توظيف التراث فى شعر حلمى سالم

72

أحمد الصغير

كان الراحل حلمى سالم شاعرا من أقطاب شعراء حداثة العربية، وأغزرهم إنتاجا، حيث إنه وهب نفسه وحياته للشعر، فقد كان شاعرا مائزا، له طابعه الخاص فى كتابة النص الشعري، أثر بشكل كبير فى الأجيال التى جاءت بعده، كان إنسانا جميلا لأبعد الحدود الإنسانية التى يمكن أن نتخيلها، فهو ابن من أبناء الحداثة العربية، وابن من أبناء شعر الحداثة العربية، بل فارسا حقيقيا، بموته خسرت الساحة الشعرية واحدا من أهم شعرائها المعاصرين، فقد أنتج حلمى سالم فى حياتنا الثقافية أكثر من عشرين ديوانا شعريا تقريبا، بدءا من الديوان المشترك مع صديقه وابن جيله الشاعر رفعت سلام” الغربة والانتظار” وتوالت بعدها أعماله الشعرية، “حبيبتى مزروعة فى دماء الأرض” عام 1974، “سكندريا يكون الألم.. الأبيض المتوسط”، “سيرة بيروت”، “البائية والحائي”، “دهاليزى والصيف ذو الوطء”، “فقه اللذة”، “الشغاف والمريمات”، “سراب التريكو”، “الواحد الواحدة”، “يوجد هنا عميان”، “تحيات الحجر الكريم”، “الغرام المسلح”، “عيد ميلاد سيدة النبع”، “مدائح جلطة المخ”، “حمامة على بنت جبيل”، “الثناء على الضعف”، “الشاعر والشيخ، ارفع رأسك عالية، ومعجزة التنفس” ومن مؤلفاته النثرية “الثقافة تحت الحصار”، “الحداثة أخت التسامح”، “عم صباحا أيها الصقر المجنح”، “ثقافة كاتم الصوت، محاكمة شرفة ليلى مراد”.

كان الشاعر حلمى سالم من أكثر شعراء جيله انشغالا، ومعايشة واسعة، وافتتانا بالتراث العربى خاصة والإنسانى بعامة، لأنه أدرك أن التراث الحى هو التراث المتجدد دائما من خلال الحوار والتوظيف، والامتصاص والاستدعاء.. إلخ.

فالتراث العربى كان بمثابة الكنز العظيم الذى نهل منه الشعراء وكسروا الحاجز المنيع بين القديم والحديث، وانصهر الجديد فى القديم، وأخذ الجديد روح القديم، وصار التراث معبرا أصدق تعبير عن آلام الأمة وقلقها، من خلال استقطاب هذه المواقف التراثية وإسقاطها على الآلام الحياتية والوجع القومى الممدد داخلنا.

“فالتراث الحى هو التراث المتجدد، القادر على فتح آفاق جديدة للحوار، ليس حول الماضى وحده بل حول الحاضر والمستقبل كذلك، هذا هو معنى تجدده – ومن ثم – فإن الأمة الحية هى التى تكون فى حالة حوار دائم مع تراثها القريب والبعيد تستكشف معدنه وتسبر أغواره”.

 

توظيف القرآن الكريم

لا شك أن أولى هذه المصادر التراثية التى اتكأ عليها حلمى سالم، كانت القرآن الكريم، فقد انشغل حلمى سالم بلغة القرآن الكريم، وبقصصه ومواقفه العظيمة وبما أن القرآن الكريم مكون أساسى من مكونات الثقافة الإسلامية، ورافد ثرى من روافد الفكر الإنسانى والوجدانى ولا يستطيع مبدع أن يفلت من تأثيره، بل إن اللفظة القرآنية تدل على نفسها بوضوح حيثما توجد داخل النص الشعري، لأنها ترتكز على أثر تراثى عظيم، يحمل تاريخ الإنسانية بين جوانبه.

وقد اهتم الشاعر حلمى سالم بتوظيف المفردات القرآنية، والقصص القرآنية فى النص الشعري، وغزل فضاء شعريا من خلال استدعاء هذه المفردات القرآنية واستخدام مفردات الواقع أيضا فيقول:

حينما قلت للفتاة فى حيرتها

ليس لدى وقت لتصحيح أخطائك الفنية

ومع ذلك هزمتك الطفلة عندما قالت لك فى المطابع، خذ هيئة فرحان

يخيل لى أنها لن تطيق جملتي: “ويل للمطففين”

لكننى أظن أنها سترتاح إلى اقتراحي

نشترى كمية كبيرة من البالونات

وقد تصبح المفردة القرآنية أو الآية القرآنية التى يستدعيها الشاعر فى نصه الشعرى هى عتبة من عتبات النص، أو مفتاحا يمكن أن يتحقق لنا من خلاله الولوج فى النص الشعري، فالآية الأولى من سورة المططفين هى محور هذا المقطع الشعري، إن لم تكن محور القصيدة كلها، فالشاعر يوظفها معتمدا على الموقف الشعرى ذاته، راغبا فى استمرارية النص المفتوح على الآخر من النصوص التى تكون تحت مظلة اللغة، فاللغة التى يستخدمها الشعر لبناء نصه لا تتعارض مع لفظة القرآن إلا فى شيء واحد، وهو أن لغة القرآن لغة عليا مقدسة، وبالتالى فالشاعر معنى بإقامة علاقة وثيقة بين النص الحالة الذى يكتبه، والنص المقدس، إذن فالشاعر يستدعى الآية القرآنية ليضفى عليها دلالات أخرى تومئ إلى الواقع الذى تحياه الذات، وهنا يكمن السؤال الحائر، لماذا لجأ الشاعر لامتصاص سورة المططفين داخل نصه الشعري؟ فى ظنى أن سالما حاول أن يمزج بين نصه الشعرى والنص القرآنى ليخرج لنا نصا ممزوجا باللغة القرآنية وتصوراتها البلاغية، وقد نجد الشاعر حلمى سالم يوظف النص القرآنى من سورة العلق فى قوله تعالى “اقرأ باسم ربك الذى خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم”.

ومن ثم نلاحظ أن الشاعر حلمى سالم يستلهم المعنى القرآني، وقصة نزول الوحى على النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى قوله:

قال لي: اقرأ، قلت ما أنا بقارئ

قال: اقرأ كتابك الذى كتبت

قلت ما كتبت، قال: فاكتب:

قد وظف الشاعر الآيات القرآنية، وقصة نزول الوحى على النبى محمد – صلى الله عليه وسلم.

 

 

توظيف الحديث النبوي

يستخدم الشاعر حلمى سالم فى قصيدته “ش – عين – راء” الاقتباس الذى يصل إلى درجة كبيرة من درجات التنصيص – فى بعض الأحيان – من القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف، فقد مزج هذه الخطابات المقدسة التى صدرت عن النبى محمد – صلى الله عليه وسلم – وقصة نزول الأمين جبريل – عليه السلام – وقصة ذهابه إلى السيدة خديجة زوجته وهو خائف يرتعد من شدة الخوف وظف حلمى سالم هذا الحديث الذى كان بمثابة النور الذى نزل إلى الأرض وهذا التحول الإلهى ليخرج الناس من الظلمات والكفر إلى بر الإيمان والأمان بمجئ الدين الإسلامى الحنيف، فى قوله:

خائف وفرحان،

وطالع كالشجرة الخضراء، هذا هس في

هسة طرية، أنا اضطربت، قال لى الرجل الجميل:

ما أنا بقارئ

 

التعليقات متوقفه