعم لا يمثل سوى 2% من الإنفاق العام ..ولا يكفى لتعويض المواطنين عن ارتفاع الأسعار

توفير لقمة العيش وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين والأمن والاستقرار ..كانت أهم آمال وطموحات المواطنين البسطاء الذين شاركوا فى ثورة 25 يناير ورفعوا شعار”عيش ..حرية ..عدالة اجتماعية”..ولكن بعد مرور 12 سنة على الثورة تغيرت أحوال المصريين تماما فى ظل الارتفاع الرهيب للأسعار, طفح الكيل بالناس بعدما يئسوا من إيجاد حل للأزمة الاقتصادية التى يمرون بها , فكلما سمعوا ادعاءات الحكومة حول دعم السلع لا يجدون سوى ارتفاع جديد فى الأسعار.
ويتزامن عيد ثورة 25 يناير هذا العام مع ارتفاع ملحوظ فى أسعار السلع الغذائية نظرا لقرارات الحكومة الأخيرة بشأن تعويم الجنيه وزيادة سعر الدولار الذى ترتب عليه موجة غلاء أصابت كل السلع والمنتجات وساهمت فى تزايد معدلات التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وسقوط شريحة كبيرة منهم فى براثن الفقر..وأصبح الشغل الشاغل للجميع البحث عن فرص عمل إضافية من أجل تدبير تكاليف المعيشة.
موجة تضخم
فارتفعت أسعار الخضراوات والفاكهة واللحوم والسلع الرئيسية كالسكر والزيت والأرز, أما الأسعار قبل الثورة فكانت أقل كثيرا خاصة أن سعر الدولار وقتها كان 6 جنيهات وكانت نسبة التضخم لا تزيد على10,7%, فكان سعر كيلو السكر في المجمعات الاستهلاكية 4,5 جنيهات ويباع لدي محلات البقالة بـ 5,5 جنيهات أما الآن فيصل إلى 20و22 جنيها ، والأرز 3,5 جنيهات للكيلو السائب والمعبأ بـ4 جنيهات, أما الآن فيصل إلى 18و20 جنيها فضلا عن اختفائه من أغلب الأسواق, وكان سعر المكرونة الاستثماري 8 جنيهات أما المعبأة العادية فسعر الكيس زنة 400 جرام جنيهين, أما الآن فوصل سعر الكيس زنة 400 جرام إلى 11 جنيها , أما سعر الزيت7و8 جنيهات للزجاجة زنة لتر وكانت تباع الأنواع الفاخرة بين بـ11و12جنيها, والآن فسعر زجاجة زنة 700 جرام 42 جنيها, وأسعار الجبن الرومي 38 جنيها وصلت حاليا إلى 200 جنيه والجبن البراميلي 28 جنيها, والآن تباع بـ 110 جنيهات، وسعر كيلو اللبن السائب ستة جنيهات وصل حاليا إلى 22 جنيها والعبوات إلى 28 جنيها, سعر العدس كان 8 جنيهات للكيلو السائب وصل الآن إلى 50 جنيها .وزاد كيلو اللحم البلدي إلى 220 جنيها بدلا من 30و40 جنيها, والدواجن وصل سعر الكيلو إلى 65و70 جنيها وأرجع الخبراء ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنوني لارتفاع سعر الدولار الذى وصل إلى30 جنيها .
تخفيض الدعم
أما الدعم الذى يتغنى به المسئولون بوزارة التموين والتجارة الداخلية ويعتبرونه الوسيلة الأولى لتحقيق الرعاية الاجتماعية الكاملة للمواطنين للحد من الآثار السلبية للسياسات المالية ..نجد أن الحكومة نفسها اتجهت إلى تخفيضه أكثر من مرة , حيث قامت وزارة التموين منذ عام 2018 بحذف الملايين تحت دعوى تنقية البطاقات وتحديث بيانات المستفيدين من منظومة السلع التموينية ، وتم بالفعل حذف ملايين المستفيدين لعدم تطابق الشروط وسبق أن ذكر وزير التموين “على المصيلحي “أنه تم حذف 10 ملايين من قاعدة بيانات منظومة السلع التموينية ليصل إجمالي عدد المستحقين إلى نحو 64 مليونا، مما وفر على الدولة نحو 5 مليارات جنيه سنويًا، ويقتصر الدعم الذى يتقاضاه الفرد على 50 جنيها شهريا..
كما أن ارتفاع أسعار السلع التموينية أدى إلى تقليص الحصة التى يحصل عليها الفرد من السلع المدعمة فقد تم رفع أسعار الدقيق والمكرونة والسكر والأرز والزيت أكثر من مرة وباحتساب هذه الزيادات يصبح قيمة الدعم الفعلى الذى يحصل عليه الفرد لا يكفى سوى لشراء نصف زجاجة زيت وكيلو سكر واحد … بينما كان النظام القديم يتضمن مقررات تموينية من أربع سلع أساسية (هي الزيت والأرز والسكر والشاي) يحصل عليها الفرد بأسعار محددة و ثابتة منذ عام 2007. فمثلا الأسرة حتي أربعة أفراد، كانت تحصل شهريا للفرد علي 2 كيلو سكر بسعر 125 قرشا للكيلو و2 كيلو أرز بسعر 150 قرشا للكيلو و1.5 كيلو زيت بسعر 3 جنيهات للكيلو و باكو شاي (50 جراما) بسعر 65 قرشا, وأي فرد زيادة عن الأربعة يحصل علي كميات أساسية فقط: 1 كيلو سكر و نصف كيلو زيت و باكو شاي بنفس الأسعار.
