الجدل حول مستقبل المخاطر البيئية

40

استكمالاً لما طرحه د. مصطفى حسين، وزير البيئة الأسبق فى الأهرام (29 مارس) محذراً من تفاقم الكوارث البيئية فى ظل تجاهل وإهمال الحكومات ومخاطر الدعاية الإعلانية التى تروج للنفايات والملوثات، فضلاً عن معاناة المراكز البيئية التى تذهب استغاثاتها أدراج الرياح، أضيف إلى ما سبق ما يعانيه مناخ الأرض من اضطرابات ومخاطر مع استمرار الغياب الملحوظ لإدراك هذه المخاطر لدى مختلف الأوساط الرسمية والشعبية، خصوصاً فى العالم العربى والثابت علمياً أن التغيرات المناخية تؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على السياسات الزراعية والتوجهات الصناعية والاقتصادية وعلى الحياة اليومية للشعوب، خصوصاً فى دول الجنوب الذى يضم جموع الفقراء والمفقرين، الذين يتحملون عواقب التغيرات المناخية الموجعة فى صورة فيضانات وأعاصير وموجات جفاف وقحط. وقد كشف زلزال القاهرة 1992 وسيول قنا عن غياب خطط وسيناريوهات مواجهة الكوارث الطبيعية فى العالم العربى.فالاستمرار فى اتباع الأساليب الحالية من حرق الوقود الاحفورى وتعرية الغابات وغيرها من مسببات انبعاثات غازات الدفيئة سوف يؤدى فى مدى يتراوح بين 50-100 عام أو اقل إلى ذوبان هائل للأنهار الجليدية وإلى انقراض الكثير من أنواع الكائنات الحية، كما سيؤدى إلى احتباس المطر على نطاق واسع خصوصاً فى جنوب آسيا وأفريقيا وشمال غرب أمريكا، وسيترتب عليه تدنى الإنتاج العالمى من الغذاء مع المزيد من التوترات المناخية ذات التأثير التدميرى إذا استمر ارتفاع مستويات غاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى.

علاوة على تفاقم الاحتباس الحرارى، بسبب أزمة إهدار الغذاء (3/1سكان العالم يهدر 750 مليار دولار من الغذاء سنوياً) ويؤثر ذلك على الغازات الكربونية مما يؤدى إلى الاحتباس الحرارى.

وإذا كانت صياغة جانب كبير من الجدل حول التغيرات المناخية قد تمت فى أطر دولية وإقليمية فإن هذا يؤكد ضرورة المشاركة على المستوى الكونى، لإنقاذ الغلاف الجوى وحماية مستقبلنا المشترك. وقد دعت الاتفاقية الدولية المعروفة باسم بروتوكول كيوتو إلى البدء بتخفيض الانبعاثات الغازية بنسب صغيرة متوالية حتى عام 2012 ثم زيادتها تدريجياً. كما أشارت هذه الاتفاقية إلى حصة كل دولة من التكاليف والمسئوليات العامة للدول الصناعية فى تخفيض الانبعاثات الغازية.

وقد امتنعت الولايات المتحدة عن المصادقة على بروتوكول كيوتو، مؤكدة أنه من الغبن تحميل كل العبء على كاهل دولة واحدة والسماح لباعثى كربون رئيسيين كالصين والهند بالإفلات من أى تكاليف أو مسئوليات.

ورغم أن بروتوكول كيوتو كان يمثل خطوة أولى، تتلوها خطوات فى المستقبل القريب إذ دعت تلك الاتفاقية الدولية إلى البدء بتخفيضات متوالية فى الانبعاثات الغازية حتى عام 2012 ثم زيادتها تدريجياً، إلا أن الرفض الأمريكى للتوقيع على البروتوكول قد أهدر جزءاً كبيراً من فاعليته وتأثيره كما عطل تفعيل هذه الاتفاقية.

كما كشفت المواقف الدولية أن التحدي المتمثل فى التغيرات المناخية يتناقض مباشرة مع الرؤية العولمية والتقليدية لحرية الأسواق، إذ يهدد بوقوع كوارث فى مدى أقل من قرن من الزمان إذا استمر الوضع والأنشطة الحالية للسوق العولمية.

