إبراهيم نوار يكتب :أسعار الفائدة والدولار ومأزق السياسة النقدية

24

رغم التحذيرات المتكررة من الإفراط في الاعتماد على الأموال الساخنة، فإن الحكومة تقع من جديد في فخ هذه السياسة منذ مارس الماضي. ورغم التحذيرات المتكررة من خطورة الزيادة في الدين الحكومي الخارجي، فإن الحكومة بعد أن كانت تسعى لتخفيضه، تبدو الآن وهي تستعد للعودة من جديد إلى سوق السندات العالمية من أجل سد فجوة التمويل الأجنبي التي تقدر بحوالي 10 مليارات دولار في السنة المالية الحالية. هذا التقدير في حقيقة الأمر يقل كثيرا عن الاحتياجات الفعلية التي من المتوقع أن تزيد لتغطية تمويل المشروعات وتكلفة استيراد الوقود، بعد أن وجدت الدولة نفسها وقد عادت إلى المربع الأول في شأن إمدادات الطاقة وأصبحت مستوردا صافيا.

ومن المثير للدهشة أن السيد رئيس الوزراء كان قد اعترف في الأسبوع الأول من الشهر الماضي أن ما يتراوح بين 7 إلى 8 % من الأموال الساخنة التي دخلت إلى مصر منذ مارس 2024 قد غادرت السوق. ومع ذلك فإن الحكومة بدلا من التركيز على بناء قدرات محلية تحد من الاعتماد على التمويل الخارجي، لا تزال ترى فيه طوق النجاة من نقص السيولة. وكانت السوق قد استقبلت حوالي 20 مليار دولار بعد تخفيض الجنيه ورفع أسعار الفائدة في مارس. صحيح أن موجة الهروب الأخيرة كانت محدودة جدا مقارنة بتلك التي تعرضت لها مصر في عام 2022 عندما بدأت دورة التشدد النقدي في الولايات المتحدة والدول الصناعية، لكنها أعادت إلى الذاكرة خطورة الإفراط في الاعتماد على الأموال الساخنة في تمويل عجز الخزانة العامة للدولة، أو تمويل مشروعات طويلة الأجل بأدوات تمويل قصيرة الأجل.
وبعد أن كانت الحكومة قد شرعت في سياسة لتخفيض قيمة الدين الخارجي، فإنها الآن تنوي العودة إلى سياسة الاقتراض من الخارج لسد فجوة التمويل الأجنبي. وهي تريد الحصول على 3 مليارات دولار خلال السنة المالية الحالية، بعد أن كانت قد توقفت عن الاقتراض تقريبا منذ عام 2021، باستثناء ما حصلت عليه من تمويل بواسطة الصكوك الإسلامية (1.5 مليار دولار)، و سندات الساموراي اليابانية، والباندا الصينية، بقيمة حوالي 500 مليون دولار لكل منهما في العام الماضي. ما يشجع الحكومة على زيادة الاقتراض الخارجي هو الاعتقاد بأن بداية دورة تيسير نقدي جديدة في الولايات المتحدة من شأنها أن تمنحها فرصة أفضل للحصول على تمويل خارجي رخيص.
إن التحدي الكبير الذي يواجه السياسة الاقتصادية هنا يتمثل في المخاطر التي ينطوي عليها التوسع في الاعتماد على التمويل الخارجي، سواء القصير الأجل او المتوسط وطويل الأجل. ومن أهم هذه المخاطر تقلبات سعر الصرف، وارتفاع تكلفة خدمة الديون بشقيها المحلي والأجنبي، التي تبتلع ما يقرب من خُمس الناتج المحلي الإجمالي سنويا. كما أن استفادة الحكومة من تخفيض أسعار الفائدة الأمريكية تتوقف على اعتبارات كثيرة، منها مدى مرونة سعر الصرف، واستقرار السياسة النقدية، إضافة إلى مستوى الثقة في السياسة الاقتصادية.
وبينما استطاعت دول عربية مثل السعودية والإمارات والأردن والمغرب أن تستفيد من تخفيض سعر الفائدة الأمريكية والأوروبية لتخفيض تكلفة الحصول على السيولة في أسواقها المحلية، وتعزيز فرص النمو للقطاع الخاص، فإن مصر لا تستطيع ذلك في الوقت الحاضر لسببين رئيسيين، الأول أن البنك المركزي يستعمل سلاح سعر الفائدة من أجل تخفيض التضخم، وهو ما يجعله يتردد كثيرا قبل اتخاذ أي قرار في هذا الشأن قبل انخفاض معدل التضخم بوتيرة مستقرة ومؤكدة في اتجاه الهدف المعلن إلى أقل من 10%. والثاني هو أن البنك يستخدم سلاح سعر الفائدة من أجل المحافظة على هامش يكفي لجذب الاستثمار الأجنبي في الجنيه المصري. وقد سجلت الأسابيع الأخيرة وصول العائد على أذون الخزانة لأجل 3 أشهر إلى حوالي 30%. ومع ذلك فإننا إذا أخذنا في الاعتبار أن معدل التضخم يبلغ حوالي 27% فإن العائد الحقيقي يقل عن 3%، وهو ما يجعله عائدا سلبيا مقارنة بالعائد على أذون الخزانة الأمريكية المماثلة.

التعليقات متوقفه