د. هدى أبو رميلة تكتب :العدالة الاجتماعية أداة نمو

59

ضرورة خفض عدد الفقراء الحاليين والمتوقعين

تشجيع التحول تجاه التصنيع الزراعي من خلال تقديم حوافز ائتمانية

تحسين كفاءة وصول مخصصات الحماية الاجتماعية

كبح جماح التضخم بسلة غذاء الطبقة الفقيرة

برنامج دعم قومي لإنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة

 

بقلم ..د. هدي أبورميلة
أستاذ الاقتصاد جامعة بييزا- ايطاليا

 

العدالة الاجتماعية لا تمثل هدفا في حد ذاته، بل إنها أداة التحول الاقتصادي تجاه النمو الاقتصادي الشمولي والمستدام.
وفي هذا الإطار لابد من أن لا نخلط بين مفهوم العدالة الاجتماعية كمحدد نمو ومفهوم الحماية الاجتماعية والتي تستهدف ضمان حياة كريمة للواقعين علي خط الفقر ولكنها لا تؤدي بشكل مباشر إلي خفض معدلات الفقر.
ويصل الفرق بينهما إلي حد التضاد في الأثر الناتج، هذا وقد أثبتت الكثير من الدراسات الحديثة أن زيادة معدلات العدالة الاجتماعية بما تضمنه من مزيد خلق الفرص والتمكين للفقراء تؤدي إلي خروج المثير منهم من حلقة الفقر.
وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الاقتصاديات التي تنتهج منهج نمو منحاز للفقراء والعدالة، وهو النمو الذي يصاحبه نمو متزايد في دخل الطبقات الفقيرة بشكل يفوق نمو دخول الطبقات العليا، أنها تشهد لاحقا معدلات نمو اقتصادي متزايد والأهم أنه يتسم باستدامة تلك الزيادة، بينما تتميز الاقتصاديات التي تعاني من معدلات نمو منخفض للفقراء ومتوسطي الدخل بالنسبة لمتوسط زيادة الدخل الفردي بهشاشة اقتصادها وعدم استدامة معدلات النمو، ويصبح أكثر عرضة للتأثر بالأزمات المحلية والصدمات العالمية سواء سياسية أو اقتصادية. وبالتالي يعمل تبني أنماط النمو المنحاز للفقراء والعدالة الاجتماعية اقتصادا صلباً ذى عوائد مجتمعية ليست اقتصادية فقط بل والأهم عوائد داعمة لنمو رأسمال البشري وكذالك تحسن مستدام لمؤشرات الحكومة من كفاءة مؤسسية وجودة الخدمات العامة وتحسن مؤشرات التنافسية والنزاهة، لما لذلك من ارتباط مباشر بمعدلات الفقر والفجوات الداخلية.
ولهذا ومنذ سبعينيات القرن وبسبب عجز الحكومات عن تبني وتطبيق ذلك النمط من النمو أصبح الاقتصاد المصري مريضا مزمنا بالتضخم والاستدانة و انخفاض قيمة العملة المحلية وعجز الموازنة العامة مع تزايد أعباء خدمات الدين وانعكاس ذالك علي ضعف كمي بالأسعار الحقيقية ونوعي من حيث الجودة لمخصصات الحماية الاجتماعية وبرامج الدعم، ذلك رغم تضاعف الاحتياج كنتيجة مباشرة لارتفاع أعداد المستحقين وارتفاع معدلات البطالة و التضخم خاصة تضخم أسعار وخدمات سلة غذاء الطبقات الوسطى والفقيرة. وصولاً للأزمات الأخيرة غير المسبوقة الحدة التي مر بها الاقتصاد المصري .
