ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب :لا أحد يجرؤ على الكلام

7

لم تكشف حرب غزة عن فشل التحصينات الأمنية المدججة بالسلاح النووى وبأحدث الأسلحة التكنولوجية عن حماية إسرائيل من هجوم حماس فقط، بل فضحت كذلك زيف قيم الليبرالية الغربية الأخلاقية التى تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية وحماية حريات الرأى والتعبير حول العالم، وهى تمعن فى تأييد الحكومة الإسرائيلية التى يتصرف وزراؤها كأعضاء فى عصابة لا رجال دولة، وهم يسفون فى استخدام اللغة ويصرخون ويتوعدون وينفذون حرب التجويع والإبادة والتهجير ضد غزة وشعبها الأعزل من السلاح.

جرائم ضد الإنسانية وحرب إبادة تدهس بالأقدام كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى تحدد شروطا للحروب، وتلزم أطرافها بحماية المدنيين، وعدم التغيير فى معالم الإقليم، وتحظر العقوبات الجماعية، واستخدام الأسلحة الكيماوية والسامة وقت إندلاعها، لكن تلك الجرائم التى تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولى الإنسانى، وترتكبها إسرائيل على الهواء بحق مدنيين أمام شاشات العالم، باتت محمية بحاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية فى شرق المتوسط، وبدعم الأتحاد الأوروبى ودوله التى تصف جريمة الحرب تلك بأنها حق لإسرائيل فى الدفاع عن النفس!
أسقطت الحرب أكذوبة مهنية الإعلام الغربى واستقلاليته ودقة معلوماته، وهو يجارى حكوماته فى تضليل شعوبها، بتزوير الحقائق وتزييفها ونشرها، والعودة للاعتذار عنها بعد أن فضحت وسائل التواصل الاجتماعى أكاذيب رواياته ومدى تلفيقها وكذبها.
أكدت الحرب ماهو مؤكد، أن إسرائيل أداة فى يد دول الغرب الاستعمارى لتقوية نفوذه الدولى، والهيمنة على موارد المنطقة لتؤول إلى مصالحها التى تتعارض مع مصالح شعوب المنطقة.صارت إسرائيل تتحكم فى القرار الدولى الأوروبى والأمريكى.
قبل أكثر من أربعين عاما أصدر السيناتور الجمهورى الأمريكى “بول فندلى ” كتابا بعنوان ” من يجرؤ على الكلام ” ولم يكن العنوان جملة استفهامية، بل هو جملة توضيحية تؤكد أن لا أحد يجرؤ على الكلام. وفى كتابه الذى لم يأخذ حقه من الاهتمام العربى، كشف فندلى أن السياسة الخارجية الأمريكية بشأن الشرق الأوسط والصراع العربى– الإسرائيلى بشكل خاص، تصنع فى الكنيست الإسرائيلى، وليس فى الكونجرس الأمريكى أو الخارجية الأمريكية، أو فى البيت الأبيض، وتحدد أهدافها اللجنة الأمريكية – الإسرائلية للشئون العامة، والتى تعرف إعلاميا باسم «أيباك».
وفى الكتاب يروى «فندلى» أن أيباك تمكنت بأموالها، ونفوذها الطاغى داخل المجتمع الأمريكى، والذى امتد من السلطات التنفيذية، إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، والمؤسسات الصحفية والبحثية وهيئات التدريس فى المدارس والجامعات، وشركات صناعة الأفلام والترويج لنجومها، من إسقاطه فى انتخابات الكونجرس، بعد أن ظل فى الفترة من 1960- وحتى 1982 ممثلا به عن ولاية إلينوى لما كان يحظى فيها من شعبية وثقة جارفتين.. وخلال 22 عاما من عضويته فى الكونجرس كرس «فندلى» كل جهوده لحث بلاده لاستخدام أساليب الحوار لحل الأزمات الدولية، وعارض حربها فى فيتنام، وساهم فى إصدار تشريع يقلص من صلاحيات الرئيس الأمريكى فى شن الحروب. وحين طالب بحل عادل للقضية الفلسطينية واعترض على النفوذ الإسرائيلى المتصاعد فى صنع وصدور القرار داخل الكونجرس، لأنه نفوذ يتعارض فى كثير من الأحيان مع المصالح القومية الأمريكية، تحركت أيباك لإسقاطه فى الانتخابات بحملات من التضليل وتزوير الحقائق ضده، لأنه أضحى كما قالت أكثر منتقدى السياسة الإسرائيلية ظهورا للعيان. وتمكنت بجانب ذلك من السيطرة على الكونجرس الأمريكى بمجلسيه، وتوجيهه فى الاتجاه الذى تريد، بإرهاب كل من يقف فى طريقها، وتشويهه وتدميره. وذلك هو نفس ما فعلته مع «بول فندلى» عندما جرؤ على القول أن جميع أعضاء مجلسى النواب والشيوخ، يطيعون بلا استثناء أوامر «أيباك» لأن معظمهم، يعتبرها كما أكد«”الممثلة المباشرة للكابتول هيل– مقر مبنى الكونجرس– وذات القدرة السياسية التى تتيح أمامهم فرص النجاح فى الانتخابات، أو تقضى عليهم» .وبعد عامين من تركه موقعه، تبنت أيباك تشريعا فى الكونجرس عام 1984 بنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس نفذته إدارة ترامب العام 2018.
تثبت حرب غزة دون ريب كل ما قاله «بول فندلى»، وتجدد التأكيد أن إنفراد الولايات المتحدة بما تسميه الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أوشك على محو القضية الفلسطينية من جدول النقاش العالمى. وتفرض تحديات اللحظة التى تطرحها الحرب، تفكيرا جادا ومخلصا من كل الأطراف، لإنهاء الإنقسام فى الساحة الفلسطينية، ووقف الدعم الإقليمى له، الذى يحدث لحسابات غير فلسطينية، وتوحد 14 فصيلا من فصائل المقاومة الفلسطينية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، للعمل معا لعقد مؤتمر دولى برعاية هيئة الأمم المتحدة تكون فيه واشنطن طرفا بين أطراف دولية أخرى، وليست وسيطا، لبحث التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، بما ينتهى بدولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية طبقا للقرارات الاممية، ويتيح للسلطة الوطنية الفلسطينية الفرصة لتوثيق الجرائم الإسرائيلية فى غزة والذهاب بها إلى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، وكل المنظمات الدولية المعنية، فذلك هو وحده طريق السلامة، وما عداه طريق للخيبة والفشل والندامة.

التعليقات متوقفه