كما أن الوزارة اقتصرت الدعم الكلى على طفلين فهى تمنح الأسر التى لديها طفلين على البطاقات التموينية دعما نقديا كاملا 50 جنيها للفرد أما الطفل الثالث له دعم جزئي قدره 25 جنيها, وأخيرا اتخذ رئيس الوزراء قرارا ينص على اقتصار الدعم على طفلين..
العيش .. والثورة
أما الخبز المدعم فهناك اتجاه حكومي لزيادة سعره تمهيدا لتحويله إلى دعم نقدى حيث أعلنت الحكومة عن نيتها فى رفع الدعم عن الخبز تنفيذا لتوجيهات صندوق النقد الدولى حيث يصل الخبز المدعم إلى ما يقرب من 73 مليون مواطن, وكشفت تقرير للبنك الدولى أن وزارة التموين والتجارة الداخلية طرحت على البرلمان فكرة تشكيل لجنة مخصصة للنظر فى إصلاح دعم الخبز وتحويله إلى دعم نقدى, وأخيرا قررت وزارة التموين التى تنتج ما يقرب من 270 مليون رغيف عيش بلدى مدعوم يوميا توزيع جزء من هذا الإنتاج بالسعر الحر للمواطنين غير المستفيدين بنظام دعم الخبز من خلال كروت شحن مسبقة وهو الأمر الذى اعتبره خبراء الاقتصاد تمهيدا لرفع أسعار الخبز وبيع جزء من الخبز المدعم بالسعر الحر مما سيؤدى إلى الانتقاص من حصة المستحقين للدعم.
فأوضح د. نادر نور الدين، مستشار وزير التموين الأسبق، أنه رغم أن ثورة يناير تعتبر من أعظم الثورات التى مرت على مصر, خاصة وأنها كانت تنادى بمبادئ رفيعة المستوى والعدالة فى كل شيء, ولكن ترصد لها الإخوان, فرغم تأييدهم للرئيس مبارك فى بداية الثورة إلا أنهم عادوا مرة أخرى وأعلنوا أنهم مع ثورة يناير إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه الآن وللأسف رغم أن الثورة كانت تطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية إلا إننا مازالنا نفتقد الثلاثة, وتجسد هذا مع ارتفاع القمح والدقيق ونقص السيولة الدولارية وهى السبب الأساسي لارتفاع القمح وليس بسبب ارتفاع الأسعار العالمية كما تزعم الحكومة، حيث أن أسعار القمح حاليا فى أقل مستوياتها العالمية, وللأسف الدولة عندما كانت تعلن عن مخزون استراتيجي كان هذا المخزون لمخصصات البطاقات التموينية, أما باقى الـ 40 مليون غير المستفيدين من الدعم الذين يعيشون على العيش الحر هؤلاء كانوا متروكين للقطاع الخاص, وللأسف الدولة لم تساعد فى الإفراج الفوري عن شحنات القمح للقطاع الخاص مما أدى إلى ارتفاع أسعار الدقيق والمخبوزات.
وأشار أن قيمة ما يحصل عليه المواطن من دعم للخبز تقلص تدريجيا فرغم ادعاء الحكومة أن سعره ثابت منذ عام 1988 عند 5 قروش إلا أن وزنه تناقص عدة مرات وهذا بمثابة رفع لسعره ,فالوزن كان 160 جراما فى عام 2005, انخفض إلى 140 جراما عام 2011 , ثم انخفض إلى 120 جراما فى 2015, وفى عام 2020 وصل إلى 90 جرام إذن الدعم انخفض تدريجيا وزاد سعر الرغيف عدة مرات.
وأوضح أن الدعم الذى يشغل الحكومة فهو لا يمثل سوى 2% من الإنفاق العام وهذه نسبة ضئيلة للغاية لا تكفى لتعويض المواطنين عن ارتفاع الأسعار نتيجة سياسات الحكومة والفشل فى وضع آليات لضبط الأسعار, كما أن هناك أكثر من 45 مليون مواطن محرمون من الدعم حيث توقفت الحكومات المتعاقبة عن إضافة المواليد لمنظومة الدعم منذ عام 2006 .
