«عيون الحرامية».. بين العمالة والمقاومة

67

 

يحكي فيلم «عيون الحرامية».. عن “طارق” الذي خرج من السجن بعد أن قضي عشر سنوات في أحد السجون الإسرائيلية. وتكشف الأحداث أنه أصيب برصاص جندي إسرائيلي بعد محاولته العودة إلى قريته (سبسطية) – التي كانت تحت الاحتلال ومحاصرة – للعثور على زوجته وطفلته, ثم نكتشف أنه قد أصيب بالرصاص، وتم الاعتناء به من قبل كاهن وبعض الراهبات، وأن زوجته هدى ماتت وأن ابنته الرضيعة “نور” تم نقلها إلى دار للأيتام. يتوجه طارق إلى مدينة نابلس، ويجد ابنته “نور” التي تعيش مع “ليلي” التي تبنتها والتي تنوي الزواج من “عادل” الذي يعمل لحساب الاحتلال, وتتوالي الأحداث. أرادت المخرجة أن تدلل علي أن القضية الفلسطينية شأن عربي في المقام الأول والأخير لذلك جاء اختيارها للأدوار الرئيسية إلي خالد أبو النجا مصري الجنسية, والجزائرية سعاد ماسي, مع مشاركة الممثلين الفلسطينيين في أدوار مساعدة.

حكت نجوي نجار: العمل ليس وثائقيا، لأنّه مستمد من قصة حقيقية، تصوير فيلم تحت الاحتلال يمثل صعوبة كبيرة, خصوصا مع اقتحامات الجيش الإسرائيلي مدينة نابلس التي كنا نصور بها, واجهنا مشكلات متعلقة بتصريحات دخولهم، ولكن نجحنا وبدأنا بالتصوير, كان العمل صعباً للغاية بسبب ضيق وقت التصوير، فلم نستغرق أكثر من 25 يوماً بسبب صعوبة استخراج تصاريح الممثلين المشاركين في الفيلم، ما استلزم مجهوداً كبيراً في ضغط التصوير بدلاً من 45 يوماً كما كان مخططاً من البداية, ولم يكن يتم ذلك بدون دعم كل فرد في نابلس والخدمات التي قدموها لأسرة العمل, كان همنا عند تقديم هذا الفيلم هو البحث عن كيف هو حال الوضع، في عام 2002 كنا نعرف العدو, ولكننا الآن لا نعرف بشكل صحيح من هو العدو بالتحديد مع دخول أطراف أخري في الصراع, لأنّ الأمراض التي تبعت الاحتلال برزت أكثر في هذه الفترة، وهذه قصة إنسانية تصور جوانب مختلفة من حياة الشعب الفلسطيني فمثلا لما تكون في المقهى وتحكي وتتجلى تلك الروح الوطنية والنضالية. وجدت أن خالد أبو النجا وسعاد ماسي هما الأنسب, وربما تكون المرة الأولي التي يتم اللجوء إلي فنانين عرب للعمل في فيلم داخل فلسطين, وقدمت سعاد ماسي ثلاث أغنيات للفيلم.

اعتمدت الأحداث علي خط درامي هادئ لم يجنح للمبالغة وابتعدت عن العصبية, واتسم الشخوص بالهدوء في طرح وجهات نظرهم حيال مجتمعهم, كل حسب طبيعته وأخلاقه وأهدافه, وعلي الرغم من أن الاحتلال يحرص علي طمس الهوية الفلسطينية, لكن الشخوص تعيش حياتها, تحب وتتفاءل وتسامح أيضا, لكن لا يخفي أن الواقع القاسي الذي ينطوي عليه العيش تحت الاحتلال؛ وحرص الفيلم علي تمرير رسالة معنية بالتسامح وضرورته لحياة الفلسطينيين, فبدون التسامح لن تستقيم الحياة, وهو ما يجعل من العمل متفردا ومتميزا, إضافة لتناوله قضايا داخل المجتمع الفلسطيني, ومنها العمالة التي ولدها الاحتلال, ومشكلة المياه التي تسرق لصالح المستوطنات. كما يعرج الفيلم إلي طرح مفهوم الحرية والحقوق الممكنة لنيل هذه الحرية, مبررا فكرة المقاومة لتجاوز 650 حاجزا من خلال أب يبحث عن ابنته وسط ركام من التناقضات والمشكلات المتعلقة بعيدا عن النمطية التي تسود في مثل هذه النوعية من الأفلام.