ومن هنا تأتي حتمية تبني سياسات اقتصادية داعمة لنمط نمو اقتصادي تؤخذ فيه سياسة العدالة الاجتماعية كسياسة حاكمة وبتبني استراتيجية وطنية معززة للنمو المنحاز للفقر والذي يتضمن الالتزام بتخفيض محدد لنسبة الفقراء الحاليين ضمان تكافؤ الفرص عبر القطاعات المختلفة والمناطق الجغرافية وعبر النوع تعتمد علي عمل منهجي يشمل عدة محاور داعمة لبعضها كالآتي :
أولًا: خفض عدد الفقراء الحاليين والمتوقعين. حيث تقوم العدالة الاجتماعية على مفهوم ضمان تكافؤ الفرص والتمكين الاقتصادي على المستوي الكلي للدولة بما يتضمنه ذلك التكافؤ من تكافؤ توظيفي وإنتاجي وتعليمي وصحي عبر النوع والموقع الجغرافي يضمن عدالة التمكين الاقتصادي ليمثل أداة تعود بخفض معدلات الفقر نتيجة خفض أو انعدام توارثه.
ثانيا: استراتيجية قصيرة المدى وأخري طويلة المدى لتمكين الفقراء الحاليين والمتوقعين من الطبقة المتوسطة من خلال إنشاء منظومة تشاركية بين القطاع العام والخاص الاستثماري تستهدف توفير أكبر عدد ممكن من فرص عمل من خلال تحفيز القطاع الخاص، مقابل محفزات ومزايا استثمارية محددة العوائد المجتمعية لبعض القطاعات كثيفة العمالة.
• رعاية الدولة لدعم مشروعات إنتاجية كثيفة العمال.
• تفعيل برامج تأهيل وتدريب من أجل التشغيل في القطاعات التكنولوجيا و ذات الاحتياج الكبير للتوظيف.
• ربط برامج الحماية الاجتماعية والإعانات بالتزام المستفيد بالاستفادة من برامج التعليم والتأهيل والتدريب.
تحفيز ودعم تكنولوجيا الإنتاج الزراعي، حيث تقع النسبة الأعلي من الفقر والأمية.
ثالثا: تشجيع التحول تجاه التصنيع الزراعي من خلال تقديم حوافز ائتمانية، دورات تدريبية، مساعدات فنية للإدماج بالسوق المحلي والدولي
رابعاً: تحسين كفاءة وصول مخصصات الحماية الاجتماعية لتصل فقط لمستحقيها من خلال دعم برنامج حكومي شامل الرقمنة يعمل علي تحقيق مزيد من الرقابة والتواصل بين الجهات المختلفة المانحة.
خامساً: محاربة التضخم الكلي وبالأخص الفئوي والتضخم الخاص بسلة غذاء الطبقة الفقيرة والمتوسطة من خلال مزيد من تشديد الإجراءات العقابية ضد الاحتكار، ضد التجار غير الرسميين ومزيد من تنظيم الأسواق.
سادساً: القضاء علي الأسواق غير الرسمية ليس فقط في قطاع السلع والخدمات بل في قطاع التوظيف، حيث تزايد حصة الاقتصاد غير الرسمي تؤدي إلى مزيد من استنزاف موارد الدولة وكذلك رفع معدلات التضخم للسلع الإستراتيجية.
سابعا: برنامج تقشف حكومي لتخفيض النفقات الحكومية غير الضرورية من خلال خفض الإنفاق الحكومي الجاري الحوافز والمرتبات العليا خفض عدد الوزارات، تعزيز الكفاءة المؤسسية
ثامنا : برنامج دعم قومي لإنشاء مشروعات الصغيرة والمتوسطة تستهدف خلق سلاسل إنتاجية متكاملة من خلال توفير دعم تعليمي تدريبي تقني ائتماني وتسويقي خاصة بالمناطق الأكثر فقرا وبطالة .
تاسعاً: ضرورة توفير التمويل اللازم لبرنامج رقمنة كاملة تربط الوزارات والهيئات الحكومية بشكل تنسيقي متكامل مترابط ، لما لذلك من مردود علي تعزيز الإيرادات و ترشيد الإنفاق.

التعليقات متوقفه