ضد التيار ..أمينة النقاش تكتب:التأجيل هو الحل

49

لست متأكدة أن المناخ العام السائد فى المجتمع الآن، كان هو أفضل توقيت لكى تعدل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية واللجنة الفرعية التى شكلها رئيس مجلس النواب، قانون الاجراءات الجنائية  الصادر عام 1950، أو إصدار قانون جديد بشأنه. فمناخ الحريات العامة ليس فى أحسن أحواله، والمناخ العام ملبد بالغيوم: الأمن المجتمعى مختل بسبب الأزمة الاقتصادية السائدة، ومشاعر السخط  والغضب ليس من المصلحة العامة التغاضى عنها، والتحديات الإقليمية والدولية التى فُرضت على الدولة المصرية خلال السنوات الأربع الأخيرة أكثر من أن تحصى، وإغلاق المجال العام، والضغوط التى تمارس على حريات الرأى والتعبير والصحافة والإعلام شديدة الوطأة، وباتت مصدرا للسخط فى الداخل والادانات الدولية فى الخارج . ناهيك عن أن الطريقة المدرسية التى يجرى بها تمرير ما تطرحه الحكومة من تشريعات، على مجلس النواب لاتزال متحكمة، ولا أمل يلوح فى الأفق ، يشير إلى أى نية فى العدول عنها . فضلا عن أن جميع ألأطراف المعنية بالقانون ، داخل النقابات ونوادى القضاة والمنظمات الحقوقية وسط الخبراء الدستوريين، والأحزاب، قد فوجئوا بالإعلان عن انتهاء اللجنة التشريعية من مناقشة مسودة القانون، والموافقة عليه، والاستعداد لطرحه على الجلسة العامة لمجلس النواب الشهر المقبل !

وحتى هذه اللحظة،لا يفهم كثيرون غيرى، ما هى مبررات الاستعجال فى إصدار هذا القانون الآن وفورا ؟ بينما تتراكم فى أدراج البرلمان مشاريع قوانين أخرى بالغة الأهمية لا يلتفت أحد  إليها، بينها على سبيل المثال لا الحصر، مشروع القانون الموحد لحرية الصحافة والإعلام، التى زعمت اللجنة التشريعية فى البرلمان السابق، أن به عوارا دستوريا ، وأعادته للحكومة لمراجعته مع المحكمة الدستورية العليا قبل إقراره، ومضى على هذا الزعم سبعة أعوام ولم يصدر القانون حتى هذه اللحظة .كما أن الطريقة المغرمة بسلق القوانين وتمريرها سهوا، التى مر بها قانون الجمعيات الراهن، لاتزال محل شكوى من يضطرون للتعامل معه.

تجاربنا السابقة مع من لهم حق تفصيل القوانين وتقنين الدساتير، حافلة بالخذلان . وليس تمرير تعديلات تشريعية مؤخرا لقانونى ضريبة الدمغة ورسوم تنمية موارد الدولة، التى انطوت على فرض رسوم وجمارك وضرائب، قادت إلى موجات غلاء غير مسبوق فى الأسواق ، يتحمل  الفقراء ومحدودو الدخل أعباءها، سوى نماذج مصغرة لتوظيف الأدوات التشريعية للإضرار بمصالح المواطنين والعسف بحقوقهم.

ليس من مصلحة الاستقرار المجتمعى، لجوء الحكومة لماهو معهود منها، إلى استخدم أغلبيتها فى البرلمان لتمرير التعديلات التى أدخلت على قانون الاجراءات الجنائية، وعدم مراعاة الاعتراضات الموضوعية على بعض نصوصه، التى وردت فى بيانات نقابتى الصحفيين والمحامين ونادى القضاة ومن خبراء القانون الدستورى، وحقوقى المجتمع المدنى . ولن يغير من تلك المواقف، اللهجة الخشنة التى استخدمتها اللجنة التشريعية، فى بيانها لكيل الاتهامات لمعارضى التعديلات على القانون ، والتحريض عليهم، ظنا منها أنها قادرة بذلك على غلق باب  النقاش على معارضة مشروعها، وإسكات من تسول له نفسه، دعم تلك المعارضة .

الدول لا تغير قوانينها كل يوم، لاسيما إذا استندت تلك القوانين، إلى قيم العدالة والمساواة والشفافية، وعدم التمييز بين أفرادها أمام سلطة القضاء، وضمان حقوقهم فى اجراءات التقاضى، التى تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتحول دون  تغول السلطات التنفيذية عليها بذرائع شتى، لتصبح بذلك دولة الحق والقانون والدستور.

. وقانون الإجراءات الجنائية، الذى يجرى تعديله، مضى على صدوره نحو 75 سنة . ولا مبرر حقيقيا للتسرع فى إصداره الآن . فلماذا لا تؤجل المناقشة فى التعديلات وإصدار القانون، إلى الدورة البرلمانية التى تتشكل مع البرلمان الجديد، التى يفترض أن تبدأ انتخاباته فى غضون أشهر قليلة، يجرى خلالها حوار مجتمعى موسع  فى زمن يكفى للتوصل إلى مشتركات ، تتجنب الطعن بعدم دستوريته، وتأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف ؟

التعليقات متوقفه