ويرى بعض علماء الاقتصاد والمؤمنين بحرية السوق، أن تكاليف تجنب الكوارث المناخية الراهنة يفوق الفوائد والأرباح المتوقعة، ويشير الواقع إلى أن التباطؤ والتمهل سوف تكون تداعياته وتكلفته الاقتصادية والإنسانية والبشرية أغلى بكثير، فهل يمكن إضاعة الوقت فى التخبط بين نظريات اقتصادية مغرضة، تستهدف حماية مصالح أباطرة السوق العولمية بدلاً من الإسراع فى أن نبدأ مسيرة التغيير موقنين أن التغير المناخى لا يمكن معالجته والتصدي لمخاطره المستقبلية بمعزل عن اقتصاد السوق، حيث لا يخطر الشأن البيئى على بال أباطرة السوق العولمية إذ يخشون فقدان الاتزان لنظام السوق الذى يحمى مصالحهم، وإذا كان الالتزام بنظريات الاتزان فى علوم الاقتصاد يمثل ضرورة سياسية لحماية مصالح المتحكمين فى الأسواق إلا أن الاتزان والاختلال لا يحملان دلالة سياسية بالنسبة لعلماء الفيزياء.وعلى أي حال فإن التغيرات المناخية لها تأثير سلبى مباشر على أنشطة السوق، قد يصل إلى تهديد الوجود الدائم لاقتصاد السوق.

وإذا كانت العدالة البيئية تستند على مبدأ هام هو (من يلوث يدفع) وطبقاً لهذا المبدأ فإن من تسببوا واستفادوا من التلوث عليهم أن يدفعوا ثمن هذا التلوث، أى يتحملوا مسئولية تكاليف تخفيض الانبعاثات الغازية. ولا شك أن مطالبة من قاموا بالتلويث بأن يدفعوا أو يساهموا فى وضع معايير لتقسيم التكاليف إلى حصص وتوزيعها على الدول على أساس أن هذا هو الأسلوب العملي الذى يراعى الإنصاف ويحقق جزءاً مهماً من العدالة البيئية.

وتقع مسئولية 38% من الانبعاثات الغازية الحالية على أمريكا وأوربا واليابان الذين يضمون معاً 15% من تعداد سكان العالم وسوف تزداد هذه النسبة تراكمياً إلى 58% على مدى مائة عام. وتبلغ انبعاثات ثانى أكسيد الكربون 20 طناً لكل فرد فى أمريكا وعشرة أطنان فى ألمانيا واليابان وسبعة أطنان فى سائر أوربا، وتقل عن ذلك فى فرنسا والسويد بسبب اعتمادهما على الطاقة النووية.

وإذا كانت الدول الغنية مطالبة بالمشاركة فى تكاليف حماية المناخ، فإن الدول النامية مسئولة عن الإسراع فى تفعيل سياساتها الإنمائية وتعديل السلوكيات البيئية لشعوبها سعياً لتخفيض الانبعاثات قبل حلول 2030 مما يستلزم إطلاق برنامج طوارئ عالمى، لاستحداث تكنولوجيات منخفضة الكربون تسهم فى الحفاظ على الحق فى التنمية.

ويرى علماء البيئة، أن وجود اتفاقية دولية لحماية المناخ تشكل ضرورة عالمية ولا يمكن إلقاء مسئولية انبعاثات العالم الكربونية على دولة واحدة، ويقتضى الأمر أهمية الإدراك بأن المشاركة فى تكاليف حماية المناخ تمثل ضرورة كونية وليست قومية. وتطرح بعض الدراسات البيئية اقتراحاً يتضمن صيغة غير مسبوقة تحدد للدول المتقدمة نصيبها من (المسئولية الاقتصادية) أى تكاليف حماية المناخ 34% للولايات المتحدة، 27% لأوربا، 8% لليابان و7% للصين، و0.3% للهند والدول المصدرة للنفط 7.8% وتقترح هذه الصيغة ضرورة النص فى الاتفاقية على أن تتحمل الدول المتقدمة قسطاً من التكاليف العالمية أكبر من أنصبتها من الانبعاثات الراهنة، لأن المشاركة فى تكاليف حماية المناخ تمثل ضرورة كونية وليست قومية فحسب.

 

التعليقات متوقفه