في الدفاتر الباهتة التالفة نبحث عن أسماء المفقودين في أزمنة الحروب والفيضانات البشرية والطبيعية, قصف المبني الحكومي في المدينة المحتلة وثرثرة موظفي المعاشات يحجبون الرؤية عن الواقع, تتدحرج الذكريات علي منحنيات البلدة العتيقة, العنف يولد القسوة ويتربي علي الحق, والبؤساء يسيئون للمعذبين, والاثنان يتجرعان الألم والجوع, ويفرغون شحنات الغضب في إلقاء التهم وتدبيرها حتي يرضي عنهم الطغاة, الناس تشاهد في المقهى الشعبي مباراة بين برشلونة وريال مدريد بدافع الحنين إلي الأندلس التي سقطت بفعل المؤامرات, ميسي يحرز هدفا والعرب يخسرون المباراة, نفق تحت الأرض ونفق فوق الأرض, ربما نستورد من الغرب إشارات الحب وهداياه, لكننا نصدره من دون رسوم جمركية لأننا نزرعه بوفرة في أراضينا المحتلة, ليس شرطا أن تشبهنا أطفالنا عندما نكبر, المهم أن يشبهوننا ونحن صغار, في بطولة البلياردو المحلية ينسحب المرتشون ويغلق باب المراهنات, والاعترافات الليلية تتم تحت نزيف الجروح واجترار الخوف من الماضي والحاضر والمستقبل, التهم لا تسقط بانقضاء فترة العقوبة.. في الغالب تبدأ, والرصاصات الصادقة لا تخطئ الأهداف الكاذبة.

***

طارق: ليلي تعالي.. متتجوزيش عادل, متعرفيش شو هو, عادل زلمة خطر

ليلي: لامتي كنت فاكر هتخبي سرك معاك؟

طارق : مكنش عندي خيار, بهداك الوقت مكنش فيه خيار غير اننا نخاطر

ليلي: هلا مفيش خطر يعني, ما هو عارفك وعارف كل شيء عنك

طارق: بقالي عشر سنين بخاف من أحلامي, مش عارف أنام, خلونا نعيش نستني الموت, بس أي حد محلي كان عملها وعمل أبوها كمان

ليلي: شو يعني يا قاتل يا مقتول

طارق: من امتي صارت مقاومة الاحتلال جريمة

ليلي: عندهم جريمة, جريمة ونص

طارق: لو هي جريمة ليش ماسلمتنيش؟

ليلي: انت شو رأيك؟

طارق: رأيي أنتي كمان مش قابلة الوضع زيي

ليلي: مش قبلانة, ياريت بنقدر نغير العالم

– قطع-

كتب د. حسن عطية : ليس الفيلم، أى فيلم، مجرد فكرة أو قضية يعالجها، مهما كان سمو هذه الفكرة، أو صدق هذه القضية، بل الفيلم هو السيناريو المحكم، والإخراج المتميز، والتمثيل المتقن، والصورة الراقية المعبرة عن الفكرة السامية، هو فى المجمل كل ما نراه على الشاشة ويثير فينا البهجة والمتعة والوعى الصحيح، وهذا ما نجده فى “عيون الحرامية” للمخرجة نجوي نجار, فالفيلم رفيع المستوى فكرا وصياغة جمالية، يأخذك فى رحلة تأمل للحياة التى نتخيل وجودها على الأرض المغتصبة، أو التى تشكل منها وسائل الإعلام وأخبارها المصورة صورة ذهنية تنمط هذه الحياة فى صور قتال يومى بين صاحب الأرض ومغتصبها، أو تزيفها بتسييد صورة الحياة الحمساوية المليئة بسيارات تجوب الشوارع تحمل رجالا أشاوس يحملون الأسلحة ويصرخون فى وجوهنا، على الحياة الإنسانية البسيطة التى يعيشها المواطن الفلسطينى المظلوم والراغب فى الحياة بكرامة على أرضه، فى تداخلها الراقى بين الحب والرغبة ومشاهدة مباريات الكرة على المقاهي ودندنة النسوة بأغاني مصرية وجزائرية عاطفية وفرحة، والإجبار على القتل والسرقة والدم المسال وهجمات الجنود وتلصصهم على شعب أهانه الاحتلال، ومع ذلك يصر على الحياة الكريمة, في النهاية هو فيلم راقى الفكر، رفيع المستوى، متقن البناء، يأخذك بحنو نحو الحياة الإنسانية التى يود الفلسطينى أن يعيشها، ويقاوم كل من يخضبها بالدماء دون زعيق أو فضائيات كاذبة.

 

التعليقات متوقفه