آفاق الصراع الجيوسياسي بعد أحداث بنجلاديش كيف تؤثر على حسابات الغرب وحالة عدم الاستقرار في بحر الصين الجنوبي! الأحداث وضعت الهند أمام تحدٍ كبير لخلق توازنات مع أهم شركائها التجاريين

15

صحح

 

آفاق الصراع الجيوسياسي بعد أحداث بنجلاديش

كيف تؤثر على حسابات الغرب وحالة عدم الاستقرار في بحر الصين الجنوبي!

الأحداث وضعت الهند أمام تحدٍ كبير لخلق توازنات مع أهم شركائها التجاريين

 

إن الأزمة في بنجلاديش مقلقة للحكومة الأمريكية والحكومات الغربية، ولكن المخاوف الأكثر حدة تواجهها الهند، إن الخروج المفاجئ لرئيسة وزراء بنجلاديش الشيخة حسينة من البلاد في أعقاب الاحتجاجات الطلابية الحاشدة يهدد بالتحول إلى واحدة من أسوأ مشاكل السياسة الخارجية التي تواجهها الهند، وبعد فرارها من البلاد، هبطت حسينة في قاعدة هندون الجوية الهندية على مشارف العاصمة نيودلهي، حيث من المرجح أن تتمركز مؤقتا قبل التوجه إلى وجهة أوروبية، وفقا لتقارير وسائل الإعلام المحلية هناك، وبعد موافقة الهند على استقبالها. وطوال فترة حكمها التي استمرت 15 عاما، حافظت حسينة على علاقات قوية مع دلهي التي ازدهرت لتصبح بنجلاديش واحدة من أفضل وجهات التصدير في الهند لمجموعة متنوعة من السلع والخدمات – من غزل القطن إلى صناعة الملابس إلى تكنولوجيا المعلومات وأصبحت بنجلاديش أكبر شريك تجاري للهند في جنوب آسيا، والهند هي ثاني أكبر شريك تجاري لبنجلاديش في آسيا بعد الصين.

فبعد الانتخابات في عام 2008، مرت بنجلاديش بفترة من الاستقرار النسبي والنمو السريع. رأت الحكومات الغربية فيها، لفترة من الوقت، قصة نجاح إقليمية، بفضل مجتمعها المدني النابض بالحياة وصناعة الملابس المزدهرة. بين عامي 2000 و2016 انخفضت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع بمقدار الثلثين. بحلول عام 2020، تجاوزت بنجلاديش الهند في العديد من المؤشرات، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي للفرد (بأسعار السوق) ومشاركة المرأة في القوى العاملة.

ولكن سلوك الشيخة حسينة في العشر سنوات الماضية لم يكون على الهوى الأمريكي، بل كانت عرضة للانتقاد بشكل مستمر بسبب التلاعب في الانتخابات، وسجن المعارضين بمن فيهم السيدة ضياء، زعيمة الحزب الوطني البنجلاديشي (التي كانت رئيسة للوزراء مرتين). وأصبحت أمريكا، على وجه الخصوص، أكثر صراحة في انتقادها لسلوك الشيخة حسينة. كما فرضت عقوبات على وحدة نخبة من قوات الشرطة البنجلاديشية بسبب انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في عام 2021، وعلى رئيس أركان الجيش السابق في عام 2024 بسبب تورطه المزعوم في الفساد. ومع ذلك، تجنبت الحكومات الغربية فرض عقوبات أشد على حكومة الشيخة حسينة. كان ذلك جزئيًا بسبب مخاوفهم من تزايد نفوذ الصين في العالم النامي. وأيضًا نتيجة للعلاقات الأوثق لأمريكا مع الهند.

النفوذ الأمريكي مستمر

قد يتساءل المسؤولون الغربيون الآن عن جدوى هذا النهج. لا تزال أمريكا وحلفاؤها يتمتعون بنفوذ كبير في بنجلاديش، ليس أقله لأنها في إطار خطة إنقاذ بقيمة 4.7 مليار دولار من صندوق النقد الدولي (الذي تمتلك فيه أمريكا أكبر قوة تصويت ). وترغب بنجلاديش في إبرام صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي، أكبر سوق لصادراتها. في عام 2029، من المقرر أن تفقد صادرات البلاد وصولها المعفى من الرسوم الجمركية إلى الاتحاد. كما أن لليابان تأثيرًا أيضًا، باعتبارها أكبر مانح للمساعدات لبنجلاديش.

العلاقات الصينية

ستحاول الصين بلا شك استغلال علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع بنجلاديش لحماية مصالحها خاصة أن حسينة كانت في مساعٍ للحصول على قرض من الصين بقيمة 20 مليار دولار قبل هروبها بسبب الأحداث، ويمكن للصين التعهد بزيادة الاستثمار في بنجلاديش في ظل سياسة الانفتاح الجديدة، وأيضا زيادة الواردات منها للمساعدة في تعزيز التجارة الثنائية، التي نمت من 3.6 مليار دولار في عام 2009 إلى 17 مليار دولار في عام 2023 (معظمها من الصادرات الصينية).

ولكن تسعي الصين الى التوازن الشديد فيما يتعلق بالملفات الخاصة بالتعاون الاقتصادي لحداثة التوجيه بالانفتاح على العالم، والتوسع الشديد في مشروعات البنية التحتية في ظل مبادرة الحزام والطريق، ولن يكون شكل النظام السياسي تحديا كبيرا للصين بسبب منهجها في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكن على المدى القصير، تتمثل الأولوية لجميع البلدان المعنية في بنجلاديش في تحقيق الاستقرار. وبالنظر إلى المستقبل، ربما يكون أفضل أمل هو أن تجد القوى الجيوسياسية المتنافسة طريقة للتعايش، كما فعلت إلى حد كبير في سريلانكا منذ الإطاحة بحكومتها في عام 2022 متشابهة ولكن مع تصاعد التنافس بين القوى العظمى، فإن الخطر يكمن في أنه يجعل جهود الحكومة المؤقتة لإعادة تشغيل السياسة في بنجلاديش أكثر صعوبة. كانت الإطاحة بالشيخة حسينة تحديًا كبيرًا بما فيه الكفاية.

 

 

التعليقات متوقفه