العدالة الاجتماعية غائبة
رغم أن العدالة الاجتماعية كانت أهم شعارات ثورة 25 يناير لأنها تعتبر المفتاح لاستقرار وسلامة المجتمع ..فهى لا تعنى المساواة بين شرائح المجتمع فحسب, ولكنها تكافؤ الفرص فى كل مناحى الحياة بمعنى أن تقوم الحكومة بتمكين كل أفراد المجتمع من الحصول على الخدمات التعليمية والصحية وفرص التوظيف بشكل متساو بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو المنطقة الجغرافية التى يأتون منها..إلا أن الحكومة أكثر نشاطا هذه الأيام بالتوسع فى الحماية الاجتماعية وذلك من خلال برامج كثيرة مثل برامج تكافل وكرامة, ومعاش الطفل ومستورة وحياة كريمة .. وغيرها من المبادرات التى تتبناها الحكومة ..وتجاهلت تماما تحقيق العدالة الاجتماعية التى نادت بها ثورة 25 يناير ونص عليها الدستور..
أكد د.جوده عبد الخالق، استاذ الاقتصاد البارز ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع ووزير التضامن الأسبق، أن العدالة الاجتماعية تعنى توزيع الفرص على المواطنين والفئات الاجتماعية فى المجتمع بما يقلل من الفوارق بين هذه الفئات, أما برامج الحماية الاجتماعية التى اتخذتها الحكومة لحماية الفقراء فأكد أنها نوع من إغاثة الملهوف, فالحكومة منذ عام 2016 وقعت مع صندوق النقد الدولى ما سمى بالإصلاح الاقتصادي, والتهبت الأسعار نتيجة لتخفيض قيمة الجنيه, واتخذت إجراءات أخرى أدت إلى رفع الأسعار بدعوى ترشيد الدعم, مما أدى إلى اتساع نطاق الفقر, ولذلك قامت بمنح الفئات الفقيرة نوعا من الحماية نتيجة للضغط عليها, هذه البرامج الحمائية لم تزود الفرص المتاحة له ولكنها محاولة لتخفيف الضغط على الفقراء ولكنهم يستمرون فى بئر الفقر, فالحكومة تتبع مجموعة من السياسات تؤدى إلى مزيد من إفقار المواطنين، ثم تقدم لهم دعماً نقديا مشكوكاً فى قدرته على انتشالهم من الفقر, كان من الأفضل أن يتم اتخاذ إجراءات تصب فى مصلحة الفقراء, وتتراجع الحكومة عن السياسات التى تنتج الفقر حتى لا تحتاج إلى مد مظلة الحماية الاجتماعية, مشيرا إلى أن هذه البرامج الحمائية ممكن أن تفلح فى إزالة جزء من الضرر ولكنها لم تفلح فى أن تكون آلية لمواجهة الفقر.
وتابع د.جوده عبد الخالق أن التحليل الدقيق للموازنة العامة للدولة يكشف أنها تعتصر الفقراء لتغدق على الأغنياء فالمخصص للدعم الموجه للفقراء لا يذكر مقارنة بقيمة الأموال المخصصة لخدمة الدين (فوائد وأقساط) فى حين أن المستفيد من فوائد الدين هم الأثرياء والأجانب مشيرا إلى أن الحكومة تجاهلت مطالب ثورة 25 يناير التى نادت “بالعيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية “.
فيما أكد هاني الحسينى، القيادى بحزب التجمع والخبير الاقتصادي, أن الحكومة المصرية لم تتبن مبدأ العدالة الاجتماعية الواجبة من أجل حياة كريمة لكل المواطنين, ولكنها تركز على الحماية الاجتماعية, وهناك فرق كبير بين العدالة الاجتماعية والحماية الاجتماعية مشيرا إلى أن مبدأ العدالة الاجتماعية يعنى تحمل الأغنياء للجزء الأكبر من الأعباء الاقتصادية, وحصول الفقراء على نفس الحقوق التى يحصل عليها الأغنياء كالعمل والتعليم والصحة وهذا غير موجود فى مصر, فالمواطن الفقير هو الضحية للإجراءات الاقتصادية الصعبة التى انتهجتها الحكومة , ولذلك تسعى الحكومة لحمايته اجتماعيا حتى لا يزداد فقرا وذلك عن طريق تحويل دعم نقدي مؤقت ومشروط مثل برنامج تكافل وكرامة .
وتابع أن الدولة تحاول التوسع فى هذه البرامج الحمائية, وفى نفس الوقت تتجه إلى تقليص الدعم الحقيقي الموجه للمواطن الفقير..مشيرا إلى أن هذه البرامج تأتى تنفيذا لنصائح صندوق النقد الدولى والبنك الدولى, والتى يوصى بها لضمان عدم حدوث توترات اجتماعية بعد تنفيذ إجراءات الإصلاح, أى أن الهدف منها سياسى وليس هدفا اقتصاديا اجتماعيا, وأضاف أن مواجهة تزايد معدلات الفقر تتطلب برامج عدالة اجتماعية تتمثل فى تكافؤ الفرص فى توزيع معدلات النمو, ووضع برامج شاملة لمحاربة البطالة وتوفير فرص عمل دائمة وليست مؤقتة, وإرساء قواعد هدفها تحسين مستوى المعيشة وخفض الأسعار.

التعليقات متوقفه