«إسماعيل» .. حكاية رسام فلسطيني

15

فاز فيلم «إسماعيل» بجائزة أولى في فئة الأفلام التسجيلية، في مهرجان الإسكندرية, الفيلم يحكي أحداث يوم من حياة الفنان التشكيلي إسماعيل شموط (1930-2006), وهو من أبرز رواد الفن التشكيلي, الفيلم تدور أحداثه حول شاب فلسطيني يدعى “إسماعيل” يبيع الحلوى بمعاونة شقيقه الصغير “جمال” وذلك بعد أحداث النكبة ونزوح عائلته إلى قطاع غزة. حصل الفيلم على العديد من الجوائز, منها: أفضل فيلم من مهرجان روتردام، أفضل ممثل مساعد في بالما دي مايرويكا, أفضل فيلم مهرجان الإسكندرية, جائزة الجمهور مهرجان كولومبوس, كما عرض الفيلم في العديد من المهرجانات الدولية.

فيلم (إسماعيل) ينتصر للحياة ويهزم كل الصعوبات التي تواجه الإنسان الطموح الذي يؤمن بقدراته ويثق في موهبته, فعلى الرغم من الحياة البائسة والظروف المؤلمة استطاع إسماعيل أن يحقق حلمه للذهاب إلى روما لتعلم الرسم. ورغم المعاناة التي عاشها إسماعيل هو وشقيقه الصغير في بيع الحلوى للجنود العرب من مصر والأردن والعراق، الذين كانوا يأتون إلى غزة كمحطة انطلاق لحروبهم مع العدو، استطاع ابن النكبة أن يواصل مشواره حتى صار علمًا فلسطينيًّا مرموقًا. ونجحت المخرجة نورا الشريف أن تقدم لوحة فنية سينمائية مضفرة بالمشاعر النبيلة.

***

إسماعيل: هاي الصخرة تنفع تمثال.

جمال: تمثال زي اللي كان عندنا في أوضة الضيوف.

إسماعيل: تتذكره؟

جمال: آه.. اللي كان جنب الشباك.

إسماعيل: بس ها ده على أكبر.

جمال: تعرف تعمل واحد زيه؟

إسماعيل: بعرف واحد بيعمله.

جمال: مين ها ده؟

إسماعيل: واحد.

جمال: طب إيش اسمه؟

إسماعيل: اسمه مايكل أنجلو.

جمال: مين ها ده مايكل أنجلو؟

إسماعيل: فنان كان عايش من زمان.

جمال: أحكيلي عنه.

-قطع-

رحلة من النزوح والترحال في طوابير طويلة خلف البوابات الصغيرة العابرة إلى عوالم أخرى موحشة.. نحاول أن نجمع ذكريات جديدة تعوضنا عن الذكريات القديمة, وعندما تكتمل.. يكون هناك نزوح آخر إلى بلاد أخرى بعيدة.. وهكذا, تتخبط الأقدام في الأقدام, والأحلام في حوائط المستحيل والتصاريح.. لا نحمل سوى متاع قليل.. فالمشوار طويل ومُقرف.. أرجوحة الحياة لا تقف في محطات الطمأنينة.. في بيوت من القماش يخجل الستر من عيون البصاصين, ولا بد للعرض أن يستمر.. نتحايل على المتاح بصنع سفينة من الخيال في صحراء ناشفة, ويمتد الحلم من الطبيعة الفقيرة إلى عصر النهضة في أوروبا.. هناك عامل مشترك هو الإنسان الذي يقهر المستحيل ويبحر بسفينة الخيال حتى يصل إلى صفحة البحر التي تنقله إلى عوالم أرحب من الوعي والثقافة.. فمن “البلد” المحتلة إلى “روما” المتحررة يضع اللاجئ خطوطًا على جدارية الحياة, ويحفر طريقًا للخلاص على حائظ كنيسة سيستين ويجاور رغمًا عن الطغاة مايكل أنجلو.. وبين عربات القطار المتجه إلى الشرق ينقشع الضباب ويحمل الطير أمنيات ودعوات معطرة للمحروسة.. ليست كل الطرق ممهدة ومعبأة بالرزق, أحيانًا تحبل الأرض بالبارود الذي يئن من الصمت.. تختنق الأحلام الصغيرة ولا تبلغ أهدافها, وتحتضر الأنفاس في الصدور, لا تدخل ولا تخرج, تظل معلقة.. وتتسكع الوصايا الأخيرة في حضن الموت من داخل النفق المظلم, طريق جديد من الآلام, كل الطرق المؤلمة, لكنَّ الوصول حتمي فهو مثل شروق الشمس في يوم صيفي معتدل.

 كتب ناجح حسن: تنطوي أحداث الفيلم على قدرات إبداعية لمخرجته وطاقم ممثليه, وعلى وجه الخصوص خالد الغويري الذي جسد شخصية إسماعيل في مطلع شبابه باعتناء دقيق في تعابير الفرح والدعابة والخوف على شقيقه الأصغر الذي يدخل معه في حوارات ثنائية تكشف عن رغباته الفنية الدفينة بأن يزور إيطاليا ويدرس فيها الفنون التشكيلية, اشتغلت المخرجة على نص سيناريو كتبه والدها باقتصاد وتكثيف بديعين.. تنقلت المخرجة بأحداث الفيلم من مشهد إلى آخر بسلاسة وجاذبية, مزجت فيها بين المشاهد على خلفية من الطبيعة المتآلفة مع الحراك الإنساني في تلك البيئة الصعبة بفعل ما كانت تشهده من تحولات سياسية عصيبة ظهر فيها توظيف متقن لأزياء الحقبة وخصوصًا في مناظر محطة القطار المزدحمة بمجاميع من الجنود المصريين ومواطني مدينة غزة وهم يتبادلون حوارات متقنة تحضر فيها اللهجات المصرية والفلسطينية والبدوية. إزاء سلاسة النص وحيوية الإخراج جاءت تقنيات شريط الصوت والموسيقى والإضاءة والتوليف معبرة عن حرفية بديعة جميعها تصب في خانة تحقيق فيلم روائي رائع متقن بعناصر مفرداته المشهدية والدرامية في أداء يلعب على حد اللقطة الواحدة وهي تترنح بين الألم الإنساني وقسوة الواقع وهاجس الموت وبهجة الإبداع المؤجل.

أشرف بيدس

 

رحلة من النزوح والترحال في طوابير طويلة خلف البوابات الصغيرة العابرة إلى عوالم أخرى موحشة.. نحاول أن نجمع ذكريات جديدة تعوضنا عن الذكريات القديمة, وعندما تكتمل.. يكون هناك نزوح آخر إلى بلاد أخرى بعيدة.. وهكذا, تتخبط الأقدام في الأقدام, والأحلام في حوائط المستحيل والتصاريح.. لا نحمل سوى متاع قليل.. فالمشوار طويل ومُقرف.. أرجوحة الحياة لا تقف في محطات الطمأنينة.. في بيوت من القماش يخجل الستر من عيون البصاصين, ولا بد للعرض أن يستمر.. نتحايل على المتاح بصنع سفينة من الخيال في صحراء ناشفة, ويمتد الحلم من الطبيعة الفقيرة إلى عصر النهضة في أوروبا.. هناك عامل مشترك هو الإنسان الذي يقهر المستحيل ويبحر بسفينة الخيال حتى يصل إلى صفحة البحر التي تنقله إلى عوالم أرحب من الوعي والثقافة.. فمن “البلد” المحتلة إلى “روما” المتحررة يضع اللاجئ خطوطًا على جدارية الحياة, ويحفر طريقًا للخلاص على حائظ كنيسة سيستين ويجاور رغمًا عن الطغاة مايكل أنجلو.. وبين عربات القطار المتجه إلى الشرق ينقشع الضباب ويحمل الطير أمنيات ودعوات معطرة للمحروسة.. ليست كل الطرق ممهدة ومعبأة بالرزق, أحيانًا تحبل الأرض بالبارود الذي يئن من الصمت.. تختنق الأحلام الصغيرة ولا تبلغ أهدافها, وتحتضر الأنفاس في الصدور, لا تدخل ولا تخرج, تظل معلقة.. وتتسكع الوصايا الأخيرة في حضن الموت من داخل النفق المظلم, طريق جديد من الآلام, كل الطرق المؤلمة, لكنَّ الوصول حتمي فهو مثل شروق الشمس في يوم صيفي معتدل.

كتب ناجح حسن: تنطوي أحداث الفيلم على قدرات إبداعية لمخرجته وطاقم ممثليه, وعلى وجه الخصوص خالد الغويري الذي جسد شخصية إسماعيل في مطلع شبابه باعتناء دقيق في تعابير الفرح والدعابة والخوف على شقيقه الأصغر الذي يدخل معه في حوارات ثنائية تكشف عن رغباته الفنية الدفينة بأن يزور إيطاليا ويدرس فيها الفنون التشكيلية, اشتغلت المخرجة على نص سيناريو كتبه والدها باقتصاد وتكثيف بديعين.. تنقلت المخرجة بأحداث الفيلم من مشهد إلى آخر بسلاسة وجاذبية, مزجت فيها بين المشاهد على خلفية من الطبيعة المتآلفة مع الحراك الإنساني في تلك البيئة الصعبة بفعل ما كانت تشهده من تحولات سياسية عصيبة ظهر فيها توظيف متقن لأزياء الحقبة وخصوصًا في مناظر محطة القطار المزدحمة بمجاميع من الجنود المصريين ومواطني مدينة غزة وهم يتبادلون حوارات متقنة تحضر فيها اللهجات المصرية والفلسطينية والبدوية. إزاء سلاسة النص وحيوية الإخراج جاءت تقنيات شريط الصوت والموسيقى والإضاءة والتوليف معبرة عن حرفية بديعة جميعها تصب في خانة تحقيق فيلم روائي رائع متقن بعناصر مفرداته المشهدية والدرامية في أداء يلعب على حد اللقطة الواحدة وهي تترنح بين الألم الإنساني وقسوة الواقع وهاجس الموت وبهجة الإبداع المؤجل.

 

 

 

التعليقات متوقفه